الصحافة

غير بيدرسون: رحيله قد يؤشر على رحيل القرار 2254

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يكن إعلان المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية غير بيدرسون، يوم الخميس الفائت، عن «نيته التنحي» من منصبه آنف الذكر، مفاجئا، إذ لطالما كانت «المهمة» التي كلف بها، يوم 31 تشرين أول 2018، تقوم أولا على «بذل جهوده للتوصل إلى حل سلمي للصراع في سوريا، وقيادة الجهود لتنفيذ القرار 2254 ( الصادر عن مجلس الأمن عام 2015)»، وفقا لما جاء على لسان الأمين العام أنطونيو غوتيرش في قرار التكليف آنف الذكر، ومن دون شك، كان «الصبر» الذي أبداه بيدرسون حيال مهمته الصعبة متميزا، وقد فاق نظيره عند أسلافه الثلاثة الذين سبقوه في تلك المهمة، كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا، الأول أطاح به «شغفه» بالمعايير الدولية المثلى التي كان ضنينا بممارستها زمن تربعه على منصب الأمين العام للأمم المتحدة 1997 - 2006، والثاني عصف به الوقوف على تخوم اتفاق «الطائف اللبناني»، الذي سبق له وأن لعب دورا محوريا في إنجازه العام 1989، ومحاولة إسقاطه على واقع سوري كان أكثر تعقيدا، أما الثالث، القادم من بلاد «الدولتشي فيتا»، فقد أسقطته محاولة نقل موروث هذي البلاد الأخيرة إلى بلد لا يشبهها في شيئ، في حين أبدى الرابع، غير بيدرسون، قدرة لا بأس بها على إيجاد مقاربات جديدة، وهي تنم، وبشكل قاطع، عن فهم دقيق لجذور الصراع الداخلي السوري أولا، ثم للصراع الدائر في المنطقة منذ نحو ثمانية عقود، بل وفهم العلاقة الجدلية بين الإثنين، والتي تشي باستحالة الفصل بينهما، ولربما كان ذلك واضحا من خلال ما قاله في كلمة «التنحي»، التي ألقاها أمام مجلس الأمن يوم الخميس الفائت، حين قال إن الحكومة والشعب السوريان «يحاولان تحقيق انتقال في مواجهة تحديات، وحقائق معقدة وصعبة، لم يسبق أن واجهناها في أي مكان تقريبا»، ولربما أراد بيدرسون، من خلال قوله ذاك، القول إنه كان في صفوف السوريين الذين كانوا يخوضون تلك المعمعة، وهو قول، إذا ما صح تقديره، لا يجافي الحقيقة.

تميز أداء بيدرسون عن أسلافه بالقدرة على «تجزئة» المعقد، أملا في أن تأتي النتائج بـ«تبسيطات» يمكن التعاطي معها بسلالة أكبر، ولربما ساعده في ذلك تجربته المديدة مع قضايا الشرق الأوسط المعقدة، ويكفي للدلالة على ذلك القول بأنه كان أحد أعضاء الوفد النرويجي الذي لعب دورا وسيطا في الوصول إلى «اتفاق أوسلو»، الموقع ما بين السلطة الفلسطينية وحكومة تل أبيب خريف العام 1993، ثم تمثيله لحكومة بلادة لدى السلطة الفلسطينية لمدة زادت عن الخمس سنوات ما بين 1998 - 2003، لكن الأزمة السورية كانت، كما يبدو، أعقد بكثير من أن يخمدها «أوسلو» سوري، أو شيئا يشبهه في ديناميكياته التي برع في إنضاجها.

مع وصول «هيئة تحرير الشام» إلى سدة السلطة في دمشق، يوم 8 كانون أول الفائت، بدا أن «مشروعية» المهمة قد أصابها شرخ كبير، فقبيل أن يتم الفعل أسبوعه الأول دعا أحمد الشرع، قائد عملية «ردع العدوان»، والرئيس الإنتقالي فيما بعد ، لـ«إعادة النظر في القرار الأممي 2254»، مضيفا إن «بنودا منه لم تعد تصلح»، ومن دون شك، كان ذلك التصريح أشبه بقرع جرس إنذار أولي بالنسبة لمهمة المبعوث بيدرسون، فيما زيارتاه الإثنتان، اللتان قام بهما إلى دمشق ما بعده، كانتا بمثابة فعل توكيد للـ«القرع» الذي التقطته الآذان في المرة الأولى، ولم يكن التأكيد على «اعتبار القرار 2254 طريقا لا يزال صالحا لتسوية الأزمة السورية»، الذي تضمنه البيان الصادر عن مجلس الأمن يوم 10 آب المنصرم، سوى «جائزة ترضية» لمبعوث استطاع مواصلة «التجذيف»، دون كلل، والسير بـ«سفينته» وسط كل هذي الأمواج، ولمدة قاربت السنوات الست، ومن دون شك، كانت قراءة بيدرسون لذلك البيان، الذي سبقته العديد من التقارير التي أشارت إلى إن «الأمم المتحدة تجري مراجعات استراتيجية بشأن دورها المقبل في سوريا»، وتلك التي أضافت إن «من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تغييرات لجهة الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة، لا سيما في مسائل إجراء الإنتخابات والعدالة الإنتقالية»، تقول بإن «أوان الرحيل قد أزف»، إذ لطالما كان من المتعارف عليه في المحافل الدولية، التي خبر سياساتها وآليات إنفاذها، أن ترتبط مهام المبعوثين بصيغ وضوابط من نوع محدد، حتى إذا ما اقتضت الضرورات تعديل هذي الأخيرة بات لزاما «تعديل» أولئك الذين ارتبطت أسماؤهم بتلك الصيغ.

قد يكون قرار بيدرسون القاضي بتقديم استقالته، وقبول الأمين العام السريع لها، مؤشرا على وجود قرار دولي يقول بترحيل القرار 2254 إلى الأرشيف، أقله بالصيغة التي عرف فيها حتى الآن، فيما تشير التسريبات الصادرة عن مكتب الأمين العام، إلى وجود أسماء عديدة مرشحة لخلافته، وأبرزها اثنان : السويدي هانس غودنبرغ، الذي شغل منصب المبعوث الأممي لليمن، والعماني محمد حسان، الذي شغل منصب المبعوث الأممي للعراق، لكن حظوظ الأخير تبدو ضعيفة لوجود «اتهامات» أميركية له بـ«قربه من إيران»، ثم إن «برود الأعصاب»، الذي لطالما اشتهر به السويديون، أكثر ملائمة في مواجهة كل هذي «السخونة» السورية.

عبد المنعم علي عيسى- الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا