الصحافة

انتخابات 2026: مَن يبقى حتّى موعدها؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كلّما تسارعت التطوّرات الإقليميّة أبطأت الحركة نحو انتخابات 2026، المتّفق على أنّها ستُجرى في موعدها دونما التحقّق بعد من قانونها الحاليّ النافذ أو معدّلاً أو ربّما الذهاب إلى ما هو مستبعد إلى الآن على الأقلّ، أي قانون مغاير بكلّيّته؟ مع أنّ السجال السياسيّ في القانون والاستحقاق لا يزال متواصلاً، بيد أنّ الأهمّ منهما هو: كيف سيصل لبنان إلى أيّار 2026 قبل موعد فتح صناديق الاقتراع؟ بمَن سيصل؟ وأيّ أحجام سيكون عليها أفرقاء الداخل والمنطقة من حولهم؟

لا تزال أمام الموعد المقرَّر للانتخابات النيابية العامّة في ربيع 2026 ثمانية أشهر طويلة من فرط تلاحق الأحداث والتطوّرات يوماً في إثر آخر، في الداخل والمنطقة. منذ عام 2005، كلّ انتخابات نيابيّة عامّة فرضتها وقائع ومعطيات تركت أثرها في نتائجها وتوازن القوى الداخليّ الناجم عنها. أولاها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وثانيتها عام 2009 بعد أحداث 7 أيّار لسنة خلت ونشوء المحكمة الدوليّة، وثالثتها عام 2018 في ضوء التسوية المبرمة بانتخاب الرئيس ميشال عون، ورابعتها عام 2022 بعد حركة 17 تشرين الأوّل والانهيار الماليّ وانفجار المرفأ، وخامستها ستكون أمام مفترق بحقائقه ومعطياته الجديدة.

السّلاح مقابل الاستقرار

أُجري الانتخابان الأوّلان تبعاً لقانونَيْ انتخاب متباينَين اعتمدا التصويت الأكثريّ، والأخيران عملاً بالقانون النافذ الذي يعتمد التصويت النسبيّ. بيد أنّ أهمّية الاستحقاق المقبل أنّه سيُجرى على أنقاض كلّ ما رافق انتخابات أعوام 2005 و2009 و2018 و2022، وسيمهّد لمرحلة مختلفة، على صورة كلّ ما نشأ عن الحرب الإسرائيلية على “الحزب” واتّفاق وقف النار في تشرين الثاني الفائت.

في الانتخابات النيابيّة الأربع بين عامَيْ 2005 و2022، أُخضعت الاثنتان الأولَيان لمعادلة سلاح “الحزب” في مقابل غالبيّة نيابيّة أُعطيت لخصومه. المتّفق بين طرفَيْ المعادلة آنذاك أنّ كلّاً منهما لا يستخدم مصدر قوّته هذه في أيّ اشتباك سياسي بينهما. لا “الحزب” يخرج بسلاحه إلى الشارع، ولا قوى 14 آذار تتّخذ خيارات وقرارات تشعره بالقلق والتهديد. قبل أن يمضي وقت طويل على الوصول إلى انتخابات 2009 بعد انتخابات 2005، كلا الفريقين خرجا عن طورهما واستخدما فائض القوّة. بعدذاك انهارت الغالبيّة وأضحت بلا جدوى، فيما إبقاء السلاح لدى “الحزب” أضحى المُعادِل الوحيد لاستقرار الداخل ونشوء السلطات على التوالي.

في انتخابات 2018، في ضوء تفاهمات ما بعد انتخاب الرئيس ميشال عون وانخراط التيار الوطني الحرّ وحزب القوّات اللبنانية وتيّار المستقبل و”الحزب” فيها واتّفاقهم على تقاسم الحصص فيما بينهم، أوجد قانون الانتخاب النسبي بالصوت التفضيلي الواحد، المطبّق للمرّة الأولى آنذاك، معادلة المرحلة التالية: سلاح “الحزب” في مقابل تسهيل انتخاب المسيحيّين نوّابهم بأصواتهم بالذات. سرعان ما أُعيد تطبيقه في الانتخابات التالية عام 2022 خروج الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية كلّها وانطفاء تيّاره وتشتّت طائفته.  للمرّة الأولى في ظلّ اتّفاق الطائف ومنذ عام 1992، وُلدت كتلتان مسيحيّتان كبريان دانتا لشارعَيْهما بانتخاب نوّابهما هما التيّار الوطني الحرّ وحزب القوّات اللبنانية. بيد أنّ الثمن الباهظ المقابل هو تمكّن الثنائي الشيعي من الإمساك بالمقاعد الشيعية الـ27 كلّها.

