الصحافة

أسباب الكارثة المروريّة بالأرقام

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يعد السير في لبنان مجرد عملية تنقل يومية، بل تحول إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، جيث تشهد الطرقات منذ سنوات معدلات مرتفعة من الحوادث المرورية التي تترك وراءها قتلى وجرحى وعائلات مفجوعة، إضافة إلى كلفة اقتصادية واجتماعية كبيرة، فالمشهد يتكرر يوميا بين سيارات محطمة، دراجات نارية ملقاة على الطرقات، وصوت صافرات الإسعاف يرافق تنقل اللبنانيين بين مدنهم وقراهم.

تتعدد أسباب نزيف الطرقات، بدءا من الانتشار العشوائي للدراجات النارية غير المرخصة وقيادة ركاب بلا خوذ في ظل غياب الوعي، مرورا بسوء البنى التحتية المليئة بالحفر وغياب الإنارة والإشارات والأرصفة والحواجز، وصولا إلى ضعف تطبيق القوانين والرقابة بما يتيح للمخالفين الاستمرار في القيادة المتهور، وكأن القانون حبر على ورق، وإلى جانب ذلك، تتسبب الشاحنات الضخمة في أوقات الذروة بازدحامات قاتلة، فيما دفعت الأزمة الاقتصادية كثيرين إلى إهمال الصيانة أو العجز عن استيراد قطع الغيار، وتبقى السرعة الزائدة عاملاً مضاعفاً للخطر، في ظل غياب أو تباطؤ عمل رادارات السرعة.

ويضاف إلى هذه العوامل غياب المعاينة الميكانيكية المنتظمة منذ سنوات، ما أدى إلى فقد أكثر من 450 عاملا وموظفا مصدر رزقهم بفعل اقفاله، وبقاء آلاف المركبات غير الصالحة للسير من دون أي فحص للسلامة، لتبقى الطرقات ساحة مفتوحة للمخاطر اليومية، ويضع الحوادث المرورية ضمن أسباب الوفيات البارزة في البلاد خلال السنوات الأخيرة.

يشار إلى أنه منذ أيار 2022 توقفت مراكز المعاينة الميكانيكية عن العمل بقرار رسمي، لتترك آلاف المركبات من دون فحص دوري يضمن سلامتها هذا القرار، الذي وصف حينها بالمؤقت، لا يزال ساريا، ما يعني أن السيارات تسير من دون التأكد من فعالية مكابحها، إطاراتها، وأنظمتها الأساسية، خبراء المرور يرون في هذا الغياب أحد أبرز العوامل التي تفاقم الحوادث، ويعتبرونه "تفريطًا بأرواح الناس تحت عنوان الخلافات الإدارية والمالية".

وفي هذا الإطار طالب رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر وزير الداخلية والبلديات، بالشروع في الإجراءات القانونية لإعادة إطلاق المعاينة الميكانيكية الغائبة منذ ثلاث سنوات، مشيراً إلى أنها كادت أن تعود في كانون الأول 2023 بعد أن أنجزت هيئة الشراء العام كل التدابير اللازمة، لكنها توقفت "بسحر ساحر"، كما شدد على ضرورة التشدد في تطبيق قوانين السير، ولا سيما في ما يخص الدراجات النارية غير المرخصة وغياب تدابير الحماية، إضافة إلى ضبط حركة الشاحنات وأوقات سيرها لتسهيل المرور والحد من الأزمات المتفاقمة.

ولا تقتصر مأساة حوادث السير في لبنان على الخسائر البشرية فحسب، بل تمتد لتطال الاقتصاد الوطني بشكل مباشر وغير مباشر.، فالتقديرات تشير إلى أن الكلفة الاقتصادية لحوادث الطرق تشمل تكاليف العلاج الطبي، الإصابات الطويلة الأمد، فقدان ساعات العمل والإنتاجية، تعويضات التأمين، والأضرار المادية للمركبات والبنية التحتية، ووفق دراسات محلية غير رسمية، يقدر إجمالي الخسائر السنوية الناتجة عن الحوادث المرورية في لبنان بمئات ملايين الدولارات، ما يزيد من العبء على الأسر والقطاع الصحي ويمثل عبئاً إضافياً على الاقتصاد المتأزم أصلاً، وبحسب تقديرات البنك الدولي تسجل نسبة الخسائر الإقتصادية جراء حوادث السير في لبنان، نحو 2 % (540 مليون دولار) من الناتج المحلي البالغ 27 مليار دولار.

الأرقام وحدها تعكس حجم المأساة فقد أعلنت جمعية "يازا" للسلامة المرورية أن أكثر من 40 شخصاً لقوا حتفهم على الطرق في لبنان خلال آب الماضي فقط، إضافة إلى عشرات الجرحى الذين لا يزالون يتلقون العلاج، وحذرت من أن استمرار هذا المعدل قد يؤدي إلى أكثر من ألف ضحية سنوياً، ما يشكل كارثة وطنية بكل المقاييس.

