أبرزها السعودية والكويت والعراق.. كيف تبدّل مشهد مكافحة المخدرات في لبنان؟
في الأسابيع الأخيرة، بدا الوضع الأمني في لبنان مختلفا في ملف المخدّرات، ولا سيما الكبتاغون. فقد تكرّرت إعلانات وزير الداخلية أحمد الحجار عن ضبط شحنات ضخمة وتفكيك معامل إنتاج، في مشهد يوحي بتحوّل نوعي في أداء الدولة حيال هذا الملف الذي لطالما أثار انتقادات عربية ودولية. فما الذي تغيّر وجعل الدولة تبدو أكثر فاعلية الآن؟
بحسب مصادر رسمية، فإنالأجهزة الأمنية اللبنانية تلقت في الآونة الأخيرة كمّا من المعلومات الدقيقة من دول عربية، أبرزها السعودية والكويت والعراق. هذه المعلومات ساهمت في كشف مواقع إنتاج ومستودعات، كما حصل في عملية اليمونة في البقاع، حيث جرى تدمير واحد من أكبر معامل الكبتاغون بعد معلومات عراقية، فتبادل المعلومات لم يعد تفصيلاً جانبيا، بل تحوّل إلى ركيزة في العمليات الأخيرة.
وأضافت المصادر أن الحجار يصف مكافحة المخدرات بأنها "أولوية وطنية"، ويعلن نتائج العمليات بنفسه في مؤتمرات صحافية متتالية، في حضور رسمي لافت. الدعم السياسي العلني، المقرون بإشادة رئاسية، منح القوى الأمنية قدرة أوسع للتحرّك من دون حسابات سياسية أو طائفية، وهو ما لم يكن متاحا في مراحل سابقة، بالإضافة إلى سقوط النظام السوري، وبالتالي سقوط مظلة أمنية كبيرة كان يؤمنها النظام والفرقة الرابعة المنتشرة على الحدود للمهربين الذين كانوا يتوارون إلى سوريا عند استشعارهم أي خطر، بما يجعل من المستحيل القبض عليهم أو تفكيك شبكاتهم، وهذا ما لا يضمنه النظام الحالي.
يردّ رئيس مكتب مكافحة المخدرات سابقا العميد عادل مشموشي هذا التطور إلى عوامل عدة ساهمت في فعالية مكافحة المخدرات وضبط معامل الكبتاغون في الآونة الأخيرة، منها سقوط النظام السوري ورفع الغطاء عن تجار المخدرات في سوريا، لافتًا إلى أن النظام السوري الجديد يحاول أن يكافح هذه الآفة، وهناك اتفاق بينه وبين المملكة العربية السعودية لتعزيز مكافحة المخدرات كما حصل مع لبنان، ففي السابق لم يكن هناك فاعلية جدية في هذا الملف.
ويضيف في حديث إلى "النهار": "أسهم الجهد الاستخباراتي والتعاون الدولي في هذه الأمور، وخصوصاً أن الآفة بدأت تؤثر على الدول العربية كلها، أضف إلى ذلك قرار الحكومة الصارم والمتابعة من قيادة قوى الأمن الداخلي، لما للملف من أهمية، وخصوصا على سمعة لبنان".
ويعتبر مشموشي أن "الإجراءات يجب أن تستمر، وفي استطاعة الدولة أن توقف جميع معامل الكبتاغون لأن بقعتنا الجرافية ضيقة ويمكننا إقفال الملف عبر تفعيل مراقبة الحدود وضبط جميع المواد التي تدخل تحت غطاء مواد تنظيف، والمتعلقة بصناعة الكبتاغون، كذلك يمكن الدولة أن تضبط زراعة المواد المخدرة، وأماكنها معروفة".
ولا ينكر أن "سقوط الحمايات السياسية عن بعض النافذين في صنع المخدرات والإتجار بها أدى إلى تسهيل عملية الضبط، فجميعنا نعلم أن هناك تجارا ومصنعين تحميهم قوى الأمر الواقع، وكان محرما على الدولة دخول مناطق معينة، أما اليوم فقد أصبح الأمر أسهل مع سقوط الحمايات وتغير الظروف السياسية".
الأسابيع الماضية شهدت عمليات دهم في مناطق حسّاسة على الحدود، واشتباكات مع مطلوبين سقط خلالها قتلى من شبكات التهريب. وسجلت عمليات واسعة لضبط شحنات بملايين الحبوب معدّة للتصدير عبر المرافئ الرسمية. هذه العمليات تكشف قرارا بالتصعيد الميداني في مواجهة شبكات لطالما عُرفت بارتباطاتها المسلحة والنافذة.
كل هذا يؤكد أن الأجهزة اللبنانية استفادت من دعم تقني خارجي، فطوّرت المراقبة على الحدود، وعزّزت الرقابة الجمركية عبر ماكينات سكانر حديثة في المرافئ. إلى ذلك، راكمت القوى الأمنية خبرة في تتبّع شبكات التهريب ومسارات التمويل، ما انعكس على سرعة عمليات الدهم ونجاعتها.
لا يمكن فصل التحوّل عن الضغط الخليجي المباشر، ولا سيما السعودي، بعدما بات الكبتاغون يُهرّب بكميات هائلة إلى أسواق الخليج. هذا الضغط ترافق مع تهديدات مبطنة بفرض قيود على الصادرات اللبنانية، الأمر الذي دفع الحكومة إلى التعامل بجدية أكبر. من هنا، يقرأ مراقبون الإعلان المتكرر عن "إنجازات" على أنه رسالة حسن نية إلى الشركاء العرب.
ومن العوامل غير المعلنة، ولكن المحسوسة، أنّ نفوذ بعض القوى التي كانت تؤمّن غطاءً لشبكات التهريب تراجع في الفترة الأخيرة، وانشغال هذه القوى بملفات إقليمية أو سياسية داخلية أتاح للدولة مساحة أكبر للتحرّك، ولو مرحليا.
التحوّل في الأداء الأمني اللبناني واضح، لكن السؤال الجوهري: هل هو مسار دائم أو استجابة ظرفية لضغوط آنية؟
النجاح في ضبط الشحنات وتفكيك معامل الإنتاج يشكّل خطوة أساسية، لكنه لن يكون كافيا ما لم يُترجم في استراتيجية وطنية شاملة: ضبط الحدود في شكل مستدام، وتعزيز التعاون القضائي، ومكافحة الفساد الذي يتسرّب إلى الأجهزة، وإطلاق برامج وقاية وعلاج للمدمنين.
اسكندر خشاشو - النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|