المجتمع

"جيل الهاتف الذكي": كيف تغيّر وسائل التواصل ملامح الطفولة في لبنان؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يواجه العالم التربوي في لبنان تحديات عدة، ولعلّ أخطرها حاليًا، ظاهرة حضور وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الأطفال، حيث تحوّلت من وسيلة ترفيه وتواصل إلى جزء أساسيّ من حياتهم اليومية، واتخذت طابعًا إدمانيًا لدى فئة واسعة منهم. الأمر الّذي بات يشكّل مصدر قلق للأهل والمربين والاختصاصيين النفسيين، لما يترتب عليه من آثار سلبية تمسّ النمو النفسي والاجتماعي والتربوي عند الطفل.

هذه القنبلة الموقوتة التي نسلّمها لأطفالنا بإرادتنا من دون أي توجيه، فبعض الناس لا يعيرون انتباهًا لأطفالهم لحظة ضغطهم على لينك يفتح لهم فيديوات منها الإباحية ومنها ذات الطابع الإجرامي، ومنها ما تكسبهم الألفاظ البذيئة، ومنها ما يكسبهم سلوكًا لاأخلاقيًا والاحتمالات هنا تطول ولا يمكن حصرها من دون أن ننسى الابتزاز الإلكتروني .

وفي هذا السياق، تسأل الدكتورة فادية كامل حسين، دكتوراه في العلوم التربوية - جامعة القديس يوسف - لبنان: "أمام هذه الظاهرة التي لا يمكن تجاهلها، على من تقع المسؤولية؟ على الأهل؟ المدرسة؟ أم على المحيط والبيئة الّتي يعيش فيها الطّفل؟".

وتوضح حسين: "لقد أولى علماء النفس التربويّ أهميّة كبرى لعمليّة التفاعل الاجتماعيّ بين المتعلّم (الطّفل) والرّاشد والمعلّم والرّفاق والمحيطين. حيث تحدّث فيجوتسكي (Vygostky) - رائد النظريّة البنائيّة الاجتماعيّة – عن منطقة النموّ المجاور (Zone de développement proximal ) وهي المنطقة الّتي تلقي الضوء على كيفيّة تطوير النموّ المعرفيّ عند الطّفل. كما أشار بياجيه "Piaget" وبعض العلماء مثل "J. Bruner "، إلى أن الطّفل يستنبط المعرفة ويبنيها في عقله من خلال تفاعله مع عالم الأشياء. وهذا ما يؤكّد عدم الفصل بين الطّفل والمجتمع والبيئة المحلّية".

وتتابع الباحثة التربوية :"هنا نقصد الأهل، والمدرسة، والرفاق، والمحيط ... واليوم، يمكننا إضافة عنصر أساسيّ هو العالم الافتراضي الّذي بات يشكّل الخطر الأكبر، لأنّه عالم مفتوح، والطّفل قاصر، وغير قادر على تمييز المحتوى السلبيّ من الإيجابيّ".

وتشير الدّراسات إلى أن الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى اضطرابات في التركيز والانتباه، وتراجع في التحصيل الدراسي، وتراجع قدرة الطّفل على ضبط الوقت وإدارة أولوياته.

بدورها، ترى رئيسة الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان أميرة سكر أن هذه قضية مهمة وحساسة ومعقدة، مؤكدة أن استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية وسلبية على حياتهم.

وبرأيها، إن المسؤولية مشتركة حيث يلعب الآباء والأمهات دورًا هامًا في توجيه أطفالهم وتوعيتهم بمخاطر وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية استخدامها بأمان. كما تلعب المدرسة دورًا في تعليم الأطفال عن وسائل التواصل الاجتماعي وآداب استخدامها.

وتتفق سكر مع حسين حول فكرة أن البيئة التي يعيش فيها الطفل قد تؤثر على طريقة استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي. وكذلك يمكن أن يكون للأصدقاء تأثير كبير على بعضهم البعض، ويمكن أن يساعدوا في تشجيع استخدام مسؤول أو غير مسؤول لوسائل التواصل الاجتماعي .

وفي ما يتعلق بالتأثيرات السلبية، تلقي سكر الضوء على "الإدمان الرقمي" حيث يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى الإدمان الرقمي. كما أن عدم المعرفة الكافية بسياسة الخصوصيه تسهل الخروقات للأمان على الإنترنت، ما يؤدى إلى تعرض الأطفال للتنمر الإلكتروني أو الاستغلال.

يترجم الأثر البالغ  أيضًا في عملية تراجع التحصيل الدراسي، حيث يمكن أن يؤثر الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي على أداء الطفل الأكاديمي.

في مقابل التأثيرات السلبية، لا يخفى عن بال سكر التطرق إلى التأثيرات الإيجابية، والتي تتمثل في بعض وجوهها في مساهمة وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز التواصل بين الأطفال والأصدقاء والعائلة.

وانطلاقًا من أننا نعيش اليوم في عصر التكنولوجيا، فإن وسائل التواصل الاجتماعي قد توفر فرصًا للتعلم والاطلاع على المعلومات، وتساهم في تعزيز التعبير عن الذات، كما يمكنها أن تساعد الأطفال في التعبير عن أنفسهم وإظهار إبداعاتهم.

وبالعودة إلى دور الأهل، تشرح حسين بأنه عندما لا يشعر الطفل بالقيمة والقبول داخل محيطه، فإنه يسعى إلى بناء صورة رقمية مثالية عن ذاته، "الهوية الافتراضية" الّتي تحقق له الرضى، هذه الحالة تُبعده تدريجيًا عن ذاته الحقيقية، وتضعف ثقته بنفسه، وهنا تبرز أهمية دور الأهل في منح الطفل الشعور بالقيمة والقبول. وتعزيز الحوار الأسري المفتوح حول القيم الواقعية مقابل الصورة الافتراضية.

أما في ما يتعلق بدور المجتمع، فتشدد  حسين  على أن هذا الإدمان يؤدي إلى العزلة والانطواء، إذ يقلّ تفاعل الأطفال وجهًا لوجه مع الأقران وأفراد الأسرة وحتّى مع الأصدقاء، ما يؤدّي إلى ضعف في مهاراتهم التواصلية والعاطفية. كما يواجه بعضهم ضغوطًا نفسية ناتجة عن التنمّر الإلكتروني، كلّ ذلك يجعل الطفل يعيش في دائرة مغلقة من القلق، والسعي نحو إثبات الذات رقميًا بدلًا من بنائها فعليًا في الحياة الواقعية.

وبالنسبة لدور المدرسة، فتؤكد حسين أن دورها محوري في التوعية على أهمية التربية الإعلامية الرقمية، والتحذير من المخاطر النفسية والاجتماعية للتواصل الافتراضي، وتشجيع الأنشطة الصفية واللامنهجية التي تعيد الاعتبار للعلاقات الإنسانية الواقعية، وهذا يتطلّب الخروج عن نمط التدريس التقليديّ والتركيز على مهارات الحياة الّتي يحتاجها المتعلّم ليكون متعلّمًا مدى الحياة.

ويبقى للأقران والأصدقاء دور لا يقلّ أهمية في خلق بيئة دعم إيجابية، قائمة على القبول والتشجيع بعيدًا من المقارنات السطحية التي تغذي الإدمان الرقمي.

وفي الختام ، وأمام هذه الثغرات التي لا يزال الأطفال والمراهقون يقعون ضحيتها، لا نلاحظ تحركًا فعليًا وحقيقيًا على مستوى الأهل والمجتمع والأقران والأصدقاء، وهؤلاء يمثلون الدائرة الصغرى والكبرى التي يدور فيها الطفل والمراهق بشكل يومي. وتدعو سكر إلى فتح قنوات التواصل بين الآباء والأمهات وأطفالهم حول استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي، وإلى الزامية تعليم الأطفال الأساليب السليمة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وآداب استخدامها مع الاستمرار في الرقابة، ومراقبة هذا الاستخدام، وتشجيعهم على استخدامها بطريقة مسؤولة وإيجابية.

أما حسين، فتشير إلى أنّ ظاهرة إدمان الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعيّ تستدعي تربية رقمية واعية تنمّي في الطفل حسّ المسؤولية والتمييز بين العالم الواقعي والافتراضيّ. وهذا يحتاج إلى تضافر الجهود بين الأهل والمدرسة والمحيطين، وتكثيف برامج التوعية حول مخاطر هذا النوع من الإدمان، وإيجاد البديل عبر خلق بيئة تربويّة صحّية آمنة.

مازن مجوز - "نداء الوطن"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا