عربي ودولي

إعادة تموضع سياسي وشعبي.. "صحوة" عراقية غير مسبوقة للنأي عن المشروع الإيراني

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

قالت مصادر سياسية وإعلامية عراقية إن الجولة الحالية من الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، تشهد حالة غير مسبوقة من إعادة التموضع السياسي والشعبي بعيدًا عن المحور الإيراني الذي سيطر على مفاصل الدولة طوال عقدين.

وقال مصدر سياسي عراقي لـ "إرم نيوز" إن ما كان يُعدّ "محورًا استراتيجيًا مقدسًا" بين بغداد وطهران، بات اليوم عبئًا سياسيًا، بل وسببًا رئيسًا في تنامي مشاعر الرفض الشعبي لكل ما يمت بصلة للنفوذ الإيراني.

من التبعية إلى الحياد

مصدر إعلامي عراقي أوضح لـ "إرم نيوز" أن الجولات الميدانية، وبيانات المرشحين والسياسيين تبيّن أن الخطاب الانتخابي الجديد في بغداد والجنوب لم يعد يحمل ملامح الانقسام التقليدي بين "محور المقاومة" و"المعسكر الأمريكي"، بل يسعى إلى رسم ملامح "هوية وطنية مستقلة".

وأضاف أن المرشحين الجدد، بمن فيهم شخصيات شيعية كانت تدور سابقًا في فلك الحرس الثوري، باتوا يرفعون شعار الحياد تجاه واشنطن وطهران معًا، وهو تطور رمزي يعكس تآكل جاذبية المشروع الإيراني في الشارع العراقي، وفقًا للمصادر. وأشارت إلى أنه "حتى الفصائل الشيعية التقليدية، التي كانت تُفاخر بولائها لطهران، تسعى اليوم إلى تجميل صورتها بإظهار مسافة آمنة من إيران". 

وينقل المصدر السياسي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، تسريبًا عن أحد المستشارين السابقين في مكتب رئيس الوزراء لمصدر دبلوماسي غربي، يقول فيه إن "الارتباط العلني بإيران أصبح عبئًا انتخابيًا".

الباحث والأستاذ الجامعي العراقي، المتخصص في الشؤون السياسية، إياد العنبر، قال في تصريحات لـ "إرم نيوز" إن ثمة قراءة للأحداث اليوم في العراق، تقول إن إيران لم تعد إيران قبل 11 أكتوبر أو قبل حرب الـ 12 يومًا، وإن إيران لم تعد إيران بعد خسارة "محور المقاومة" لرأس الرمح (حزب الله) والعمود الفقري (سوريا)، وبناء على هذه القراءة يُتوقع أن يكون العراق هو الحلقة التالية في مسلسل خسارات إيران لنفوذها السياسي والعسكري في المنطقة.

عقدان من الفساد والميليشيات

على مدى عشرين عامًا، شكّلت إيران اللاعب الأكثر نفوذًا في العراق، عبر أدوات عسكرية واقتصادية وأمنية متشابكة.
لكن هذا النفوذ خلّف وراءه إرثًا مثقلًا بالفساد، والطائفية، وتغوّل الميليشيات على الدولة.

ويصف تقرير أعدّه مركز "تشاتام هاوس" البريطاني الحالة العراقية بأنها "دولة منهوبة من الداخل" تُدار لصالح شبكة مصالح تمتد من قُم إلى بغداد مرورًا بالبصرة، هدفها الأول تسخير موارد العراق لمقاومة العقوبات المفروضة على طهران.

وبالفعل، تغلغلت إيران في كل مفاصل الحياة العراقية؛ من المصارف وشركات الصرافة إلى تهريب النفط وتجارة الكهرباء والغاز، حيث تشير بيانات البنك المركزي العراقي إلى أن أكثر من 40% من التحويلات الدولارية الخارجية في السنوات الأخيرة كانت تصب في مصالح مرتبطة بإيران، عبر وسطاء محليين أو مؤسسات واجهة.

تصدع صورة إيران

يرى خبراء أن الهزائم المتتالية التي تلقتها إيران انعكست مباشرة على مكانتها داخل العراق، وأن الصورة التي بنتها عن نفسها كقوة إقليمية قادرة على حماية حلفائها تصدعت تدريجيًا، ففي لبنان، تراجع حزب الله إلى موقع دفاعي بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة والعزلة الشعبية، وفي اليمن، تلقّى الحوثيون ضربات موجعة بعد اتفاقات وقف النار وتبدّل أولويات إيران.

أما في سوريا، فقد تسببت الضربات الإسرائيلية الدقيقة وتفاهمات موسكو-واشنطن في تفكيك البنية العسكرية للحرس الثوري، فيما نقلت طهران جزءًا من قياداتها العسكرية إلى مناطق غرب العراق.

مصادر أمنية عراقية تؤكد أن نفوذ "فيلق القدس" تقلّص إلى نحو النصف عمّا كان عليه قبل عام 2020، بعدما كانت طهران قادرة على إدارة الملف العراقي من دون حاجة لتنسيق مع الحكومة المركزية. 

الحشد الشعبي.. ورقة انتخابية

يُعتبر الحشد الشعبي أبرز أدوات إيران في العراق، لكن هذه المؤسسة تواجه اليوم انقسامًا داخليًا عميقًا، بحسب تقرير "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" الأمريكية (FDD)، الذي يكشف أن العدد الحقيقي للمقاتلين الفاعلين في صفوف الحشد لا يتجاوز 48 ألفًا من أصل 238 ألفًا مُعلنًا، والبقية "جنود وهميون" تُستخدم رواتبهم كقنوات تمويل للفصائل الموالية لإيران. 

كما أن الفساد المستشري داخل الحشد، وسقوطه في مستنقع الصراعات السياسية، أفقداه شرعيته الشعبية.
وحتى قادته، الذين كانوا يُقدمون أنفسهم كـ"رموز مقاومة"، أصبحوا مرشحين انتخابيين يبحثون عن شرعية صناديق الاقتراع بدل شرعية السلاح.

قادة بارزون مثل فالح الفياض، وهادي العامري، وقيس الخزعلي، وأحمد الأسدي يخوضون الانتخابات بلوائح منفصلة بعد تفكك المظلة الإيرانية التي كانت توحدهم، وهذا التحول من "الذراع الحديدية لطهران" إلى "لاعبين متناحرين على السلطة" يعكس انكماش نفوذ الحرس الثوري الإيراني داخل العراق، وفقًا للمصدر السياسي العراقي.

الباحث السياسي إياد العنبر يكشف من جهته، أن الكثير من السياسين يريدون أن يتنصلوا أو يتحرروا من النفوذ الإيراني، بينما يريد آخرون القفز من مركب إيران إلى مركب الولايات المتحدة الأمريكية، لضمان بقائهم في السلطة، وتمتعهم بالنفوذ والأموال وكل المزايا التي حصلوا عليها طوال الفترة الماضية.

واشنطن تلتقط اللحظة

في المقابل، تعمل الولايات المتحدة بهدوء على دعم هذا التوجه العراقي نحو الاستقلال السياسي.
مصادر دبلوماسية غربية في بغداد أكدت أن واشنطن تضخّ دعمًا غير معلن لبرامج "الاستقلال الطاقوي" و"الحوكمة المحلية" في المحافظات الجنوبية، عبر مؤسسات تابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، بهدف تحجيم نفوذ طهران الاقتصادي تدريجيًا.

كما كثّفت السفارة الأمريكية من لقاءاتها مع قوى شيعية معتدلة وزعامات عشائرية في الوسط والجنوب، في محاولة لتشكيل كتلة وطنية عابرة للطوائف تستطيع كبح التيار الإيراني داخل البرلمان المقبل، وبحسب المصدر السياسي، فإن الانتخابات القادمة "قد تحدد شكل العلاقة بين العراق وإيران لعقد كامل".

