"طوفان السلام" يهزم "طوفان الأقصى"
قبل ثمانية أيّام من الذكرى الثانية لهجوم 7 أكتوبر على إسرائيل، الذي غيّرت تداعياته الجسيمة وجه المنطقة برمّتها، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض، موافقة تل أبيب على الخطة الأميركية لإنهاء حرب غزة، وتحدّثا عن أن نجاح وقف حرب غزة سيفتح الباب أمام توسيع نادي دول "اتفاقات أبراهام"، فيما وصف الخبراء الإعلان بـ "التاريخي"، معتبرين أن "طوفان السلام" هَزم "طوفان الأقصى". لكنهم رأوا أن العبرة تبقى بالتنفيذ، مؤكدين أن المسار طويل ومحفوف بالمخاطر.
ورأى ترامب أن الوقت حان كي توافق "حماس" على صفقة السلام المفصّلة في خطته التي نشرها البيت الأبيض قبل المؤتمر الصحافي والتي كشف ترامب أن نتنياهو والدول العربية والإسلامية وافقوا عليها، متوعّدًا بأنه إذا رفضت "حماس" الخطة، فستدعم أميركا إسرائيل بشكل كامل "لفعل ما يلزم فعله". واعتبر أن حديثه لم يعد يقتصر على وقف حرب غزة، بل عن "سلام أبدي في الشرق الأوسط"، مشيرًا في سياق كلامه إلى احتمال انضمام لبنان وسوريا والسعودية وإيران مستقبلاً إلى "اتفاقات أبراهام". ودعا الفلسطينيين إلى "تحمّل مسؤولية مصيرهم"، مهدّدًا بأنه "إذا لم تكمل السلطة الفلسطينية الإصلاحات التي وضعتها... فلن يلوموا إلّا أنفسهم"، في وقت أفاد فيه مصدر دبلوماسي مطلع لقناة "الجزيرة" بأن قطر ومصر سلّمتا وفد "حماس" المفاوض خطّة البيت الأبيض، موضحًا أن وفد الحركة المفاوض وعد الوسطاء بدراسة المقترح بمسؤولية.
من جانبه، أوضح نتنياهو أن خطة ترامب ستعيد لنا جميع الرهائن الأحياء والأموات، وتنزع سلاح "حماس"، وتضمن ألّا تشكّل غزة تهديدًا لإسرائيل مرّة أخرى. وذكر أن الخطة "تتضمّن إدارة لقطاع غزة لا تشارك فيها "حماس" ولا السلطة الفلسطينية"، مثمّنًا موقف ترامب من أن السلطة الفلسطينية لن يكون لها أي دور في غزة قبل استيفاء عدد من الشروط. ورأى أن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل خطرًا على وجود إسرائيل"، مؤكدًا أنه "على السلطة الفلسطينية وقف التحريض ضدّ إسرائيل ومساعيها لدى المحاكم الدولية". وحسم أنه "يجب تحقيق كلّ أهداف الخطة الأميركية، بما فيها إنهاء وجود "حماس" في غزة"، متوعّدًا بأنه "إذا رفضت "حماس" خطتكم، يا سيّدي الرئيس، أو إذا قبلت ثمّ قامت بكل ما يلزم لمعارضتها، فستنهي إسرائيل المهمّة بنفسها".
توازيًا، نشر البيت الأبيض "الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة" التي طرحها ترامب، والتي تتضمّن شروطًا لإنهاء الحرب فورًا إذا قبلت "حماس" بالاتفاق، وتقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى الخط المتفق عليه استعدادًا لعملية تبادل، وخلال هذه الفترة، ستتوقف كافة العمليات العسكرية، وستظلّ خطوط المواجهة مجمّدة حتى تتهيأ الظروف للانسحاب الكامل على مراحل. وتؤكد الخطة أنه خلال 72 ساعة من إعلان إسرائيل قبول هذا الاتفاق، سيُعاد جميع الرهائن، أحياء وأمواتًا، وعند إطلاق سراح جميع الرهائن، ستفرج إسرائيل عن 250 فلسطينيًا محكوماً بالمؤبّد، بالإضافة إلى 1700 معتقل من غزة احتجزوا بعد 7 أكتوبر، ولكلّ رهينة إسرائيلي تُعاد جثته، ستسلّم إسرائيل جثث 15 فلسطينيًا من غزة. وبمجرّد إعادة جميع الرهائن، سيُمنح أعضاء "حماس" الذين يلتزمون بالتعايش السلمي وبالتخلّي عن السلاح عفوًا عامًا، وأعضاء الحركة الذين يرغبون بمغادرة غزة ستؤمّن لهم ممرّات آمنة إلى دول تستقبلهم.
وبموجب الخطة، على "حماس" والفصائل الأخرى الموافقة على عدم لعب أي دور في حكم غزة بأي صورة كانت، وسيتم تدمير كل البنية التحتية العسكرية والهجومية، ولن يُسمح بإعادة بنائها، وسيجري تنفيذ عملية نزع سلاح غزة تحت إشراف مراقبين مستقلّين، وستلتزم "غزة الجديدة" التزامًا كاملًا ببناء اقتصاد مزدهر وبالتعايش السلمي مع جيرانها. وسيقدّم الشركاء الإقليميون ضمانة للتأكد من التزام "حماس" والفصائل بتعهداتهم، حيث ستعمل أميركا مع شركاء عرب ودوليين لتطوير قوة استقرار دولية موَقتة تُنشر فورًا في غزة، وستتولّى تدريب ودعم قوات شرطة فلسطينية في غزة، وستتشاور مع الأردن ومصر، اللتين لديهما خبرة واسعة في هذا المجال.
