“كيف وصلت من القاعدة لرئاسة سوريا؟” هكذا رد الشرع على سؤال مدير “CIA” السابق
"حلّ الدولتين"... صفعتان لمحور الممانعة وإسرائيل
يمرّ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بمنعطف تاريخي حاسم مع تصدّر مؤتمر "حل الدولتين" المشهد السياسي والدبلوماسي العالمي قبيل أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. تجسّد مقولة شهيرة واقع الكفاح المسلّح الفلسطيني الذي انتقل من حقبة مأسوية إلى أخرى أكثر فجاعة ومن "جهات راعية خبيثة" إلى أخرى أكثر دناءة، منذ عام 1949 وصولًا إلى اليوم، ألا وهي "الجنون هو أن تكرّر الفعل ذاته مرارًا وتكرارًا، وتنتظر نتائج مختلفة". خيار "المقاومة" لم يجلب للفلسطينيين سوى الدمار والمآسي وتعميق خسائرهم الديموغرافية والجغرافية والسياسية، انطلاقًا من العمل الفدائي بقيادة "منظمة التحرير الفلسطينية" وصولًا إلى "حركات المقاومة" المتعاونة مع "فيلق القدس" الإيراني، التي زادت من نكبات الشعب الفلسطيني وجعلت منه بيدقًا في مهب الصراعات القاتلة على رقعة شطرنج النفوذ الإقليمي.
من نافل القول إن المقاومة حق طبيعي ومشروع لأي شعب يسعى إلى تقرير مصيره، إلّا أن النتائج تبقى أكبر مثال صارخ عن مدى نجاح مثل هكذا خيار عبر التاريخ الفلسطيني المشبّع بالخيارات الخاطئة والهزائم المتوالية. في كلّ مرحلة وعند كلّ استحقاق مفصلي، كان الفلسطينيون يخسرون أكثر مِمّا كانوا سيكسبون لو انتهجوا سياسة أكثر عقلانية وحكمة، خصوصًا أنهم يواجهون عدوًّا ماكرًا ومنظمًا ومجهّزًا ومدعومًا، ويعرف ماذا يريد وكيف يحقق مراده بكلّ الوسائل المشروعة وغير المشروعة. لا يمكن إغفال أن العلاقة الإسرائيلية - الفلسطينية لم تكن يومًا سليمة بطبيعة الحال، لكنها مرّت بانفراجات موَقتة مع توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، الذي لم يصمد طويلًا فتلقى ضربات متتالية توّجت بـ "انتفاضة الأقصى" في أيلول 2000، التي أثبتت أن عملية السلام وصلت إلى طريق مسدود.
انسداد الأفق أمام الفلسطينيين مع بداية الألفية الثالثة، جعلهم ينجرفون نحو الحركات العنفية الرافضة أصلًا لـ "حل الدولتين" والتي ترفع شعار "من النهر إلى البحر" وتعتبر أن "المقاومة" هي الحلّ الوحيد لتحقيق هذه الغاية. سيطرت حركة "حماس" على السلطة في قطاع غزة عام 2007، بعدما طردت بالقوّة حركة "فتح"، فيما عملت "حماس" وأخواتها عبر خلايا داخل الضفة الغربية، حيث للسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس حكم ذاتي محدود، وحيث يتوسّع الاستيطان الإسرائيلي وقضم أراضي "يهودا والسامرة" بهدف السيطرة عليها وضمّها متى دقت "ساعة الصفر" في "الحسابات اليهودية"، وتاليًا القضاء على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقبلًا.
لم تنجح "حماس" وأخواتها، ولو قيد أنملة، بتحقيق مكاسب أو إنجازات ملموسة للقضية الفلسطينية، بل أغرقتها في بازار الصراعات الإقليمية وجعلت الفلسطينيين وقودًا في معارك وحروب خاسرة ومدمّرة، كلّلتها بعملية "طوفان الأقصى" التي قد تشكّل محصّلة تداعياتها "ضربة قاضية" للوجود الفلسطيني في القطاع. أدّى الفكر العقائدي الذي تسير هذه التنظيمات الإسلامية على هداه، دورًا جوهريًا في "طلاق" هذه الجماعات المتزمّتة مع الواقع، مدعومة من نظام شمولي في إيران استثمر على مدى عقود في القضية الفلسطينية للتغلغل باسمها في المنطقة. ورغم الخسائر المدوّية التي مُنيت بها طهران بإعطاب إسرائيل لأذرعها وتغييرها موازين القوى بشكل جذري في الشرق الأوسط، ما زال الملالي يرفضون "حل الدولتين"، ولعلّ البيان التوضيحي الذي أصدرته الخارجية الإيرانية بعد القمّة العربية - الإسلامية في الدوحة والذي حسم أن "جمهورية إيران الإسلامية تؤكد أن ما يسمّى بحل الدولتين لن يحل القضية الفلسطينية"، خير شاهد على ذلك.
مع انحسار النفوذ الإيراني في المنطقة، خصوصًا مع بتر "الهلال الشيعي" الذي كان يربط طهران ببيروت، بسقوط نظام الأسد في دمشق، بدأت تلوح في الأفق بوادر سلام إقليمي يبقى متعثرًا في الوقت الحالي بحكم تعقيدات الأزمات المشرقية المستعصية. طريق السلام بين إسرائيل وجيرانها ليس معبّدًا، لكن "نافذة تاريخية" فتحت لتحقيق السلام. بيد أن لهذا السلام كلفة على تل أبيب الرافضة لـ "حل الدولتين" شأنها شأن عدوّتها اللدود إيران. تشترط المملكة العربية السعودية تحقيق سلام عادل وشامل لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ما يعني عمليًا إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. دشّنت المملكة مع فرنسا تحالفًا دوليًا يدعو إلى "حل الدولتين"، أثمر مؤتمرًا دوليًا احتضنته نيويورك أمس واعترفت قبله وخلاله دول غربية عدّة بدولة فلسطينية، على رأسها بريطانيا وفرنسا.
تكسب فلسطين "المعركة الدبلوماسية" في وجه إسرائيل مع ارتفاع عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطينية إلى نحو 150 من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة، في وقت تزداد فيه الدولة اليهودية عزلة مع استمرار سفك الدماء في غزة. لكنّ الخبراء يتخوّفون من ردّ إسرائيلي قاس على الاعترافات بدولة فلسطينية يقضي بضمّ تل أبيب، الضفة الغربية أو أجزاء كبيرة منها، إلى سيادتها، خصوصًا إذا ما حصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على "ضوء أخضر" من الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما سيلتقيه في البيت الأبيض مطلع الأسبوع المقبل. صحيح أن المسار الدبلوماسي محفوف بالمخاطر وغير مضمون النتائج، بيد أن الخيار العسكري أثبت فشله الذريع في كلّ المحطات الفلسطينية التاريخية، ولم يعد أمام الفلسطينيين سوى الرهان على الحلول السلمية، بدعم أصدقائهم، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد توالي المغامرات الانتحارية والرهانات الخاسرة.
إذا اختارت إسرائيل السير بخطوة ضمّ الضفة، فإنها ستخاطر بنسف "اتفاقات أبراهام" وتسعير الصراع في المنطقة، خصوصًا أن الإمارات العربية المتحدة حذرت من أن أي تحرّك إسرائيلي لضمّ أراضٍ في الضفة سيُشكّل "خطًا أحمر" لأبوظبي وسيُقوّض روح "اتفاقات أبراهام" وسيهدّد الاندماج الإقليمي. تحاول الرياض بالتعاون مع باريس، تغيير قواعد اللعبة من "البوابة الأممية" وإحداث "صدمة دبلوماسية إيجابية" تشق مسارًا نحو إقامة دولة فلسطينية، لانتشال هذه القضية من أنياب القوى الظلامية ومخالبها، وتوفير فرصة قد تكون الأخيرة لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
ستقترن الاعترافات بدولة فلسطينية باستبعاد "حماس" من أي دور مستقبلي في حكم هذه الدولة، وبالتزام السلطة الفلسطينية بسن إصلاحات حقيقية من شأنها تحسين طريقة الحكم وجعلها شريكًا أكثر صدقية لإدارة غزة بعد الحرب. قد لا تنجح الجهود الدبلوماسية بإقامة دولة فلسطينية، لكن الأكيد أن استمرار الحروب سيقضي على الوجود الفلسطيني في الضفة وغزة، والأكيد أيضًا أن مؤتمر "حلّ الدولتين" وجّه صفعتين متزامنتين لـ "محور الممانعة" وإسرائيل، أقلّه في المدى المنظور.
جوزف حبيب - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|