هكذا يتغيّر الشرق الأوسط: الصراع السعودي ـ الإسرائيلي
كل ما فعلته واشنطن، تعقيباً على مقتل 3 أطفال بغارة اسرائيلية على مدينة بنت جبيل نفيها أن يكون الضحايا أميركيين. لنتصور كيف كانت اهتزت الأمبراطورية لو كان الضحايا اسرائيليين. متى لم تتعامل معنا الولايات المتحدة سوى كوننا حجارة بشرية. بالأحرى حجارة ميتة؟
حرب من دون منطق، ومن دون قواعد، وحتى من دون أفق. غارات من ضفاف المتوسط الى ضفاف الأحمر، وصولاً الى ضفاف قزوين. متى ضفاف الأطلسي أو ضفاف الباسيفيك؟ لاحظوا كيف يزحف أحمد الشرع باتجاه أورشليم (يا سيادة الرئيس، سوريا هي قلب العروبة النابض، وان كنا على يقين بأن هذا القلب قد مات).
قال لشبكة CBS، وهو في طريقه الى نيويورك، "لقد واجهنا داعش، وطردنا الميليشيات الايرانية وحزب الله من المنطقة"، دون أن يدري على أي حصان خشبي وصل الى القصر، لماذا لم يقل أيضاً "... ولقد سلمنا جبل الشيخ وكذلك الجنوب السوري، وحتى دمشق، الى دبابات ايال زامير، كما هللنا للقاذفات الاسرائيلية وهي تدمر كل أثر للقوة في المؤسسة العسكرية السورية، لنكون الهياكل العظمية في مواجهة رب الجنود". باختصار الجولان بات وراءنا، قريباً ترفرف نجمة داود على ضفاف بردى. يا بردى...!!
لعل الشرع لم ينتبه الى ما صرح به يسرائيل كاتس "لن نتحرك من جبل الشيخ" الذي هو السقف الصخري للعاصمة السورية بل وللدولة السورية، بعدما كان بنيامين نتنياهو قد قال "ان انتصاراتنا على "حزب الله" وفرت لنا فرصة لم تكن في خيالنا، وهي فرصة السلام مع جيراننا في الشمال". السلام أم الاستسلام ؟ لكننا في زمن الأدمغة المقفلة، والوجوه المقفلة، حين تتم برمجة سوريا على الايقاع التركي، وعلى الايقاع الأميركي، وعلى الايقاع الاسرائيلي .
هكذا سوريا المنزوعة السلاح، ولبنان الذي تبقى "قوته في ضعفه"، وهي المعادلة الفذة التي جعلت البلد حيناً في قبضة ياسر عرفات، وحيناً في قبضة آرييل شارون، وحيناً في قبضة رستم غزالي. الآن في قبضة مورغان أورتاغوس أم في قبضة بنيامين نتنياهو لنكون جزءاً من "اسرائيل الكبرى" ؟ أنصاف البشر في حضرة أنصاف الآلهة...
لكن شيئاً ما حدث في المنطقة. المملكة العربية السعودية، وهي القوة السياسية، والمالية، المؤثرة أدركت، بمنتهى الدقة وبمنتهى الوعي، ما في رؤوس الحاخامات، وما في رؤوس الجنرالات، وبقيادة ذلك المايسترو، الخارج للتو من أقاصي الجحيم. وكالة بلومبرغ وصفت خطأ بنيامين نتنياهو بـ"الخطأ الهتلري"، حين قاد الفوهرر، بالجنون اياه، نخبة الجيش الألماني، الى أبواب موسكو التي كانت أبواب النار، وحيث كان السقوط الكبير لأدولف هتلر، كما كان السقوط الكبير لنابليون بونابرت. هل يكون السقوط الكبيرلبنيامين نتنياهو؟
ها هي السعودية تكتشف أن القواعد الأميركية، وكذلك الاساطيل الأميركية، موجودة في الخليج، لا لحماية دول الخليج، وانما لحماية المصالح الأميركية، والمصالح الاسرائيلية في الشرق الأوسط. من هنا استعادة عبارة غولدا مئير "دولة يهودية آمنة دول عربية ميتة". ضربة الدوحة، وبضوء أخضر أميركي، أضاءت الكثير في قصر اليمامة، حتى لو قالت "وول ستريت جورنال" ان دونالد ترامب "يعيش حالة من الغضب المكبوت تجاه بنيامين نتنياهو". ما يثير الذهول أكثر من ضعف الرئيس الأميركي أم رئيس الوزراء الاسرائيلي قولها ان ترامب "اشتكى مراراً، في جلسات خاصة، من أن نتننياهو يقوض مساره لانهاء الحرب في غزة"، لتضيف أنه قال، بعد ضربة الدوحة "لقد خدعني"، كما لو أن قاعدة"العديد"، على الأقل، كانت مقفلة في ذلك اليوم .
حتى أن الجنرال الشهير ديفيد بترايوس يحذر من تفاعلات زلزالية في الشرق الأوسط "تهدد وجودنا هناك". لاحظنا كيف أن واشنطن لم تعلق، بأي كلمة، على الاتفاق الدفاعي بين الرياض واسلام آباد، وان كان هناك من يرى أن المملكة وضعت نفسها داخل دائرة الخطر، صحيفة "عكاظ" كتبت بكل وضوح، وتحت عنوان "دفاع جوي سعودي ... يكتمل بردع نووي باكستاني"، قائلة "ان الاتفاقية ليس مجرد تحالف عسكري تقليدي بل اعادة صياغة معادلة الردع الاقليمي"، أي أن باكستان التي تمتلك نحو 170 رأساً نووياً باتت جزء من خارطة توازنات القوة في المنطقة.
يأتي ذلك في ضوء تطور هام حدث على العلاقات السعودية ـ الايرانية والذي كان من نتائجه اعلان الأمين العام لـ"حزب الله" مد اليد الى المملكة، لنلاحظ أن زيارة الأمير يزيد بن فرحان للبنان كانت هذه المرة علنية، ليطلق ذلك الكلام الهام الذي له تأثيره على المشهد اللبناني، "الدم الشيعي مثل الدم السعودي، والسعودية لا يمكن أن تدفع باتجاه تصادم لبناني"، ما أغاظ قوى سياسية وطائفية، راهنت على دور مختلف كلياً للملكة ان من أجل الوصول الى الكانتونات، أي الغيتوات، الطائفية، أو من أجل التعبير عن ترسبات ايديولوجية، أو تاريخية .
هل نتوقع شكلاً جديداً من الصراع في الشرق الأوسط اذا ما أخذنا بالاعتبار تداعيات الحملة السعودية في اتجاه اقامة الدولة الفلسطينية، وكذلك التغطية الباكستانية النووية (الموثوقة) للمملكة في مواجهة الترسانة النووية الاسرائيلية ؟ بالتأكيد مسار آخر، وصراع آخر، هل ننتظر سقوط بنيامين نتنياهو؟ ثمة أشياء، وأشياء، في الطريق الى التغيير...
نبيه البرجي - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|