قمّة مرتقبة في البيت الأبيض: نتنياهو والشرع وجهًا لوجه برعاية ترامب
السّعوديّة تستعيد الدّول من الميليشيات
تتّخذ المملكة في سياساتها الخارجيّة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز ووليّ عهده الأمير محمّد بن سلمان استراتيجية استعادة الدول من طغيان الميليشيات المسلّحة في فلسطين وسورية ولبنان واليمن وليبيا والسودان. وتتشارك في هذا الاهتمام مع الولايات المتّحدة باستثناء فلسطين. ففي فلسطين تقدّمت استراتيجية المملكة بقدرٍ هائل، على الرغم من معارضة واشنطن. في حين تتعاونان في سورية ولبنان وربّما في ليبيا والسودان واليمن، لكنّ الظاهر تماماً هو التنسيق في لبنان وسورية. وفي النهاية: لماذا دعوة نعيم قاسم إلى التصالح مع السعوديّة، وما خلفيّات ذلك؟!
أهمُّ ما توافق عليه العرب ومجلس التعاون الخليجيّ على وجه الخصوص مع إدارة ترامب: استعادة الدول (العربية) من الميليشيات المسلّحة التي ابتُليت بها منذ ما صار يُعرف بالربيع العربي. ولا يقتصر الأمر على ميليشيات إيران المسلّحة في لبنان والعراق واليمن، بل ويتناول ليبيا والسودان. ولذلك نشهد هذا الحراك القويّ الذي تبرز فيه الولايات المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة لاستعادة الدولة في سورية ولبنان مع عدم إغفال ليبيا والسودان. ويظهر الإصرار الأميركيّ في العراق.
صعوبات استعادة الدّولة
يعاني هذا التوافق صعوباتٍ في فلسطين من جانب إسرائيل التي لا تريد دولةً فلسطينيّة، ويبدو إصرارها على حرب الإبادة في غزّة واجتياحات المستوطنات والضمّ في الضفّة والقدس مصيراً إلى نشر الفوضى وإنكار حقوق الملايين من الفلسطينيّين. ويقول الرئيس ترامب إنّه يريد إنهاء الحرب في غزّة لكنّه لا يفعل شيئاً لدفع نتنياهو بهذا الاتّجاه. وقد انزعج من انقلاب المشهد العالمي بدفع من السعوديّة، وفي طليعته حلفاؤه الأوروبيّون، لمصلحة حلِّ الدولتين. لكنّه في الحقيقة لا يفعل شيئاً لمنع ذلك، ولذلك هناك من يقول إنّه يريد أن تعود الولايات المتّحدة وحدها بالوساطة في فلسطين، كما حصل منذ أوسلو عام 1993. لكنّ هذه المقولة غير مرجَّحة لأنّه وهو شديد العداء لحركة حماس يقبل التساوُمَ معها، في حين يقطع أيَّ علاقةٍ بالسلطة الفلسطينيّة في رام الله، بل ويمنع وفدها من الذهاب إلى نيويورك للمشاركة في إخراج حلّ الدولتين ومشروع السلام إلى حيّز الوجود والتبلور في اجتماع الأمم المتّحدة خلال أيّام. لقد توالت الاعترافات أخيراً من جانب بريطانيا وكندا وأستراليا، والحبل على الجرّار. فإذا سقطت “حماس” وسقطت سلطة أبي مازن حسبما يريد نتنياهو ويهمهم بذلك ترامب، فإلى أين وإلى أيّ مشروع يذهب الفلسطينيون المعذَّبون منذ مئة عام؟
لنعد إلى المشروع المشترَك لاستعادة الدولة من الميليشيات. الدول العربية وفي طليعتها السعوديّة ومجلس التعاون تمضي قُدُماً في مشروع الدولة بسورية ولبنان. ويبدو حتّى الآن أنّ إدارة ترامب معها. لكن هناك أيضاً تبرز العقبة الإسرائيليّة. فالغارات مستمرّة على سورية ولبنان. وكلّ أسبوع تقريباً يجتمع توم بارّاك مندوب ترامب مع وزير الخارجيّة السوري ووزير الشؤون الاستراتيجيّة الإسرائيليّ لترتيب اتّفاق. السوريّون الجدد يريدون العودة إلى اتّفاق فصل القوّات لعام 1974، الذي تجاوزته إسرائيل باحتلال المنطقة العازلة والاستيلاء على قمّة جبل الشيخ، والتدخّل في منطقة السويداء لإغراء الدروز بالانفصال عن الوطن الأمّ، ومدّ غارات الطائرات المقاتلة إلى اللاذقية. ويبدو أنّ عقبات العودة إلى اتّفاق فصل القوّات لا تقتصر على إحياء المنطقة العازلة، بل يطمح الطغيان الإسرائيلي إلى ما يتجاوز الاتّفاق الأمنيّ إلى اتّفاق سياسيّ لا يستطيعه السوريون والعرب بسبب قضيّتَي الجولان وفلسطين! هل يصمد الأميركيّون مع سورية الدولة أم يجرجرهم نتنياهو في المسألة السوريّة أيضاً فيعرّضون السلطة الجديدة للمزيد من التصدّعات ليس تجاه إسرائيل فقط، بل تجاه الأكراد وإيران وكلّ شياطين الأرض؟!
تبدو صعوبات استعادة الدولة في لبنان من الميليشيات من عدّة جهات. فإسرائيل ما تزال تُغير وتقتل يوميّاً في الجنوب وغير الجنوب، على الرغم من اتّفاق وقف النار قبل ثمانية أشهر. ولهذه الجهة أرسل ترامب مبعوثه بارّاك للوساطة ثمّ أضاف إليه أورتاغوس التي أتت إلى الجنوب لإعادة تفعيل لجنة وقف النار. يعترف الأميركيّون (والإسرائيليون!) بالجهود اللبنانية في مجالَي القرار الحكوميّ بحصريّة السلاح، وتحرّكات الجيش والقوّات الدولية لنزع السلاح في جنوب الليطاني، لكنّهم يقولون إنّها غير كافية (!).
الأميركيون والفرنسيون يساعدون الجيش في زيادة قدراته وعُدّته وعديده لتمكينه من السيطرة على الأرض وتجاوز نشاطات المسلّحين الأمنيّة وصناعات المخدّرات (!). والسعوديّون مع الفرنسيّين يأتون إلى لبنان من أجل الإصلاح السياسيّ والقضائيّ والاقتصاديّ واستعادة الودائع المحتجَزة للمواطنين. ولا يفوتهم الاهتمام بحصريّة السلاح الذي هو الشرط الضروريّ لأمن المواطنين، ولعودة الرساميل والاستثمارات العربية إلى لبنان.
سقوط وظيفة السّلاح
ما معنى نداء الأمين العامّ لـ”الحزب” بالمصالحة مع السعوديّة؟ منذ اغتيال “الحزب” للرئيس رفيق الحريري عام 2005، انتقل الاهتمام السعوديّ، وقد أخلى الجيش السوري لبنان، إلى محاولات المصالحة بين بشّار الأسد وسعد الحريري، الذي صار رئيساً للحكومة بعد انتخابات عام 2009. فسياسة السعوديّة قائمة على التعامل مع الحكومات وليس مع التنظيمات المسلّحة. كان بشّار يتظاهر بالموافقة لكنّه في عام 2010 حسم أمره لمصلحة إيران و”الحزب”. وبعد عامين على ذلك ذهبت جحافل “الحزب” باتّجاه سورية للدفاع عن نظام الأسد والمشاركة في قتال وقتل الشعب السوريّ بعدما كانت قد احتلّت بيروت عام 2008، وتحالفت مع الجنرال عون وصهره جبران باسيل (تحالف الأقلّيّات) لإسقاط اتّفاق الطائف باعتباره صنع دستوراً لمصلحة أهل السنّة (!) والاستيلاء المشترك على مقدَّرات الدولة والمرافق والمؤسّسات حتّى عام 2024! والجميع يعلم أنّه بعد سورية كلّفت إيران “الحزب” بدعم ميليشيات الحوثي في اليمن، وما يزال بعض عناصر “الحزب” مع الإيرانيّين هناك حتّى اليوم. وفي حين تدخّل مجلس التعاون الخليجيّ لاستعادة الدولة باليمن، انصرف “الحزب” والحوثيون لإطلاق الصواريخ على حدود المملكة ومرافقها البتروليّة! إنما قبل سنتين ونيّف جرت وساطة صينيّة بين السعوديّة وإيران فتحسّنت العلاقات وتوالت الزيارات المتبادلة، وخمدت موجات الاعتداء بالصواريخ والمسيّرات. وقبل أيّام زار مفوّض الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني المملكة واجتمع بمسؤوليها الكبار، وجاء بعد ذلك خطاب نعيم قاسم التصالحيّ، على الرغم من كثرة اشتراطاته (!) فهل كان هذا التوجُّه بطلبٍ من إيران؟ طوال سنواتٍ وسنواتٍ ظلّ حسن نصرالله يهاجم المملكة وقال مرّة إنّ مواجهة المؤامرة على سورية الأسد أهمّ من مواجهة إسرائيل، وفي مرّةٍ أخرى قال إنّ مواجهة المؤامرة على الحوثيّين أهمّ من المواجهة في فلسطين. وفي مرّة ثالثة قال إنّ إسرائيل وأميركا والسعوديّة تريد نزع سلاح المقاومة، وهذا غير ممكن.
على كلّ حال خرج “الحزب” اليوم من سورية كما خرج الأسد، وعانى من ضرباتٍ قاسية لقياداته ولسلاحه وأُخرج بالقوّة من جنوب لبنان أو يكاد. ولا أعرف كثيراً ولا قليلاً عن نقاط ما يزال “الحزب” العظيم (وإيران) يختلفان عليها مع المملكة باستثناء ما هو معلن ومطلوب: التوقّف عن الإسهام في شقاء الشعب اليمنيّ كما سبق أن أسهم في الشقاء والمذابح ضدّ الشعب السوري، والتوقّف عن الإضرار بأمن الدولة في لبنان بتسليم سلاحه للدولة والجيش. فهو في سلوكه الحاليّ الرافض يعرّض حياة أبناء طائفته وأمن لبنان للخطر.
تسعى المملكة منذ عام 2002 لإقامة الدولة الفلسطينيّة. وقد بلغت استراتيجياتها الذروة هذه الأيّام التي صار فيها اعتراف عالميّ كبير بدولة فلسطين. وكما نجحت المملكة في فلسطين، هناك أمل كبير باستعادة دولٍ عربيّة أخرى من الميليشيات ومن الاحتلالات، ومنها لبنان وسورية. ما عاد سلاح “الحزب” مهمّاً فقد سقطت وظائفه، إنّما المهمّ أن يكفّ نعيم قاسم ومشايعوه عن تجنيد الطائفة الشيعية لمصلحة إيران ضدّ وطنهم ودولتهم. وإن لم يكفّ هو ومجنّدوه عن ذلك يكونون قائمين بالمهمّات التي تقوم بها إسرائيل ضدّ الدولة بسورية!
رضوان السيد -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|