السلام الآتي... ثروات تزداد بمقدار 3.4 مليارات دولار خلال 8 أشهر فقط
بوقفة مدروسة بعناية منذ وقت طويل، وبصوت مسرحي يُشعِر المُستمِع والمُشاهِد كما لو أنه يشاهد عرضاً مسرحياً لـ Pierre Corneille أو لـ Jean Racine، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية، مُسجِّلاً تزايُداً ملموساً في أعداد حمائم السلام حول العالم، وذلك فيما مشهد الحروب والدمار والفقر... يزداد أكثر فأكثر، في كل مكان.
تخفيف الحرب...
وما كاد يمضي 24 ساعة على الاعتراف الماكروني بدولة فلسطين، حتى أدى ماكرون المشهد الأصعب، عندما أعلن أنه إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد حقاً الحصول على جائزة نوبل للسلام، فعليه إنهاء الحرب في غزة، لافتاً الى أن الرئيس الأميركي وحده من يملك القدرة لوضع حدّ لهذه الحرب.
ولكن اللافت للانتباه، هو أن لا انخراط ترامب بالحرب الأوكرانية رغبةً منه بنَيْل نوبل للسلام، أدى الى إنهاء الهجوم الروسي حتى الساعة، ولا اعتراف ماكرون (وبريطانيا وكندا وأستراليا تحديداً) بالدولة الفلسطينية، بدأ يُترجَم بتخفيف تدريجي للحرب في غزة، حتى الساعة على الأقلّ.
استطلاع بالنار
فالرئيس الفرنسي اجتاز المحيط الأطلسي في طريق وصوله الى نيويورك، للإعلان عن اعترافه بدولة فلسطينية كمقدمة للسلام في الشرق الأوسط، وذلك فيما تفقد أوروبا سلامها رويداً رويداً، إذ تقوم روسيا منذ مدّة بأنشطة هي أقرب الى استطلاع بالنار على الضفّة الشرقية للقارة الأوروبية، وفي أجواء حلف شمال الأطلسي، مرّة بمسيّراتها، ومرّة أخرى بمقاتلاتها.
وهو ما يُنذر إذا تكرّر وتوسّع، بخطوات أكبر من انتهاك المجالات الجوية لبلدان أوروبية "أطلسية" في شرق قارة أوروبا، إذ قد يصل الى حدّ رؤية مسيّرات أو صواريخ "مجهولة المصدر والهوية"، تحلّق في الأجواء الفرنسية مثلاً، أو غيرها... أو تضرب أهدافاً معيّنة في أقصى غرب القارة الأوروبية مثلاً.
صورة السلام
ورغم كل ذلك، يعتبر الرئيس الفرنسي أن من واجبه الانطلاق من أساس صَلْب، وهو أن فرنسا رئيسة الديبلوماسية الأوروبية، ومسؤولة في الدفاع عن السلام حول العالم. ومن يدري، إذ ربما يرغب ماكرون بمزاحمة ترامب على جائزة نوبل للسلام، وبأن يذكره التاريخ كأول رئيس فرنسي يعترف بدولة فلسطينية، ويدفع باتّجاه هذا الحلّ من خلال مؤتمر تشارك رئاسته والعمل على تحقيق أهدافه مع السعودية.
ومن يدري، إذ قد يتقاتل الفرنسيون والإنكليز مستقبلاً حول من سبق الآخر بالمجهود الأكبر على هذا الصعيد. فلندن سبقت باريس بإعلان اعترافها بالدولة الفلسطينية، فيما كانت باريس بدأت بالعمل على مؤتمر حلّ الدولتَيْن مع السعودية، منذ وقت سابق. والمحصّلة، هي أن لائحة المتزاحمين على صورة السلام تتزايد بشكل عالمي.
"لعب بالأعصاب"...
ووسط تلك اللائحة، يبرز ترامب وإدارته، التي تبدو وكأنها "تحمّس" أوروبا على مواجهة روسيا.
فوسط سعادة أميركية شديدة بواقع أن الحرب في أوكرانيا تزيد من مبيعات الأسلحة الأميركية، وتصريحات مُلتبِسَة لترامب تتلوّن بين تأكيده دعم واشنطن لدول حلف شمال الأطلسي، والتزامها بالدفاع عن كلّ شبر من أراضي الحلف، وبين (تصريحات) أخرى تُفيد بأن ذلك ليس حتمياً بالضرورة، تُثبت بعض المعلومات أن العدوانية الروسية الملموسة تجاه أوروبا بدأت تتزايد منذ ما بعد انتهاء "قمة ألاسكا" بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في آب الفائت، بشكل مباشر.
وهنا يُصبح السؤال، ليس فقط ما إذا كان ترامب وبوتين اتّفقا على "اللّعب بأعصاب" الأوروبيين، ووفق أي درجة، والى أي حدّ ومدى زمني، بل أيضاً ما هو هذا السلام الذي ينشده ترامب في أوكرانيا، والذي قيل إنه اجتمع ببوتين لصياغة أُسُسه، فيما انتهى الاجتماع بنتائج عكسية، توسّع الشهيّة الروسية باتّجاه أوروبا عموماً، الى درجة أن بعض الطائرات الحربية الروسية باتت تحلّق في الأجواء الأوروبية الشرقية لدقائق عدة، ومن دون أي خطوة رادعة بفاعلية من جانب الحلفاء داخل "الناتو".
سخرية
فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا، من أهمّ الدول التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين مؤخراً، كبوّابة للسلام، فيما لا شيء يبيّن أن الحرب في الشرق الأوسط ستتوقّف قريباً.
وترامب من جهته، يقول إن أوكرانيا، وبدعم من الإتحاد الأوروبي، باتت في وضع يسمح لها بالقتال والانتصار واستعادة أراضيها بأكملها إلى حالتها الأصلية، وربما أبعد من ذلك، وهو كلام أقرب الى السخرية من الأوكرانيين والأوروبيين على حدّ سواء، وسط خروقات روسية متكررة لأجواء حلف شمال الأطلسي بذاته، وصمت أميركي مدعوم بـ "التحميس" على القتال لبَيْع الأسلحة الأميركية. وهذا ليس مُستغرَباً تماماً، طالما أن الأمم المتحدة نفسها فقدت مكانتها بالنّسبة الى الإدارة الأميركية الحالية.
خشبة المسرح
وبين المنخرطين بالسلام الشرق أوسطي من جهة، والسلام الأوروبي من جهة أخرى، جائزة نوبل للسلام، يبدو أن عيون الجميع شاخِصَة إليها. فالجائزة مهمّة، والتصفيق المُرافِق لها أيضاً، فيما الحروب مستمرة، والمسرحيات مستمرة، وثروات رؤساء وعظماء هذه الأرض آخِذَة في التزايُد، إذ تُشير بعض التقديرات الى أن ثروة ترامب زادت منذ عودته الثانية الى "البيت الأبيض" (أي بين كانون الثاني وأيلول 2025 فقط) بنسبة 3.4 مليارات دولار.
فهذا هو السلام الآتي، سلام المسرحيات التي تُقدَّم لشعوب تصدّق أن خشبة المسرح هي الحياة، ولا شيء أكثر من ذلك.
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|