نجيب شوفاني النقيب الأسبق لخبراء السير في لبنان وواضع عدة كتب وكتيبات للتوعية حول السلامة المرورية، يؤكد أن بداية شهر تموز شهدت خمسة أيام جهنمية كان الصليب الأحمر فيها ينقل حوالى 50 جريحا كل يوم، وقد بلغ عدد الإصابات نتيجة حوادث السير في الأشهر الستة الأولى من العام 2024 5400 بينها 154 قتيلا أما في الأشهر الستة الأولى من العام 2025 فالعدد ارتفع إلى 6000 إصابة بينها 207 قتلى.

هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل حكايات مأساوية لعائلات فقدت أبناءها في لحظة تهور أو إهمال، وتعكس بوضوح مسارا تصاعديا مأساويا لحوادث السيرفي البلاد، وتؤكد الحاجة الملحة إلى تعزيز إجراءات السلامة على الطرقات، وتنفيذ حملات توعية شاملة للحد من هذه المآسي المتكررة التي تهدد حياة المواطنين.

خبراء السلامة المرورية يؤكدون أن وقف نزيف الطرقات وخفض أعداد الضحايا ليس أمراً مستحيلاً، بل يتطلب خطة شاملة تبدأ بإجراءات فورية خلال 30 إلى 90 يوماً تشمل الإطلاق المرحلي للمعاينة الميكانيكية عبر تفعيل المراكز المعدة سابقاً تحت إشراف وزارة الداخلية وهيئة إدارة السير وهيئة الشراء العام، مدعومة بآليات شفافية كالقوائم الرقمية والمفتشين المستقلين، إلى جانب حملات مركزة لقوى الأمن على الطرق الرئيسية لمكافحة السرعة والدراجات النارية غير المرخصة، وحملات توعية عاجلة بالشراكة مع وزارة التربية والاتحاد العمالي ووسائل الإعلام.

أما على المدى المتوسط (6–12 شهراً) يطرح إنشاء نظام ترخيص ومراقبة إلكتروني يربط قواعد بيانات المركبات والسائقين بنتائج المعاينة، وتنظيم سير الشاحنات بأوقات محددة، إضافة إلى برنامج لتجديد أسطول باصات المدارس بتمويل مشترك من الدولة والبلديات والمنظمات.

أما الإصلاحات الطويلة الأمد (1–5 سنوات) فتشمل خطة شاملة لتحسين البنى التحتية من طرق وإنارة وتقاطعات ذكية، دمج ثقافة السلامة المرورية في المناهج وقياس فعاليتها سنوياً، وإقرار قانون مروري محدث يشمل نظام النقاط وتشديد العقوبات.

بدورها طالبت جمعية اليازا برفع قيمة الغرامات بما يتناسب مع تدهور قيمة العملة الوطنية، مع مضاعفتها في حال تكرار المخالفة، وتطبيقها على جميع المواطنين من دون استثناء أو تمييز، والتشدد في ملاحقة منظمي السباقات العشوائية والتجمعات التي تعرض حياة الناس وأمن الطرقات للخطر.

وبحسب التصنيفات العالمية، يعد لبنان "من بين الاسوأ على مستوى العالم"، من حيث السلامة المرورية وفقا للبنك الدولي.

مصدر أمني أوضح أن "الحل يجب أن يكون مشتركا بين الجميع، إذ يجب أن يكون التصدي لهذه المشكلة من قبل عدد كبير من الجهات، قوى الأمن الداخلي، مجلس النواب، لجنة الأشغال العامة والنقل، لذا لا بد من تضافر الجهود التشريعية والتنفيذية والهنــدسية والتعليمية لحل هذه المشكلة والتخفيف من حدتها"، مضيفاً "تحلي بالوعي اللازم ضروري من قبل المواطنين الذين يتوقون للقيادة السليمة، لكن في المقابل عليهم أن يحترموا القانون ورجل الأمن تماما كما يفعلون خارج لبنان"، داعيا إلى تشديد الرقابة على الطرقات لحماية أرواح الشباب الذين يخطفهم الموت على الطرقات بدل أن تكون الأخيرة نقطة عبور إلى مكان آمن.

وتشير الجداول الإحصائية الصادرة عن غرفة العمليات المشتركة في هيئة إدارة السير والآليات والمركبات إلى أن الأكثر عرضة لحوادث السير هم من فئتين، الأولى تضم المراهقين والشباب (15-29 سنة) والثانية من فئة الشباب ومتوسطي العمر (30- 44 سنة).

وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة، تخلف حوادث المرور سنويا أكثر من مليون ونصف المليون قتيل في العالم إضافة إلى أكثر من 50 مليون جريح أو معوق، كما تقدر العواقب المادية للحوادث بحوالى 518 مليار دولار سنويا، ويضيف التقرير أن حصيلة الخسائر البشرية في المنطقة العربية من جراء الحوادث هي 26 ألف قتيل سنويا و250 ألف مصاب، إضافة إلى خسائر مادية تقدر بستين مليار دولار سنويا.

ربى أبو فاضل -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا