النائب كرامي عرض مع وفد "ائتلاف عملي حقي قراري" دعم اتفاقية العمل الدولية 190
"الاستنزاف المركّب".. كيف تخطط إسرائيل والغرب لإنهاك الحوثيين من الداخل؟
مثّلت الضربات الإسرائيلية الأخيرة على صنعاء والجوف تطوراً نوعياً أعاد ترتيب الأولويات في فهم بنية ميليشيات الحوثي العسكرية.
واستهدفت الطائرات الإسرائيلية في العاشر من سبتمبر/أيلول بشكل مباشر مخازن وقود ومنشآت لوجستية مرتبطة بعمليات الإمداد الحوثية، بالتوازي مع ضرب مقرات إعلامية ومرافق عسكرية محصّنة في الجبال.
هذا الاستهداف كشف عن الضعف البنيوي في منظومة جماعة الحوثيين، انطلاقاً من أن عصبها العسكري والسياسي يقوم على شبكات الوقود والتهريب.
تراجعت لاحقاً وتيرة الهجمات الحوثية بالطائرات المسيّرة والصواريخ، في مؤشر لافت على الترابط المباشر بين توفر الوقود وقدرتهم على التصعيد.
تزامن ذلك مع إعلان واشنطن عن حزمة عقوبات جديدة طالت 32 شخصية وكياناً مرتبطين بعمليات التهريب وتمويل اقتصاد الحرب الحوثي، ما يعني أن الضربة الجوية والعقوبات المالية جاءت متكاملة في ضرب الشريان ذاته متمثلاً بالإمداد.
وقالت مصادر دبلوماسية غربية لـ"إرم نيوز" إن هذه التطورات تضعنا أمام مشهد جديد يختلف عن سرديات جماعة الحوثيين، التي اعتادت الاستثمار في الحرب الإعلامية وجعل إسرائيل منصة لتبرير بقائها، تجد نفسها اليوم في موقع الدفاع عن شبكة لوجستية باتت مرصودة ومهددة، ومرتبطة بقدراتها في البحر الأحمر كما في الداخل اليمني.
مرحلة انتقالية في مواجهة الحوثيين
وأفادت المصادر: "نحن أمام مرحلة انتقالية في كيفية تعامل القوى الغربية والإقليمية مع الجماعة".
وأردفت: "هذه المرحلة لن تقف عند حدود القصف العسكري أو العقوبات المالية، بل ستسعى إلى إعادة بناء مقاربة متعددة المستويات، توظّف الضغط الأمني والاقتصادي والسياسي في آن واحد، بهدف ضرب العمود الفقري لآلة الحوثيين، أي شبكة الإمداد والتهريب التي تمدّهم بمقومات البقاء".
وتابعت أنه من الناحية العسكرية، فمن المرجّح أن نشهد تصعيداً أكبر في عمليات الرصد والاستخبارات، لا يتوقف فقط عند حدود الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة، وإنما سيشمل تفعيل التعاون الاستخباراتي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية.
وأضافت أن الضربات الأخيرة أظهرت أن استهداف منشآت الوقود يترك أثراً فورياً على وتيرة العمليات الحوثية، وهو ما سيدفع إلى تكثيف جهود التعقب المسبق لتحديد هذه المنشآت قبل أن تتحول إلى مراكز حيوية أكثر.
وبينت أن "هذا النوع من الاستهداف قد يصبح استراتيجية متواصلة تهدف إلى إبقاء الحوثيين في حالة استنزاف دائم، بحيث لا يملكون القدرة على استعادة المبادرة أو توسيع رقعة التصعيد".
أما على الصعيد المالي والاقتصادي، فإن العقوبات الأمريكية الأخيرة على كيانات وشخصيات مرتبطة بتهريب النفط والمشتقات النفطية قد تكون مقدمة لمرحلة أشد قسوة، حيث يجري التفكير في ملاحقة الدوائر الأوسع المرتبطة بالتجارة غير المشروعة التي يعتمد عليها الحوثيون.
المسألة بحسب مصادر "إرم نيوز" لن تبقى في حدود مصادرة شحنات أو تجميد أصول، بل يمكن أن تتوسع لتشمل الضغط على المصارف التي تمر عبرها أموال عمليات التهريب، إضافة إلى استهداف الشركات الوسيطة التي تتخفى تحت غطاء تجاري شرعي.
وأردفت أن "مثل هذه الإجراءات إذا ما جرى تنفيذها بشكل متكامل ستجعل الحوثيين في مأزق تمويلي خانق، إذ ستُجفَّف الموارد التي يستخدمونها لتغطية النفقات العسكرية، وفي الوقت ذاته ستضعف قدرتهم على شراء الولاءات داخل مناطق سيطرتهم".
وأشارت المصادر إلى وجود مؤشرات على أن إسرائيل والولايات المتحدة تتجهان نحو تعزيز التنسيق العملياتي في البحر الأحمر والمياه المحيطة باليمن، على اعتبار أن التهديد الحوثي للملاحة لم يعد مجرد قضية إقليمية بل تحوّل إلى مسألة تمسّ الأمن التجاري العالمي.
واستطردت: "قد نكون على أعتاب توسع في الدوريات البحرية المشتركة، وربما تشكيل قوة مراقبة جديدة تتولى منع عمليات التهريب وضمان حرية الملاحة. هذا الانخراط البحري سيكون بمثابة حماية للطرق التجارية من جهة، ووسيلة للتضييق على حركة الحوثيين من جهة ثانية، خصوصاً أن الجماعة باتت تستخدم البحر منفذاً رئيساً للحصول على الوقود والمعدات العسكرية".
ومن الناحية السياسية، اعتبرت المصادر أن هناك توجهًا متناميًا لدى الولايات المتحدة والغرب للعودة إلى تفعيل الشرعية اليمنية كأداة مواجهة غير عسكرية.
ورأت أن "المعادلة تقوم على أن الحوثيين يكتسبون قوتهم من غياب بديل مقنع على الأرض، وبالتالي فإن تقوية المؤسسات الرسمية ودعم الحكومة اليمنية في الملفات الخدمية والاقتصادية قد يُعيد التوازن".
وقالت إن "هذا المسار وإن كان بطيئاً، إلا أنه يشكل على المدى الطويل أحد أكثر الأدوات فعالية في تقليص نفوذ الحوثيين داخل المجتمع اليمني".
عُقَد هشّة لدى الحوثيين
المحلل السياسي اليمني، سالم الحيمي، قال خلال حديث لـ"إرم نيوز" إن صنعاء والجوف تحوّلتا في السنوات الأخيرة إلى مخازن رئيسة لتجميع الوقود، لتغذية العمليات العسكرية المتواصلة للحوثيين.
وأضاف الحيمي أن "الضربات التي وقعت هذا الشهر أصابت خزانات وقود ومواقع تخزين رئيسة، ما أدى إلى تدمير كميات كبيرة من المحروقات. هذه الضربة كشفت أن الجماعة تراهن على تركيز مراكزها اللوجستية في نطاق جغرافي محدود، مما يجعلها عرضة للاستهداف المتكرر، ويزيد هشاشتها أمام أي حملة ممنهجة".
واعتبر أن تركيز الحوثيين مخازن الوقود في نطاق جغرافي محدود يكشف عن ضيق خياراتهم في إدارة موارد الطاقة بسبب القيود المفروضة عليهم دولياً، واعتمادهم المتزايد على شبكات التهريب التي لا توفر لهم مرونة واسعة في تحديد مواقع التخزين.
وتابع أن "هذا التركّز الجغرافي يجعل من كل ضربة عسكرية حدثاً مضاعف التأثير، إذ لا يقتصر أثرها على تعطيل العمليات الميدانية المباشرة، بل يمتد ليصيب القدرة على إدارة الاقتصاد الموازي الذي بنته الجماعة حول تجارة المشتقات النفطية".
واستطرد: "من المعروف أن الحوثيين يستخدمون جزءاً كبيراً من هذه المخزونات لتشغيل السوق السوداء التي تمثل مصدراً أساسياً لإيراداتهم، وبالتالي فإن ضربها يوجه ضربة عسكرية واقتصادية في الوقت ذاته".
وإلى جانب ذلك، رأى أن تدمير هذه المخازن يخلق حالة من الارتباك داخل البنية التنظيمية للحوثيين.
وأضاف أنه "كلما قلّت الكميات المتاحة، أصبحوا أمام معادلة خاسرة، إما تخصيص الوقود للجبهات بما يزيد من غضب المجتمعات المحلية التي تعاني أصلاً من أزمات معيشية، أو توجيه جزء أكبر للمدنيين على حساب العمليات العسكرية، وهو خيار يقوّض صورتهم كقوة قادرة على الاستمرار في المواجهة".
الأكثر دلالة أن الضربات الأخيرة تكشف محدودية قدرة الحوثيين على بناء منظومة بديلة أكثر مرونة، إذ إن محاولاتهم لتوزيع المخازن على نطاق أوسع ستصطدم بعاملين رئيسين؛ الأول هو الضغوط الاستخباراتية المتزايدة التي ترصد أي تحرّك جديد لإنشاء مستودعات بديلة".
أما العامل الثاني فهو ضعف شبكة النقل الداخلي التي تتأثر سريعاً بأي نقص في الوقود أو استهداف لطرق الإمداد البرية. هذا يجعل الجماعة في موقع دفاعي مستمر، حيث تُضطر إلى اللعب في مساحة مكشوفة أمام خصوم يمتلكون تفوقاً جوياً وتقنياً".
وما يزيد الأمر خطورة بالنسبة لهم بحسب الحيمي أن هذه الضربات تضعف ما يسميه الحوثيون "اقتصاد الحرب" القائم على إعادة تدوير الموارد المحلية لتأمين استدامة الصراع.
وأضاف: "إذا جرى استهداف هذا الاقتصاد عبر ضرب مخازن الوقود وإحكام الرقابة البحرية على شحنات النفط، فإن الجماعة ستجد نفسها محاصرة بخيارات محدودة، الأمر الذي يفتح الباب أمام سيناريو استنزاف طويل الأمد يقلّص تدريجياً قدرتها على التموضع كقوة إقليمية ويدفعها إلى الانكفاء نحو إدارة الأزمات الداخلية".
الاستنزاف المُركّب
من جهته اعتبر الباحث السياسي، فؤاد السويدي، أن استهداف مخازن الوقود يحمل رسالة أعمق مرتبطة بإعادة صياغة قواعد الاشتباك الإقليمي.
وقال السويدي لـ"إرم نيوز" إن الغرب وإسرائيل، وفق هذا المنظور، لم يعودا يكتفيان بردع الهجمات الحوثية عبر البحر الأحمر أو ضرب منصات الإطلاق، بقدر ما يسعون إلى تفكيك البنية الداخلية للجماعة بما يضعف قدرتها على فرض نفسها كفاعل إقليمي.
وأضاف أن "هذه الاستراتيجية، إذا ما استمرت، قد تجعل الحوثيين يتحولون من لاعب يمتلك زمام المبادرة إلى طرف مُنهك يستهلك معظم طاقته في حماية خطوط الإمداد وتأمين الموارد".
وأشار إلى أن هذه الضربات تُربك معادلة الحوثيين السياسية التي كانت تقوم على التوازن بين الداخل والخارج. فمن جهة، هم يستخدمون خطاب "المقاومة" ضد إسرائيل لكسب شرعية إقليمية، ومن جهة ثانية يعتمدون على التحكم بالوقود لتثبيت سلطتهم داخلياً.
وأوضح أنه "حين تُضرب هذه الحلقة الحساسة، فإن الجماعة تواجه خطراً مضاعفاً متمثلا بخسارة القدرة على المناورة الخارجية، وتراجع قدرتها على شراء الولاءات داخلياً. وهذا التآكل المتوازي يعيد صياغة صورتهم أمام حلفائهم وأمام خصومهم على السواء".
ووفق السويدي فإن استمرار الضغط في هذا الاتجاه قد يقود إلى ما يسميه "استراتيجية الاستنزاف المركّب"، أي الجمع بين الضربات الجوية والعقوبات الاقتصادية وتضييق الخناق البحري، وهو ما سيخلق بيئة استحالة بالنسبة للحوثيين على المدى المتوسط.
وأشار إلى أنه في هذه الحالة، لن يكون النقاش حول قدرة الجماعة على شنّ هجمات بعيدة المدى، وإنما حول مدى قدرتها على الصمود كسلطة أمر واقع في الداخل، في ظل انقطاع مواردها وتآكل أدوات سيطرتها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|