عمليات مشبوهة بـ 142.2 مليون دولار: ما دورُ محمد حمدون ورالف صياد ومرعي أبو مرعي... ونايلة زيدان؟
أظهر التدقيق في العمليات التي نفّذها مالكو ومسؤولو «الاعتماد المصرفي»، أنه تمّ استعمال حسابات عائدة لشركة «إنفسبرو» بشكل متكرّر لتغطية عمليات خاصة بالمصرف، من أبرزها زيادة رأسمال المصرف وتغطية قروض لعدد من مساهمي المصرف والمديرين التنفيذيين وكبار المودعين أيضاً، وسحوبات نقدية لهؤلاء أيضاً.
بحسب ما يرد في ملف التدقيق، فإن شركة «إنفسبرو» تُعرف بأنها «شركة المصرف» التي أسّستها سمر وديع زيدان وتربطها صلة قرابة مع المديرة العامة في المصرف نايلة فريد زيدان. وتبيّن أن حجم العمليات التي نُفّذت على حساب «إنفسبرو» بلغ 142.2 مليون دولار منها إيداعات نقدية بقيمة 51.5 مليون دولار، منها 13 مليون دولار مصدرها ثلاثة حسابات خاصة بكل من: كريم محمد حمدون، روان محمد حمدون، كريم محمد حمدون أو ناديا حسين سويد. ومنها أيضاً إيداع نقدي بقيمة 38.4 مليون دولار من شمّا حسن سكّر (زوجة فادي بربر الشريك في المصرف).
في المرحلة الأولى، وبمجرّد تحويل الـ13 مليون دولار من حسابات حمدون إلى حساب «إنفسبرو»، نُفّذت عملية تحويل 11 مليون دولار إلى الليرة اللبنانية على سعر صرف يبلغ 3850 ليرة للدولار الواحد، أي ما أنتج 42.35 مليار ليرة. وفي 4 آب 2020، جرى تحويل الناتج من هذه العملية إلى حسابات عدّة بتوجيه من نايلة فريد زيدان بواسطة رسالة إلكترونية. ويظهر في تفاصيل الحساب أنه على عكس الواقع سُحب مبلغ نقدي منه بنفس قيمة الناتج من العملية، أي 42.35 مليار ليرة، بينما في الحقيقة جرى تحويلها إلى أربعة حسابات على النحو الآتي:
- 8.4 مليارات ليرة إلى حساب شركة Logileb ثم تمّ تحويلها إلى 4.9 ملايين دولار على سعر صرف يبلغ 1690 ليرة للدولار واستُعمل المبلغ من أجل تغطية تسهيلات (قرض) عائدة لشركة «M+M Hechme Logistics».
- 10.4 مليارات ليرة إلى حساب رولان وروي الأسمر، وتمّ تحويلها إلى 6.2 ملايين دولار على سعر صرف يبلغ 1690 ليرة للدولار واستُعمل المبلغ من أجل تغطية تسهيلات (قرض) عائدة لرولان وروي الأسمر.
- 3 مليارات ليرة إلى حساب شركة «إيكوي كابيتال» التي يديرها رالف صياد وتمّ تحويلها إلى 1.9 مليون دولار على سعر صرف يبلغ 1690 ليرة للدولار.
- 3.6 مليارات ليرة إلى حساب مرعي أبو مرعي، وتمّ تحويلها إلى 2.1 مليون دولار على سعر صرف يبلغ 1690 ليرة للدولار الواحد، واستُعمل المبلغ من أجل تغطية تسهيلات (قرض) عائدة لمرعي أبو مرعي.
تبقّى من ناتج العملية الأساسية مبلغ 16.7 مليار ليرة جرى تحويله إلى الدولار على سعر صرف 1520 ليرة للدولار ونتج من ذلك 13 مليون دولار أُعيدت إلى الحسابات المشتركة بين محمد وكريم وروان حمدون وناديا سويد.
بمعنى آخر، بدأت العملية بـ13 مليون دولار، وانتهت بـ13 مليون دولار، لكن في الطريق تمّت تغطية مطلوبات بنحو 22 مليون دولار لـ«M+M Hechme Logistics» ورولان وروي الأسمر وشركة «equi capital» بالإضافة إلى مرعي أبو مرعي.
المبالغ النقدية التي تراكمت في حسابات «إنفسبرو» تشير إلى أن مصدر العمليات المنفّذة هو سليم الخليل وموظفوه. ودور الخليل أنه كان الوسيط الذي يقوم بالعمليات بحسب ما يظهر من المراسلات في المصرف (سليم الخليل كان يتعاقد مع مصرف لبنان ومع بنك الاعتماد المصرفي من أجل القيام بهذا النوع من العمليات لمصلحة مصرف لبنان).
وفي مرحلة ثانية، وتحديداً في كانون الأول 2021، حوّل من حساب «إنفسبرو» إلى شمّا سكر 38.4 مليون دولار بهدف شراء «Regent Park» (ليس واضحاً مصدر الأموال التي حوّلتها «إنفسبرو» إلى حساب شمّا سكر، وإذا كان الهدف من التحويل شراء شركة أو عقار أو خلافه...). لكنّ الواضح من التقرير، أن هذا المبلغ توزّع إلى ثلاث وجهات: شركة «Mernosa» (يملكها المساهم في المصرف محمد جوهر)، شركة «Financial Profile» (تملكها شمّا سكر وزوجها فادي بربر وإسكندر سكر)، وحسابات طارق وماريا خليفة. وأظهرت العمليات المنفّذة على هذا المبلغ في حسابات هؤلاء، أنه تمّ تحويل 15 مليون دولار إلى ليرة على سعر صرف يبلغ 23800 ليرة للدولار، أي ما أنتج 357 مليار ليرة. ثم سُحب من الناتج مبلغ نقدي يبلغ 59.9 مليار ليرة توزّع على النحو الآتي: 6 مليارات ليرة لشركة Mernosa و12 مليار ليرة لشركة Financial Profile، و42 مليار ليرة لطارق وماريا خليفة. وبالتالي بقي في هذه الحسابات 297 مليار ليرة.
وأضيفت إلى هذه العملية، عملية ثانية لتحويل المبلغ الباقي (38.4 مليون دولار ناقص 15 مليون دولار) والبالغ 23.42 مليون دولار، إلى شيكات بالدولار (لولار)، ثم حُوّلت هذه الشيكات إلى شيكات بالليرة على سعر صرف يبلغ 6020 ليرة للدولار. وبنتيجة هذه العملية تراكم في حسابات شركتي Mernosa و«Financial Profile» وطارق وماريا خليفة مبلغ 141 مليار ليرة.
كذلك، نُفّذت عملية ثالثة في حسابات هذه الأطراف بين 5 أيار 2022 و9 أيار 2022، هي عبارة عن ضخّ شيكات بالليرة في الحسابات بقيمة إجمالية بلغت 148.5 مليار ليرة.
ومن دون أن يظهر مصدر الأموال أيضاً، تبيّن أنه في أيار 2022، ضخّ طارق خليفة في حسابه 94.5 مليار ليرة، كما ضخّت شركة «Financial Profile» في حسابها 12 مليار ليرة، أي ما مجموعه 113 مليار ليرة.
في المحصّلة، استُخدمت المبالغ الناتجة من هذه العمليات، والبالغة قيمتها نحو 699.7 مليار ليرة في إعادة رسملة المصرف.
* غداً: حساب مُسجّل باسم «حساب الطرابيش»؟
مجموعة حمدون – زغيب إعادة تدوير الأموال
يظهر التدقيق أن جوزيف جورج زغيب يملك حسابات مشتركة مع محمد حمدون وعدد من أفراد عائلته، عُرفت باسم مجموعة حمدون. ورغم أن التصاريح الرسمية أظهرت أن هذه الحسابات تعود لعائلة حمدون وحدها، فإنّ الوقائع الموثّقة في التدقيق، بيّنت أنّها استُخدمت لعمليات مالية واسعة عبر منصّة صيرفة وتعاميم مصرف لبنان، غالباً بتنسيق مع إدارة المصرف. تُظهر هذه العمليات أنّ الحسابات المشتركة بين زغيب ومجموعة حمدون لم تكن حسابات شخصية اعتيادية، بل أداة ممنهجة لإعادة تدوير الأموال بين عدّة شركات وأفراد، مع الاستفادة من أسعار صرف متباينة وتعاميم مصرف لبنان. النمط المتكرر للتحويلات والسحوبات والشيكات يكشف عن تنسيق داخلي على مستوى الإدارة لتغطية عجز، أو إعادة ضخّ أموال في شركات محددة، أو نقل أرباح إلى حسابات شخصية.
أبرز العمليات كما وردت في وثائق التحقيقات:
- في 29 حزيران 2020، تمّ سحب 14.5 مليار ليرة من حساب M.N Holding SAL عبر شيك لصالح Leadlink Holding SAL، ثم تحويلها إلى 9.53 ملايين دولار. جزء من هذه المبالغ حُوّل إلى شركة Nabey 20 SAL، فيما استُخدم الباقي لتمويل حسابات مرتبطة بشركات مثل K.Z Waters وFalling Waters SAL.
- في 15 تموز 2020، نُقل مبلغ 4.5 ملايين دولار إلى J.E Holding ومنها إلى Falling Waters SAL.
- في 17 تموز 2020، حُوّل مبلغ 17.2 مليار ليرة إلى 10.2 ملايين دولار لصالح Falling Waters، ومن هناك توزّعت على عدة حسابات، بينها حساب جوزيف زغيب الشخصي.
خلال الفترة نفسها، تمّ تسجيل تحويلات متعدّدة أبرزها:
● 4.12 ملايين دولار لتغطية عجز في حساب مشترك لزغيب في SGBL.
● 5.87 ملايين دولار إلى حسابه الشخصي بتاريخ 21 تموز 2020.
● عمليات لاحقة شملت تحويل مبالغ إلى غريتا إبراهيم غفاري، وReal Development Holding SAL، وإعادة ضخ أموال في Leadlink.
وفي 10 و13 آب 2020، حُوّل 9.55 ملايين دولار من حساب Falling Waters إلى الحساب الشخصي لزغيب، ثم أعيد تدويرها بين Leadlink وحسابات عائدة إلى ناديا حسين سويد وAshrafieh 4748 SAL. كذلك صدرت شيكات بأسماء وجيهة النعماني وألين شقير بقيمة إجمالية تتجاوز 10 مليارات ليرة، أودعت لاحقاً في حسابات عائدة لزغيب أو أقاربه. وفي 5 تشرين الثاني 2021، سُجّل تحويل يقارب 5 ملايين دولار من حسابات مجموعة حمدون إلى حساب مشترك بين زغيب وناديا سويد، ليُعاد توجيهه لاحقاً إلى حسابه الشخصي. وفي 9 تموز 2021، ورد تحويل من أرمينيا بقيمة 899 ألف دولار إلى حساب Tarmac LLC، ثم إلى شركة PIC.
وفي أيار 2022، حُوّل مبلغ 7.5 مليارات ليرة من حسابات حمدون/سويد إلى حساب زغيب الشخصي ثم إلى SGBL. وفي أيلول 2023، أُعيد تدوير ما مجموعه 20.49 مليون دولار عبر حسابات Leadlink وNabey 20 SAL لتغطية عجزها في السحوبات. وفي الشهر نفسه، تمّ تحويل 333 ألف دولار من حساب بنك لبناني خاضع للتصفية إلى حساب زغيب، قبل أن يُعاد تدويرها وفق آلية التعميم 151.
بربر: طارق خليفة والمحامي خدعاني
في 21/5/2024، وجّه المساهم في بنك الاعتماد المصرفي، فادي بربر، كتاباً إلى محمد بعاصيري، الذي كان في حينه مديراً مؤقّتاً للمصرف، يبلّغه فيها بأنه تعرّض لخديعة من رئيس مجلس إدارة المصارف طارق خليفة، ومحامي المصرف، في مسألة متعلّقة بالآلية التي عُرضت عليه لزيادة رأس المال في المصرف عبر مقدّمات نقدية. وقال بربر في الكتاب إنه قبل نهاية 2021، دعاه خليفة إلى اجتماع لإبلاغه بأنّ المصرف لديه مداخيل بقيمة 38.4 مليون دولار وأنّ الطريقة الفضلى لإدخالها في الذمّة المالية للمصرف، تتحقّق عن طريق مقدّمات نقدية مخصّصة لزيادة رأس المال.
ثمّ عُقد لقاء ثانٍ حضره محامي المصرف، إلى جانب خليفة، وعُرض على بربر آلية لتخصيص المبلغ المذكور باعتبارها آلية قانونية سليمة، «فما كان مني إلا أن وقّعت العقود والأوراق التي كان سينتج عنها ضخّ مبلغ قدره 38.4 مليون دولار في بنك الاعتماد المصرفي في أثناء هذه الأزمة غير المسبوقة، لتعزيز سيولة المصرف وقدرته المالية».
وفي الكتاب يقول بربر، إنه بعد انكشاف الأمر إثر تعيين بعاصيري مديراً مؤقّتاً، وجّه الكتاب بصفته ممثّلاً قانوناً عن شركة فايننشال بروفايل (الشركة التي باعت العقار إلى شركة انفسبرو المملوكة من المصرف)، للتّنازل عمّا قد يكون سمّي في قيود بنك الاعتماد المصرفي، بحصّة الشركة البالغة 7.68 مليون دولار من مجموع المقدّمات النقدية أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية، لمصلحة البنك الذي يعود إليه تصحيح القيمة بما يعكس هذا التنازل.
استنتاجات فريق التدقيق تزوير مستندات واختلاسات بقيمة 106 ملايين دولار
استنتج فريق التدقيق في حسابات «إنفسبرو» الآتي:
1. المالك الحقيقي النهائي للحساب هو بنك الاعتماد المصرفي.
2. المستندات المقدّمة إلى مصرف لبنان والتي تدّعي أن الشركة هي تحالف من المستثمرين، هي مستندات مزوّرة.
3. توجد فروقات كبيرة في إدارة وإنفاق الأموال ضمن الحساب.
4. جرت محاولات لإخفاء العمليات من خلال حذف دفاتر الحسابات من التقارير المُرسلة إلى مصرف لبنان.
5. جرى تحويل الأموال من الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية باستخدام إجراءات مشكوك فيها، وتشوب دفاتر البنك عمليات غير مبرّرة وغير ضرورية.
كما أظهرت نتائج التدقيق الأولي الذي طلبته «لجنة المراقبة المصرفية العليا» في مصرف «كريدت بنك» أن استخدام المصرف لتسهيلات مصرف لبنان في عمليات المبادلات النقدية الأجنبية (FX swaps) أدّى إلى تسجيل خسائر وضياع فرص ربحية مشبوهة في آن واحد. فقد منح «المركزي» للبنك، مبالغ تتجاوز 1.1 مليار دولار بموجب «التعميم 151» وعمليات بيع دولارات محلية بسعر رسمي من دون وجود سجلّات واضحة تظهر كيف تمّ تخصيص هذه الأموال، الأمر الذي حال دون تحديد ما إذا كانت الخسائر نُقلت إلى المركزي أم بقيت على موازنة «كريدت بنك».
وكشفت وثائق الحسابات أن سلسلة من العمليات التي أجريت بين آب 2020 وتموز 2021 عبر حسابات «إنفسبرو» و«حمدون» و«شكري» و«live green» ساهمت في تحقيق مبالغ تراوِح بين 6 و6.4 ملايين دولار في كل عملية تقريباً، بعد شراء الدولار بسعر 3,900 ليرة وبيعه لاحقاً بسعر يراوِح بين 1,520 و1,690 ليرة. ولم تحقّق هذه العمليات الأهداف المعلنة، من دعم سحوبات المودعين أو حماية القروض المُسدّدة بسعر صرف رسمي، بل استُخدمت لزيادة تعرّض البنك للخسائر وإخفاء أثرها على الأداء التشغيلي.
إلى جانب عمليات المبادلات، توصّل التدقيق إلى سلسلة من التحويلات الخارجة عن إطار نشاط البنك المركزي، شملت تحويلات لشركات وأفراد مرتبطين بمسؤولين في «كريدت بنك»، من بينها حوالات بقيمة 13.3 مليون دولار لشركة «فاينانشال تراست بارتيسيباشن هولدينغ» المملوكة لطارق خليفة، وتحويلات أخرى غير متتبّعة من «إنفسبرو» بلغت قيمتها 5.4 ملايين دولار. كما أظهرت الحسابات سحباً نقدياً مكثّفاً من حسابات ذات صلة بالأفراد بعد عام 2019، ما يعزّز فرضية تخصيص هذه المبالغ لأغراض شخصية أو سياسية خارج نطاق إدارة البنك.
خلاصة المبالغ المُجمعة تفيد بأن إجمالي كلفة الفرصة البديلة لهذه العمليات وصل إلى نحو 21 مليون دولار وفق الأسعار الرسمية، وما يقرب من 106 ملايين دولار وفق أسعار السوق السوداء، إضافة إلى نحو 54 مليار ليرة لبنانية. وتُعد هذه الأرقام تقديرية استناداً إلى معدّلات الصرف غير الثابتة، ما يسلط الضوء على عمق الانعكاسات السلبية لسياسات التدخل غير المنضبطة في سوق الصرف على استقرار القطاع المصرفي وأموال المودعين.
ماهر سلامة - الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|