ويلفت الباحث إياد العنبر إلى توجه أمريكي جديد في العراق، قائلًا "كان في السابق هناك معادلة تفيد بأن التواجد الأمريكي العسكري هو الأقوى من الحضور أو التواجد السياسي، لكن يبدو أن الأمريكان بدؤوا الآن بتغيير هذه المعادلة لمواجهة النفوذ الإيراني الذي لم يكن تواجدًا عسكريًا بقدر ما هو نفوذ سياسي وبأذرع إيرانية.

ويوضح العنبر "تتجه أمريكا الآن إلى قلب هذه المعادلة، بأن يكون لديها حضور سياسي واضح وصريح وقوي، وهي تنتظر  الانتخابات الآن، وسوف يكون لديها في قادم الأيام مقعد على طاولة المفاوضات بتحديد من يكون رئيس وزراء، وكيف يكون شكل الحكومة وكيف تتشكل الحكومة.

أوراق مؤثرة

رغم هذا التململ في الأوساط العراقية، لا تزال إيران تملك أوراقًا مؤثرة داخل العراق، وفقًا للمصدر السياسي العراقي، فنفوذها الأمني والاقتصادي لم يختفِ بعد؛ ولا تزال شركاتها تهيمن على قطاع الكهرباء والغاز، وتتحكم عبر وكلاء محليين بمفاصل حساسة في الجمارك والمنافذ الحدودية، وتدير شبكات تهريب ضخمة تدرّ ملايين الدولارات شهريًا.

كذلك، لا تزال بعض الفصائل الشيعية المسلحة، مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق"، تحتفظ بقدرات عسكرية مستقلة وتُعدّ "احتياطًا استراتيجيًا" لإيران في حال تغيّر المشهد السياسي.

لكن حتى داخل هذه الفصائل، تظهر علامات تعب وارتباك، وفقًا للمصدر السياسي، ذلك أن قيادات ميدانية شبابية بدأت تتحدث عن "ضرورة مراجعة العلاقة مع إيران" والتركيز على المصالح العراقية، ويشير المصدر إلى أن أحد القادة السابقين في "العصائب" قال له، في اتصال خاص، إن "إيران لم تعد قادرة على دفع الرواتب أو تعويض خسائرنا كما في السابق.. باتت تتعامل معنا كعبء أكثر من كوننا حليفًا".

"كلاسيكو" سافايا- قاآني

هذه التحولات المتسارعة تشير إلى أن العراق يدخل مرحلة إعادة تعريف هويته السياسية. فالانقسامات داخل المعسكر الموالي لإيران، والتململ الشعبي من نفوذها، والبراغماتية الجديدة التي تحكم خطابات المرشحين، كلها مؤشرات على تغير كبير في وعي العراقيين، وفقًا للمصدر السياسي.

ومع ذلك، فإن الطريق ما زال طويلًا ومعقدًا. فإيران، التي تعتبر العراق عمقها الاستراتيجي الأول، لن تتخلى بسهولة عن نفوذها، بينما تراهن واشنطن على الوقت وتبدّل الأجيال داخل الطبقة السياسية العراقية.

يعتقد إياد العنبر أن العراق أمام فترة امتحان لكل هذه المواقف والقراءات، التي ستتضح حقيقتها من خلال طبيعة شكل الحكومة القادمة، ويلفت إلى أن الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب باتت أكثر وضوحًا في مواقفها تجاه العراق، خاصة بعد تعيين مبعوث خاص لها في العراق، ما يعطي دلالات على أن هناك اهتمامًا بالملف العراقي.

وبالنتيجة؛ يخلص العنبر للقول: "ننتظر الكلاسيكو بين المبعوث الأمريكي الخاص وقائد الحرس الثوري الإيراني، هذا الكلاسيكو بين سافايا وقاآني سيكون حاضرًا في الانتخابات القادمة"، وسيترتب على نتيجته الكثير من التغييرات في العراق، على حد قوله.
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا