تفجيرات تنفذها "اليونيفيل" بالقرب من موقع للجيش في منطقة الشلالة
"وتعاونوا" لتبييض الأموال...
ما سُمّي أو وُصف من قبل البعض بأنه حصار لعملية إعادة الإعمار هو في الحقيقة مسار إلزامي، وخطوات ضرورية للجم مزاريب تبييض الأموال واستيفاء شروط رفع لبنان عن اللائحة الرمادية لمنظمة العمل المالي "فاتف" وفتح المجال أمام عودة الدعم المالي الخارجي الإقليمي والأجنبي للبنان من أجل إعادة الإعمار وغيرها من الأمور الحيوية لإعادة بناء الاقتصاد.
خلال آخر زيارة له منذ حوالى الشهر إلى لبنان، اجتمع وفد من الخزانة الأميركية بمسؤولين في بعض شركات تحويل الأموال العاملة في لبنان، وكانت له تعليقات وتوجيهات حول عملها وجزء من حركة الأموال التي تمرّ عبرها.
ليست المرّة الأولى التي تبدي فيها الخزانة وصندوق النقد الدولي انتقادات أو ملاحظات على العمليات المالية التي تتم عبر تلك الشركات. ففي العام 2024 زار نائب مساعد وزير الخزانة لشؤون آسيا والشرق الأوسط في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية جيسي بيكر، لبنان، وطالب المعنييّن، وتحديدًا مصرف لبنان بضرورة تشديد الرقابة على عمليات تلك الشركات المالية إلى حين القيام بالإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفي.
وقد أصدر مصرف لبنان في أيار 2025 تعميمًا يتعلّق بإعادة ضبط العمل في شركات تحويل الأموال، بالوسائل الإلكترونية وتحديدًا المحافظ الإلكترونية بهدف التشدد في الرقابة عليها، ولجم تجاوزات القوانين تماهيًا مع مواقف صندوق النقد الدولي الذي أشار موفدوه إلى لبنان، إلى أن عمل شركات تحويل الأموال، يفتح بابًا لعمليات تبييض الأموال في ظلّ اقتصاد الكاش المتنامي.
كما أصدر مصرف لبنان في أيلول الماضي، التعميم 170 الذي يمنع دخول أي أموال، بشكل مباشر أو غير مباشر، مصدرها هيئات أو منظمات لبنانية خاضعة لعقوبات دولية، ولا سيما العقوبات الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC)، إلى النظام المصرفي.
تأتي كلّ تلك التعاميم والإجراءات تماشيًا مع توصيات صندوق النقد الدولي والخزانة الأميركية والدول المانحة في إطار تطبيق الإصلاحات المطلوبة للحصول على الدعم المالي، وتطبيقًا لتوصيات منظمة العمل المالي (FATF) لإزالة لبنان عن اللائحة الرمادية، ومن ضمنها الإجراءت التي تقوم بها وزارة المالية على صعيد الجمارك والتهرّب الضريبي... بالإضافة إلى تعميم وزير العدل رقم 1355 المتعلّق بمنع إجراء أي معاملة توثيق أو تصديق أو تفويض أو بيع أو نقل ملكية لأيّ شخص أو جهة مدرجة على لوائح العقوبات الدولية، سواء الصادرة عن مجلس الأمن أو وزارة الخزانة الأميركية أو الاتحاد الأوروبيّ.
وفي سياق هذه الإجراءات المتشدّدة التي تهدف إلى مكافحة عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وحصر تنامي اقتصاد الكاش، والتي تحاول الدولة تطبيقها، قامت شركة Whish Money هذا الأسبوع بإقفال حسابات جمعية "وتعاونوا" التي تجمع التبرعات لصالح دعم العائلات الجنوبية المتضررة من الحرب، علمًا أن الجمعية مستمرّة في استقبال التبرعات عبر حسابها لدى مؤسسة القرض الحسن التي لم تتخذ الدولة بعد قرارًا بسحب رخصتها رغم أن الموضوع كان مطروحًا .
كما عمدت شركة تحويل الأموال wish إلى إقفال حساب أحد النشطاء الذي يدير حملة " دولار واحد" لجمع ودعم العائلات الجنوبية المتضررة من العدوان، وذلك أيضًا في سياق تطبيق مندرجات تعميم مصرف لبنان وحظر أي نشاط قد يكون مرتبطًا بعمليات تبييض أموال.
تطبيق قوانين الامتثال
في هذا السياق، أوضحت مصادر معنيّة، أنه لا توجد إجراءات جديدة أو توصيات جديدة مرتبطة تحديدًا بجمعيات أو منظمات أو أفراد معيّنين، إنما قد يكون هذا الأمر ناتجًا عن تطبيق متأخّر لقوانين الامتثال القائمة. وقد تلقت شركات معيّنة إنذارات من مصرف لبنان لتطبيق القوانين والتشدّد في الرقابة أكثر، وهي شركات لم تلتزم بعد بشكل جدّي أو كامل بقوانين الامتثال الدولية والمحلية، والتي تسمح في بعض الأحيان إما بتجاوز السقوف المالية المحددة للعمليات المالية عبرها، أو بفتح محافظ مالية أو حسابات لأفراد أو جمعيات غير مرخصة من دون التدقيق بشكل موسّع في أهدافها والغرض من التحويلات المالية التي تتمّ عبرها.
وتوضح المصادر أنه "ولو لم يكن اسم الجمعية أو الفرد مدرجًا على لوائح العقوبات"، ينبغي التحقق من مصدر وأهداف التحويلات، لأنه يمكن لأي شخص أو مؤسسة غير مدرجة على لوائح العقوبات أن تفتح حسابًا وتحوّل أو تستلم الأموال المحوّلة من الخارج، وتعمل لحساب الأفراد المدرجين على لوائح العقوبات. وبالتالي فإن تتبّع حركة التحويلات المالية والمبالغ المحوّلة والمستلمة يعدّ أيضًا جزءًا من تطبيق قواعد الامتثال الجيّدة لمكافحة تبييض الأموال. كما إن التشدّد والتحقق من كافة المعلومات والوثائق المقدمة من العميل KYC قبل الموافقة على فتح الحساب أو المحفظة الإلكترونية، هو أمر ضروري وملزم في إطار تطبيق قوانين الامتثال. ولم تستبعد المصادر أن نشهد في الأيام أو الأسابيع المقبلة إقفالات جديدة لحسابات أفراد أو شركات أخرى.
ما سُمّي أو وُصف من قبل البعض بحصار لعملية إعادة الإعمار هو في الحقيقة مسار ملزم وخطوات ضرورية للجم مزاريب تبييض الأموال واستيفاء شروط رفع لبنان عن اللائحة الرمادية لمنظمة العمل المالي "فاتف" وفتح المجال أمام عودة الدعم المالي الخارجي الإقليمي والأجنبي للبنان من أجل إعادة الإعمار وغيرها من الأمور الحيوية لإعادة بناء الاقتصاد والتي تحتاج إلى أموال الخارج الشرعية.
وفي هذا الإطار، اعتبر نائب حاكم مصرف لبنان سابقًا غسان عياش أنه في ظل احتدام الصراع السياسي في هذه المرحلة، بات أي خبر هامّ يثير عاصفة من التعليقات والتعليقات المضادة، كما حصل بالنسبة لإقفال شركة تحويل الأموال "Whish Money" حساب شركة "وتعاونوا" لديها.
مشيرا إلى أن أصحاب الحساب أعطوا قضيتهم بعدًا وطنيًا، متهمين شركة تحويل الأموال بعرقلة إعادة إعمار المناطق التي تضرّرت في الحرب الأخيرة، لأن حسابهم لديها مخصّص لجمع التبرعات للمساهمة في إعادة الإعمار. وأبدى عياش ملاحظات عدّة حول هذا الموضوع قائلًا:
- أوّلاً، إن قرار شركة "Whish Money" يمكن تفسيره في ضوء التشدّد الذي تبديه جهات مختلفة في كلّ ما يشتبه بأن له علاقة بتبييض الأموال وخصوصًا تمويل "حزب الله" الخاضع لعقوبات دولية. ويقع اللوم هنا على النشاط المالي لـ "الحزب" الذي بالغ في استخدام قنوات خفيّة لإخفاء تلقيه أموالاً بطرق غير قانونية أو مخالفة لتعليمات مصرف لبنان والجهات الدولية. وقد أدى الإفراط في استعمال هذه القنوات إلى تعزيز الاقتصاد النقدي الخارج عن الرقابة، وإلى العمل من خلال شركات تحويل الأموال.
تابع عياش: عزّز ذلك انهيار سمعة لبنان المالية واتهامه بأنه بات ساحة لتبييض الأموال وتداول الأموال غير الشرعية، فأصبح مصرف لبنان والمؤسّسات المصرفية والمالية حسّاسة حيال العمليات المشبوهة، حتى أنها بالغت في التشدّد غير المبرّر في بعض الأحيان رغم أنه تشدّد مفهوم في ضوء نمو عمليات تبييض الأموال في لبنان. معتبرًا أن المسؤولية تقع هنا على "حزب الله" الذي ساهمت نشاطاته هذه في فرض حظر دولي على لبنان وإدراجه بالتالي على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية.
- ثانيًا، إن قرار شركة "Whish Money" بحق حساب شركة "وتعاونوا" لا يتمتع بالغطاء القانوني الكافي. فقد استند القرار إلى تعميم مصرف لبنان رقم 170. وبمراجعة هذا التعميم يتبيّن أنه لا يتضمّن بوضوح الأنشطة المشابهة لحساب "وتعاونوا"، وكان من الأفضل شرح كيفية مخالفة الحساب المذكور لمضمون التعميم الصادر عن مصرف لبنان والموجّه إلى "المصارف والمؤسّسات المالية ومؤسّسات الوساطة المالية". لو كان هناك وضوح كافٍ لتجنبت شركة تحويل الأموال اتهامها بأنها تعرقل إعادة الإعمار.
- ثالثًا، إن الحكومة اللبنانية لا تتخذ المواقف الشجاعة في التضييق على الشركات المشتبه بأنها تقوم بتبييض الأموال. ففي حالة القرض الحسن تخفت الحكومة وراء قرار مصرف لبنان والآن تتخفّى وراء شركة تحويل أموال. في حين كان حريٌّ بها أن تتصدّى بشكل صريح وشامل للمؤسّسات التي تغطّي الأنشطة المالية لـ "الحزب" وغيره.
رنى سعرتي -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|