في أيّار 2026 يُطبّق القانون نفسه على واقع انقلب على نفسه على نحو استثنائيّ، على نحو مماثل لما مهّد لانتخابات 1992 ثمّ لانتخابات 2005، بتقويض توازن قوى داخليّ رجّح فريقاً على آخر، ويُفترض سلفاً أنّ الانتخابات نيابيّة ستكون بلا سلاح “الحزب”. في الظاهر هذا هو جوهر التحوُّل العميق الذي طرأ على البلاد، بيد أنّه ليس الجوهر كلّه. بين عامَيْ 1992 و2000 لم يكن “الحزب” في حاجة إلى استثمار سلاحه في الانتخابات النيابية في ظلّ الوجود السوريّ. بيد أنّه فعل ذلك أربع مرّات بعد عام 2005 كي يحصر به إلى فائض القوّة في الشارع من خلال السلاح التمثيل الشيعي على مستوياته كلّها.

مَن بقي في القطار ومَن نزل؟

في الاستحقاق المقبل تغيّر الكثير في الثنائي الشيعي، وفي “الحزب” بالذات، بعدما قاد طائفته إلى حربه مع إسرائيل. ما ينتظر أيّار 2026 معطيات يستعصي هضمها دفعة واحدة وفي وقت قياسي. ليس الأفرقاء المحليّون وحدهم اللاعبين على مسرح الانتخابات المقبلة، ولا يملكون إلّا أن يكونوا عُدّة تشغيل المواجهة الآتية:

1 ـ  من الصعب خوض انتخابات 2026 بينما “الحزب” لا يزال يحتفظ بسلاحه. الأصعب أيضاً الذهاب إليها دونما التأكّد من كسر احتكاره لتمثيل طائفته واستئثاره بمقاعدها الـ27 في البرلمان. بينما تتصرّف الحكومة اللبنانية على أنّها في سباق مع الوقت قبل الوصول إلى نهاية السنة، وقد أضحى سلاح “الحزب” في حوزة الجيش أو جرى تدميره، يتصرّف “الحزب” كأنّه باقٍ ما دام يستمدّ ضرورة الاحتفاظ به والدفاع عنه بأيّ ثمن من بُعد دينيّ محض. على الأقلّ وفق ما يبرّره “الحزب” بنفسه.

2 ـ مقدار الأسباب الموجبة القائلة بضرورة كسر احتكار الثنائي الشيعي لتمثيل طائفته بعدما أضحى استخدامه في مجلسَيْ الوزراء والنوّاب جزءاً لا يتجزّأ من اشتباكه مع الأفرقاء الآخرين ومع السلطات الدستورية، تمكّن في الوقت نفسه من اصطفاف طائفته وراءه ووضعها في صدارة المواجهة مع الآخرين كما مع طوائفهم. بذلك توشك عدوى انتخابات 1992 على استعادتها في انتخابات 2026: كما قيل آنذاك إنّ تلك استهدفت المسيحيّين لإضعاف تمثيلهم وحضورهم، يُروّج “الحزب” في بيئته وقواعده للانتخابات المقبلة على أنّها تستهدف الطائفة الشيعية بالذات، مع فارق مهمّ أنّه سيخوضها ويعتبرها تحدّياً وامتحاناً لا يقلّ عن مغزى التمسّك بالسلاح.

3 ـ كما يصحّ كسر احتكار ثنائية شيعيّة لتمثيل طائفتها، يصلح أيضاً الشعار نفسه لكسر احتكار ثنائيّة مسيحية لتمثيل طائفتها. من الآن يتسابق حزب القوّات اللبنانية والتيّار الوطني الحرّ على الوصول إلى الاستئثار بالتمثيل المسيحيّ من خلال نيل أكبر كتلة نيابيّة. في أوساط حزب القوّات اللبنانية يتكلّمون عن 30 نائباً على الأقلّ في انتخابات الربيع المقبل، فيما الكتلتان الحاليّتان تكادان تحوزان نحو ثلثَيْ النواب المسيحيّين في البرلمان.

ربّما أهميّة انتخابات 2026 ليست في إجرائها فحسب، بل في لحظة الوصول إليها: مَن بقى في القطار؟ ومَن نزل أو أُنزل منه؟ وكيف؟

نقولا ناصيف -اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا