الصحافة

توتّرات متزايدة بين "تحرير الشام" والفصائل ...تركيبة سوريا الأمنيّة: حرائق مؤجّلة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ثير جملة من القضايا الأمنيّة في سوريا، في الآونة الأخيرة، شكوكاً متزايدة حول «التركيبة الأمنيّة» التي قامت السلطات الانتقالية ببنائها، في محاولة لفرض سيطرتها على البلاد. وهي تركيبة تجمع في الوقت نفسه هيكلية فصائلية تعتمد أساساً على ولاء العناصر لقائد فصيلهم (الشيخ)، وأخرى مركزية تعمل بشكل منفرد، وتحاول بناء تحالفات مع القوى الإقليمية والدولية، الأمر الذي يخلق مشهداً معقّداً بين المستويين الفصائلي والمركزي، يهيّئ الأرض لانفجارات وأزمات متلاحقة.

على أنّ هذه الهيكلية، التي تُعدّ تطويراً لتلك التي شيّدتها «هيئة تحرير الشام» في إدلب، في أثناء مدّة سيطرتها على المحافظة (قبل أن تسيطر على الحكم في سوريا)، كانت آنذاك مناسبة لإدارة المحافظة في زمن الحرب. إذ استطاعت «الهيئة» وقتذاك ضمّ عشرات الفصائل تحت جناحها، لتشكّل جبهة موحّدة أتاحت لها إدارة إدلب، وضبط الأوضاع الداخلية فيها، وتحويل نفسها إلى «قوة ضاربة» في الشمال السوري، مع هامش واسع لقضم أو إنهاء أي فصيل يرفض الانخراط في بنيتها التنظيمية.

وخلافاً لتلك المرحلة، التي كانت تقتسم فيها الفصائل «الغنائم» في ما بينها، سواء عبر السيطرة على معابر التهريب أو عبر منحها بعض الاستثمارات، تُطرح اليوم شكوك جدّية حول إمكانية نجاح هذه التجربة ضمن مساحة أوسع (سوريا ككل). إذ إنّ الظروف الراهنة مختلفة؛ خصوصاً في ظلّ غياب الحرب، وتمسّك واشنطن، بالحوار لحلّ قضية الأكراد (ملف الإدارة الذاتية و«قسد»)، وتأمين إسرائيل «مظلّة حماية» للدروز في السويداء، وعدم وجود جبهات قتال داخلية أخرى، إلى جانب تمسّك السلطة الانتقالية ببناء نظام اقتصادي وسياسي وأمني مركزي، لا يمنح الفصائل هامش الحركة أو الامتيازات التي كانت تتمتّع بها في إدلب.

إلى جانب ذلك، تبرز معضلة الفصائل الأجنبية التي شكّلت سابقاً القوة الضاربة لـ«تحرير الشام» في إدلب. إذ تواجه محاولة السلطات الانتقالية ضبط هذه الفصائل، سواء عن طريق حلّها أو تنظيمها ضمن هيكلية وزارة الدفاع، عقبات عديدة، آخرها ظهور أصوات عديدة ترفض سلوك تلك السلطات في كل مرة يتعرّض فيها عنصر أجنبي إلى الاعتقال، وهو ما يتجلّى جانب منه في انتشار تسجيلات تثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتفجّرت آخر الأزمات المشار إليها، بعد اعتقال المقاتل الإيغوري الشهير «أبو دجانة التركستاني»، الذي ينشط على «تيك توك»، ما أثار موجة احتجاج في أوساط الإيغور، الذين يصفون أنفسهم بـ«المهاجرين»، وخلق فجوة يمكن ملاحظتها بين هؤلاء، والفصائل المحلّية التي يطلق عليها «الأنصار». وهي فجوة مرشّحة للاتّساع في حال نجحت مساعي دمج «قسد»، في هيكلية وزارة الدفاع، نظراً إلى أنّ كلا الطرفين (قسد والمقاتلون الأجانب) أعداء بعضهما لبعض.

كذلك، شكّلت العملية الأمنيّة المشتركة بين «التحالف الدولي»، والسلطات الانتقالية في معضمية القلمون المحاذية للضمير، في ريف دمشق، السبت الماضي، شرارة أزمة جديدة على تخوم العاصمة دمشق. فقد تمّ القبض، في أثناء العملية، على خالد المسعود وشخصين آخرين بتهمة الانتماء إلى تنظيم «داعش»، قبل أن ينتشر نبأ مقتل المسعود، بعد يوم واحد من التحقيق معه، وسط تسريب أنباء عن براءته من التّهم التي وجّهت إليه، ما أشعل احتجاجات في أوساط مقاتلين عشائريين موالين له (من عشيرة العنزي).

ويقول أنصار المسعود، إنّ الأخير كان قد انشقّ عن التنظيم وأصبح من وجهاء المنطقة، وسط اتّهامات لقياديين في «جيش سوريا الحرة» (الفصيل الذي أنشأته الولايات المتحدة وينشط في التنف وله وجود وازن في ريف دمشق، ويعمل تحت مظلّة «وزارة الداخلية» شكلياً) بكتابة تقارير كيدية تسبّبت باعتقاله ومقتله، خلال العملية التي تخلّلها إنزال جوّي لـ«التحالف».

وهكذا، يعكس المشهد الذي تعيشه سوريا في الوقت الحالي، شبكة متداخلة من البؤر الجاهزة للاشتعال داخل مناطق سيطرة السلطات الانتقالية، سواء في الشمال الغربي حيث تتمركز الفصائل الأجنبية، أو حتى داخل المدن الرئيسة حيث تتقاسم «هيئة تحرير الشام» وفصائل أخرى كانت تنشط في ريف حلب الشمالي، السيطرة، وتعمل بشكل منفرد تظهر آثاره عن طريق الاستيلاء على أملاك وفرض أتاوات (كما حدث في مجمع تجاري في حلب)، أو في المنطقة الوسطى والجنوبية، حيث تتداخل القوى العشائرية والفصائلية، و«جيش سوريا الحرة» الذي تقوده أميركا، أو حتى في الشمال الشرقي، حيث تسيطر تركيا على عدد من الجماعات التي لا تزال تعمل ضمن هيكلية «الجيش الوطني»، وتنتشر على طول خطوط التّماس مع «قسد»، وليس انتهاءً بأقصى الجنوب السوري، الذي تتداخل فيه الحال العشائرية بالفصائلية.

ويعني ذلك فعلياً، غياب أي هيكلية واضحة لمؤسّسات الدولة، ووجود تناحر غير معلن فصائلي – عشائري، إقليمي ودولي، يؤسّس لاستمرار الهشاشة الأمنيّة المركزية، ويقترب أكثر فأكثر من الحال التي تعيشها طرابلس الليبية، حيث تسيطر «حكومة الوحدة الوطنية»، والتي تعيش منذ تأسيسها واقعاً أمنيّاً مزرياً، وهي النقطة التي حذّر منها المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، غير بيدرسن، أخيراً.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا