الشرع في الرياض سعياً لاستثمارات: النفوذ السعودي يواجه عقبات
للمرة الثالثة منذ تولّيه السلطة، نهاية العام الماضي، زار الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، أمس، الرياض، حيث انضمّ إلى وفد وزاري كبير سبقه إليها قبل يوم واحد، وذلك للمشاركة في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» بنسخته التاسعة. الزيارة التي تأتي في سياق الرعاية السعودية الكبيرة للسلطات الانتقالية، سبقتها إجراءات عديدة بدفع سعودي – أميركي، تهدف إلى تمهيد الطريق أمام إمكانية البدء باستثمارات حقيقية في سوريا، بعد سلسلة من المؤتمرات الاقتصادية والاستثمارية في سوريا، تبيّن أنها مجرد «حبر على ورق»، في ظل عدم وجود أي ظروف ملائمة لإقامتها من جهة، وتورّط السلطات في توقيع تفاهمات مع شركات وهمية أو صورية، والتسويق لاتفاقيات مستقبلية بمليارات الدولارات، في إطار سياسة ترويج إعلامية لا أكثر.
وتكشف زيارة الوفد الوزاري، الذي ضمّ وزراء المالية والاقتصاد والصناعة والطاقة والاتصالات وتقانة المعلومات، عن محاولة حثيثة من قبل السلطات الانتقالية في سوريا للوصول إلى اتفاقات واضحة في شتّى المجالات، في ظلّ وجود سوق كبيرة للاستثمار في ملف إعادة إعمار البلاد التي دمّرتها الحرب.
ويأتي هذا وسط رغبة سعودية واضحة بالحصول على حصة وازنة من هذه السوق، عن طريق الدعم الكبير الذي قدّمته، وما زالت تقدّمه، للسلطات الانتقالية، في الساحتين السياسية والميدانية، بدءاً برفع العقوبات الأميركية التي كانت مفروضة على سوريا، والتي بقيت منها عقوبات «قيصر» التي تنتظر موافقة مجلس النواب، - بعد أن تمّ إدراج إلغائها ضمن قانون الموازنة الدفاعية في مجلس الشيوخ، وتمّت الموافقة عليه بعد إجراء بعض التعديلات عليه -، ووضع عدد من البنود التي قالت إنه يتوجّب على السلطات الانتقالية تطبيقها، أبرزها ضمان أمن الجوار بما فيه إسرائيل، وإقامة نظام مواطنة حقيقي يكفل حقوق جميع السوريين، بالإضافة إلى حل أزمة المقاتلين الأجانب، علماً أن خرق هذه البنود أو عدم تنفيذها لا يعني بالضرورة إعادة تفعيل العقوبات بشكل أوتوماتيكي، إذ يتطلّب الأمر، في حال وافق مجلس النواب، قانوناً جديداً.
وميدانياً، لعبت السعودية، منذ سقوط نظام بشار الأسد، دوراً بارزاً في دعم السلطات الانتقالية، الأمر الذي ظهر بوضوح خلال المجازر التي شهدتها السويداء في تموز الماضي، عندما قامت شخصيات سعودية، وبشكل غير رسمي، بدعم الحراك العشائري، حسبما تؤكد مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار». ودفع هذا الأمر إلى نفير العشائر نحو السويداء بهدف السيطرة عليها، قبل أن تتدخّل إسرائيل وتقوم بحماية المحافظة ذات الغالبية الدرزية، وتفرض واقعاً جديداً في الجنوب السوري، أتاح المجال لإقامة نظام حكم ذاتي في السويداء، وسط دعوات للانفصال عن سوريا.
بموازاة ذلك، تنتظر الرياض، التي وجدت مع سقوط نظام الأسد فرصة سانحة لإيجاد موطئ قدم لها في الساحة السورية، وضع سوريا تحت الوصاية السعودية بشكل غير مباشر، بعد عقود من التعامل الندّي بين الدولتين. ويمكن أن يفسّر هذا الأمر الاحتضان غير المسبوق للسلطات الانتقالية، وتقديم شتى أنواع الدعم لها، بما فيها المنحة التي تقدّمها السعودية بالشراكة مع قطر بقيمة 28 مليون دولار شهرياً تُدفع كل ثلاثة أشهر، لتأمين رواتب الموظفين في سوريا، والتي أعلن وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، بدء نفاذها بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وعلى الرغم من علوّ كعب الرياض في الملف السوري، ثمّة معوّقات عديدة تواجه رغبتها الجامحة بتوسيع نفوذها فيه، أبرزها الارتفاع المستمر في منسوب التوتّر بين القوى المتناحرة في البلاد، على الرغم من محاولة إيجاد صيغة توافقية يقودها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، الذي يسعى إلى تأسيس تحالف سنّي بين تركيا والسعودية، تلعب فيه قطر دوراً بارزاً، إذ تلعب التوترات المستمرة، سواء في شمال شرق البلاد (مناطق نفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» التي تقود «الإدارة الذاتية» الكردية)، أو في جنوبه (السويداء والمناطق التي تحتلها إسرائيل)، أو حتى في وسط البلاد وغربها (حيث تستمرّ جرائم القتل على خلفية طائفية في ظل الهشاشة الأمنية التي تعيشها سوريا، وصعود الفصائل المتشدّدة).
ويعني هذا فعلياً أن أي استثمار اقتصادي سيتمّ توقيعه يواجه سلسلة من العقبات والمطبات قبل تنفيذه، خصوصاً مع عدم حسم واشنطن، حتى الآن، ملف عقوبات «قيصر»، وعدم التوافق في مجلس الأمن على شطب اسم الشرع وأعضاء من حكومته من قوائم الإرهاب.
وأمام المعطيات السابقة، يمكن اعتبار الزيارة التي يجريها الشرع، تلبية لدعوة رسمية سعودية، جزءاً من سلة الدعم التي تقدّمها الرياض له، حيث تتيح هذه الزيارة للرئيس الانتقالي إجراء لقاءات ومباحثات مع عدد كبير من المسؤولين المشاركين في المؤتمر. كذلك، من شأنها أن تفسح له ولحكومته المجال لتقديم شروحات تفصيلية للشركات الراغبة بالاستثمار حول الفرص المتاحة، الأمر الذي يمكن أن يمهّد مستقبلاً لبدء عملية استثمارية حقيقية بعد توافر الظروف المناسبة، وعلى رأسها الاستقرار السياسي والأمني، المرهون أساساً بتوافق القوى الإقليمية والدولية المتناحرة في سوريا، والخطوات الإصلاحية التي يجب على الشرع اتّخاذها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|