رسامني يكشف: طلبت 800 مليون دولار لإنقاذ الطرقات...
في بلدٍ باتت طرقاته مرآةً لعجز الدولة وإهمالها، تتحوّل كل رحلة سير إلى اختبار بقاء. فالمواطن الذي يخرج من منزله صباحاً لا يدري إن كان سيعود مساءً، إذ قد يخطفه حادث سير على منعطف قاتل أو يغرق في حفرةٍ لم تقع عليها عين مهندس منذ سنوات. الأرقام التي نشرتها "اليازا" مؤخرا ليست سوى جرس إنذار جديد، يضاف إلى أرشيف طويل من المآسي التي لا تجد طريقها إلى المعالجة الجذرية.
واستخلاصاً لما سبق، صارت الطرقات المهترئة فِخاخاً دائمة، فيما تتضاعف البؤر السوداء بلا رقيب. أما "المطبات" الترابية والسواتر الباطونية والحديدية التي يُفترض أن تحمي المارة، فقد تحولت إلى عوائق عشوائية أشبه بكمائن مبعثرة بلا خريطة. ومع اقتراب فصل الشتاء، تتزايد المخاوف: السيول التي تحاصر المدن، والمجاري التي تتحول إلى أنهار، والأنفاق التي تُغلق في وجه السيارات كأنها لم تُشيد أصلاً لعبور الناس، بل لتذكيرهم بفشلٍ متجذّر في التخطيط والصيانة.
في جميع الأحوال تفرض الأسئلة نفسها بقوة: من المسؤول عن هذا الواقع؟ هل تتحمل وزارة الأشغال الوزر كاملاً، أم أن البلديات والأجهزة الأمنية والجمعيات جزء من المعادلة؟ أين هي الخطط المسبقة والبرامج الوقائية، قبل أن تتحول أولى زخات المطر إلى كارثة حقيقية؟ والأهم، بأي منطق يُطالَب المواطن برسوم وضرائب، فيما الطريق الذي يسلكها يومياً تهدد حياته وحياة أحبائه؟
على ارض الواقع، يبدو أنها معركة سلامة عامة، وليست مجرد نقاش إداري. مواجهة تبدأ من الأسفلت المهترئ، ولا تنتهي عند دموع عائلات فقدت أبناءها على طرقات كان يفترض أن تكون جسوراً للحياة، لا مسالك نحو الموت. فهل تملك الدولة الشجاعة لتحويل الأقوال إلى أفعال، والوعود إلى خطط ملموسة، أم أننا على موعدٍ جديد مع موسم آخر من التبريرات بعد أول عاصفة؟
البيانات ناقوس خطر!
على المستوى الرسمي، يوضح وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني لـ "الديار" ان: "الأرقام ليست مجرّد إحصاءات، بل جرس إنذار يذكّرنا بأن حياة الناس على المحك. لذلك، نحن أمام أزمة حقيقية لها أسباب واضحة: السرعة المفرطة، استخدام الهاتف أثناء القيادة، غياب الإشارات، إضافةً إلى تراكم معالجات عشوائية عبر سنوات جعلت الطرق أكثر خطورة".
مهام اساسية ملحّة
ويشير: "لذلك وضعت الوزارة أولويات عاجلة تبدأ بإنارة الأنفاق، وترميم جسور المشاة، اذ يحتاج لبنان الى أكثر من 120 جسراً جديداً، واصلاح الحفر والمطبات الخطرة. لكن تتطلب المعالجة الجذرية إرادة سياسية وموارد مالية ضخمة، وقد طلبت من مجلس الوزراء اعتماداً يقارب 800 مليون دولار لإعادة تأهيل الطرق الرئيسية".
تقاسم الادوار "موجود"!
