طالما شكل المفاوضات ثابت: انتظروا انطلاقتها
على وقع الجدل البيزنطي القائم من باب المناكفات السياسية والإعلامية، بين كون المفاوضات القائمة مباشرة او غير مباشرة، ثمة من ينصح بضرورة التريث في إعطائها وصفاً جديداً، فهي لم تخرج بعد عن إطارها المعتمد. وإنّ من الحكمة وقف المهاترات الجارية، انتظاراً لما سيتغّير بعد تطعيم الوفدين بسياسيين مدنيين. فكل ما هو مطروح، من لجم الاعتداءات وإطلاق الاسرى وإنهاء الاحتلال، له حلول سياسية في ظل غياب مقومات الحلول العسكرية.
تقول مراجع ديبلوماسية وسياسية، إنّ من السخف الإمعان في تناول التطورات التي طرأت على شكل المفاوضات، في اللقاء الرابع عشر للجنة «الميكانيزم». فكل ما تغيّر بقي شكلاً ولم يرق بعد إلى المضمون. وكان ذلك بعد تسمية السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني، في مقابل تكليف المدير الأعلى للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يوري رسنيك برئاسة الوفد المقابل، واللذين انضما بصفتهما مشاركين مدنيين إلى المستشارة الأميركية لدى بعثة بلادها في الأمم المتحدة مورغان أورتاغوس، في الاجتماع الأخير للجنة.
على هذه الخلفيات، تضيف المراجع عينها، انّها فوجئت بموجة تعليقات لبنانية، اعتمدت خطاباً متناقضاً، عَكَس حجم الخلافات القائمة حول الشكليات، قبل الوصول إلى مناقشة أي اقتراح يمكن التوصل إليه على طاولة المفاوضات، في مقابل الصمت الإسرائيلي، بعد الاكتفاء بالبالونات السياسية الكبيرة التي أطلقها مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو في حديثه المبكر عن اتفاقيات وتفاهمات اقتصادية مع لبنان. وهو أمر عُدّ غريباً، ذلك أنّه لم ينتظر لقاء الوفدين والتعرّف إلى بعضهما بعضاً للبحث مبدئياً في إرساء آلية جديدة للمفاوضات، إن كانت أمراً مطلوباً ومتوافقاً عليه لمجرد انضمام المدنيين اليها.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، تحذّر المراجع نفسها من تكرار التجارب التي ظللت المفاوضات السابقة بين الدولتين، وما انتهت إليه من نتائج سلبية يمكن الإشارة اليها، منذ أن توقفت مفاوضات التحرير عام 1983 لإخراج الجيش الإسرائيلي من ضواحي بيروت بعد حرب العام 1982، لتعود وتنطلق من نقطة الصفر عينها على مرحلتين، الأولى منها في العام 2006 عقب حرب تموز، كما على مستوى ترسيم الحدود البحرية عام 2020، بحيث انّها انتهت إلى خسارة كل ما كان مكسباً سابقاً للمفاوضات السابقة في المساحات البحرية التي تخلّى عنها لبنان طوعاً لمصلحة العدو الإسرائيلي في ظروف معروفة، وليس وقت العودة إلى تفاصيلها التي قد تزيد من حجم الخيبة نتيجة تميّز اللبنانيين في تفويت الفرص الذهبية، وتعويضها بنكسات وهزائم على أكثر من مستوى.