وتشدّد الخطة على أن إسرائيل لن تحتلّ غزة ولن تضمّها. ومع بسط قوّة الاستقرار الدولية، ستنسحب القوات الإسرائيلية وفق معايير وجدول زمني مرتبط بعملية نزع السلاح، يتمّ الاتفاق عليها بين الجيش الإسرائيلي وقوة الاستقرار الدولية والضامنين وأميركا. عمليًا، ستسلّم قوات الجيش الإسرائيلي تدريجيًا الأراضي التي تحتلّها في غزة إلى قوّة الاستقرار الدولية، وفق اتفاق مع السلطة الانتقالية، حتى انسحابها الكامل من القطاع، باستثناء حزام أمني سيبقى قائمًا إلى حين التأكد من أن غزة أصبحت محمية بشكل كافٍ من أي تهديد متجدّد. وفي حال تأخرت "حماس" أو رفضت هذا المقترح، فإن بنود الخطة، بما فيها توسيع عمليات المساعدات، ستُنفّذ في المناطق الخالية من "الإرهاب" التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية.
وستدار غزة بشكل موَقت عبر لجنة فلسطينية انتقالية تكنوقراطية غير سياسية، تتولّى إدارة الخدمات العامة والبلديات لسكان القطاع. وستتألّف هذه اللجنة من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، بإشراف ومتابعة هيئة انتقالية دولية جديدة تسمّى "مجلس السلام"، سيرأسه ترامب، على أن يُعلن بقية أعضائه من قادة الدول لاحقًا، بمَن فيهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. وستضع هذه الهيئة الإطار العام وتدير تمويل إعادة إعمار غزة حتى تُنجز السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي، وتصبح قادرة على استعادة السيطرة على غزة بشكل آمن وفعّال.
كما سيُطلق ترامب خطة اقتصادية لتطوير غزة عبر لجنة خبراء. ولن يُجبر أحد على مغادرة غزة، ومن يرغب في المغادرة سيكون حرًا في ذلك وحرًا في العودة، في حين سيجري تشجيع السكان على البقاء ومنحهم الفرصة لبناء غزة أفضل. وبينما تتقدّم عملية إعادة إعمار غزة، وعندما يتمّ تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، قد تتوافر أخيرًا الظروف لفتح مسار موثوق نحو تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما نعترف به كطموح للشعب الفلسطيني. ستعمل الولايات المتحدة على إنشاء حوار بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي يضمن التعايش السلمي والمزدهر.
وكان موقع "أكسيوس" قد أفاد بأن ترامب أجرى اتصالًا بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد قبل وصول نتنياهو إلى البيت الأبيض. ثمّ أكد البيت الأبيض أن ترامب شارك في مكالمة هاتفية مع نتنياهو ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، موضحًا أن نتنياهو أبدى "أسفه البالغ" بسبب مقتل فرد أمن قطري "من دون قصد" ولانتهاك إسرائيل للسيادة القطرية، كما تعهّد نتنياهو بأن إسرائيل لن تنفذ مثل هذا الهجوم مرّة أخرى في المستقبل.
وأفاد البيت الأبيض بأن "ترامب أبدى رغبته في وضع العلاقات الإسرائيلية - القطرية على مسار إيجابي بعد سنوات من الشكاوى المتبادلة وسوء الفهم"، مشيرًا إلى أنه "وافق القادة على اقتراح ترامب بإنشاء آلية ثلاثية الأطراف". وذكر أن "رئيس الوزراء القطري رحّب بهذه التصريحات وأكد استعداد قطر لمواصلة المساهمة الهادفة في الأمن الإقليمي، الأمر الذي تعهّد به نتنياهو أيضًا"، لافتًا إلى أن "القادة ناقشوا مقترحًا لإنهاء الحرب في غزة وآفاق شرق أوسط أكثر أمانًا"، في وقت كشفت فيه صحيفة "نيويورك تايمز" أن وفدًا من المسؤولين القطريين موجود في واشنطن في إطار جهود للتوصّل إلى اتفاق لإنهاء حرب غزة.
لاحقًا، أكدت الخارجية القطرية أن نتنياهو قدّم اعتذاره الرسمي عن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، موضحة أن نتنياهو تعهّد لبن عبد الرحمن بعدم تنفيذ أي استهداف جديد للأراضي القطرية. وذكرت أن بن عبد الرحمن أكد الرفض القطري التام والقاطع لأي مساس بسيادة قطر تحت أي ظرف كان، وشدّد على أن حماية المواطنين والمقيمين في البلاد تمثل أولوية قصوى للحكومة القطرية، كما رحّب بضمانات عدم تكرار الاعتداءات، واعتبر أن هذه التعهدات تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو احترام القانون الدولي وسيادة الدول.
بدوره، كشف مكتب نتنياهو أن الأخير قال لبن عبد الرحمن: "سعادة رئيس الوزراء، أودّ أن تعلم أن إسرائيل تأسف لمقتل أحد مواطنيكم في ضربتنا، وأودّ أن أؤكد لكم أن إسرائيل كانت تستهدف "حماس"، لا القطريين، كما أودّ أن أؤكد لكم أن إسرائيل لا تنوي انتهاك سيادتكم مرّة أخرى في المستقبل، وقد قطعت هذا الالتزام أمام الرئيس (ترامب)، أعلم أن لدى قيادتكم شكاوى ضدّ إسرائيل، ولدى إسرائيل أيضًا شكاوى ضدّ قطر، بدءًا من دعم جماعة "الإخوان المسلمين"، مرورًا بكيفية تصوير إسرائيل على قناة "الجزيرة"، وصولًا إلى دعم المشاعر المعادية لإسرائيل في الجامعات". ورحّب بفكرة ترامب بـ "إنشاء مجموعة ثلاثية لمعالجة الشكاوى القائمة بين بلدينا".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|