ليس في ما سبق مجرد تأريخ لمرحلة سابقة، إنما العودة اليها قد تؤدي إلى ضرورة حماية المفاوض اللبناني هذه المرّة، وتأمين خلفية وطنية متماسكة تدعمه في الخطوات الأولى للمفاوضات التي يُتوقع أن تكون شاقة ومعقّدة، في ظلّ ما هو منتظر من طروحات إسرائيلية على طاولة المفاوضات، إن وجد الإسرائيلي انّه يحتاج إلى مزيد من المماطلة يمكن أن يمضيها بتزكية الخلافات اللبنانية الداخلية من جهة، ومحاكاة أزمات أسرائيلية داخلية تواجهها حكومة نتنياهو. وهي التي دفعته في الفترة الأخيرة إلى التردّد في إقفال أي جبهة من الجبهات العسكرية والسياسية والديبلوماسية وتركها جميعها مفتوحة. وهو يخوضها على مساحات ومحاور متعددة وواسعة من الحروب التي شنّها، إن على مستوى الداخل في «غلاف غزة» المحاصر قبل تدميره وبعض أجزاء من الضفة الغربية. كما على جبهتي لبنان وسوريا، من دون تجاهل الجبهتين البعيدتين جغرافياً مع كل من اليمن وإيران، اللتين ما زالتا مفتوحتين حسب التقديرات الأمنية الإسرائيلية التي تستحضرهما بكل ما يمكن ان يعودا به من أخطار - ولو كانت وهمية - على أمن إسرائيل ووجودها، كلما دعت الحاجة إلى التهويل على الداخل الإسرائيلي، ومن أجل تجاوز الاستحقاقات القضائية التي يواجهها نتنياهو شخصياً، وتلك السياسية التي تعترض مهمّة حكومته أمام الكنيست.
ولذلك، تنصح المراجع المعنية انطلاقاً من التجارب السابقة، بضرورة التوقف عن إطلاق التنبؤات المحتملة في شأن مستقبل المفاوضات. فنصائح المفاوضين السابقين يجب أن تكون مسموعة لتؤخذ سلبياتها وإيجابياتها في الإعتبار، وهو أمر يستدعي وقف الجدل البيزنطي الذي لا يؤدي إلى أي نتيجة سوى المسّ بمعنويات الوفد المفاوض، الذي يستعد لخوض المفاوضات بلا أي من أوراق القوة التي يمكن أن يتسلّح بها، نتيجة الهزيمة التي لحقت بلبنان جراء المواجهة الأخيرة التي خاضها فريق، سبق له ان تفرّد بقراره متخلياً عن الحدّ الأدنى من الإجماع الوطني، وصولاً إلى فقدان أي حليف لمن يدّعي الحاجة إلى سلاح، افتقد أدواره الداخلية والإقليمية والخارجية التي امتهنها لعقد من الزمن، بعد أن تغيّر الداخل كثيراً ومعه المحيط بكامله، وانتقل إلى حال من العداء لمن يمتلك السلاح غير الشرعي.
وإلى هذه المعطيات، ثمة من يصرّ على انّه لم يعد أمام المفاوض اللبناني - الذي يجب ان يكون حاضراً لاستيعاب ما قد يُطرح عليه - ان يكون جاهزا لمواجهة المفاوض الاسرائيلي لمجرد فهمه لتاريخ المفاوضات مع عدو متمرّس، قد يفاجئه من وقت لآخر بما لا يتصوره أحد، إن أراد تجميد المفاوضات او تعطيلها لأهداف مختلفة. وهي مهمة صعبة في ظل فقدان كثير من الأوراق التي كانت في حوزة المفاوض اللبناني عند الترسيم البحري مثلاً، وما قالت به الخرائط الدولية الموثقة في الأمم المتحدة حول الحدود البرية منذ العام 1923. ولذلك فهو ينتظر موقفاً رسمياً موحدا وصلبا من أهل الحكم يتجلّى بقوة وبصراحة مفقودة حتى اليوم، ولم يثبت بعد انّه قادر على دعم المفاوض والتعاون لمناقشة ما قد يُطرح عليه بروية وشفافية وعقلانية بعيداً من المغالطات، لتسهيل ما يؤدي إلى مرحلة احتساب نقاط القوة والضعف.
وعلى هامش النقاش الدائر، تتطلّع المراجع العليمة إلى احتمال تجديد العرض السعودي السابق بهبة الثلاثة مليارات من الدولارات، لشراء حاجات الجيش من الأسلحة الفرنسية لتعزيز قدراته، بمعزل عن منطق المؤتمرات المؤجّلة. وهو ما سيكون مدار بحث في باريس قريباً في لقاء يجمع الموفدين الفرنسي جان إيف لودريان والسعودي يزيد بن فرحان والأميركية مورغان اورتاغوس وقائد الجيش العماد رودولف هيكل.
جورج شاهين - الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|