ويؤكد ان: "مسؤوليتي واضحة في ما يخصّ الطرق الدولية والرئيسية، وهي محور عمل الوزارة اليومي، فيما تتوزّع الأدوار الأخرى على البلديات والجهات المعنية. نحن نضع خطة لمعالجة ما هو ضمن نطاقنا، لكن شبكة الطرق في لبنان واسعة ومتداخلة، ولا يمكن لوزارة واحدة أن تغطيها بمفردها. لذا حين تعجز البلديات عن القيام بواجبها، نتدخّل بالحد الأدنى حفاظاً على السلامة العامة، لكن المعالجة الجذرية تحتاج إلى تكامل بين الوزارات والبلديات والأجهزة الأمنية. بهذه المقاربة فقط ننتقل من حلول ظرفية إلى سياسات مستدامة تعيد الثقة الى المواطن".
خارطة طريق شتوية!
ويكشف لـ "الديار" ان: "مع بداية أيلول نطلق حملة وطنية شاملة لتنظيف مجاري مياه الأمطار في مختلف المناطق الواقعة ضمن صلاحيات الوزارة، مع التركيز على النقاط التي شهدت فيضانات في مواسم سابقة. وبالتوازي، سنطلق حملة توعية للحد من رمي النفايات في الشوارع والمجاري، لأن الوقاية تبدأ من وعي المواطن. الهدف أن نُكمل الجهد الميداني بخطوة توعوية، فنضمن استمرارية الحل ونحدّ من الأزمات المتكرّرة في كل شتاء".
رؤية شاملة وتصور متكامل: قابلان للتنفيذ؟!
ويشدد على ان: "قناعتنا أنه لا نجاح لأي خطة إذا بقيت محصورة في وزارة واحدة. من هنا نحن نعمل على تحسين البنية التحتية، لكن التطبيق على الأرض يحتاج إلى تعاون الجميع. كما ان قوى الأمن الداخلي معنية بتطبيق القانون وضبط مخالفات السير، كذلك البلديات مطالبة بتنظيم بيئتها المحلية، أما الجمعيات المتخصصة فبدورها تساهم في التوعية ونشر ثقافة السلامة المرورية. عبر هذا التكامل نستطيع الانتقال من ردود الفعل إلى السياسات الوقائية المستدامة، فنحدّ من الحوادث ونحمي حياة الناس".
ما هي وجهة الجباية المالية؟
واثناء سؤال "الديار" معاليه عن ان المواطنين يسألون بوضوح: إذا كانت الطرقات غير صالحة وتشكل خطراً مباشراً على حياتهم، لماذا يدفعون الرسوم والضرائب للوزارة، وأين تذهب هذه الأموال؟
يجيب الوزير رسامني موضحا ان: "الرسوم التي يدفعها المواطنون لا تذهب مباشرة إلى وزارة الأشغال، بل تدخل في الخزينة العامة، ثم يخصَّص جزء منها للوزارة ضمن الموازنة. والواقع أنّ ما يصلنا لا يغطي سوى جزء يسير من الحاجات الفعلية، وخصوصاً أنّ الطرق لم تخضع لصيانة جدّية منذ أكثر من عشر سنوات. وبالاستناد الى ما تقدم، فان هذا التراكم جعل ميزانية عام واحد غير كافية لمعالجة ما أهمل لعقد كامل، وبالتالي نحن بحاجة إلى خطط متعددة السنوات تواكب حجم الضرر. لذلك نعمل على الاستفادة القصوى من الموارد المحدودة، ونكثّف جهودنا للحصول على دعم إضافي".
في الخلاصة قد تكون طرقات لبنان اليوم شاهداً صارخاً على عقودٍ من الإهمال وتتابع المشكلات، لكنّها في الوقت نفسه تمثّل فرصة حقيقية أمام الحكومة الجديدة لتأكيد إرادتها بالتغيير. فالإصلاح لم يعد ترفاً أو شعاراً انتخابياً، بل واجب وطني يرتبط مباشرةً بحق المواطن في الحياة الكريمة والآمنة. وإذا كانت الحكومات السابقة قد أهدرت الوقت والمال في دوامة الوعود، فإنّ العهد الحالي مطالب بتحويل اللحظة إلى محطة مفصلية: من إدارة ردود الأفعال إلى صناعة سياسات متينة، ومن ترقيع الإسفلت إلى بناء ثقة. فالتفاؤل مشروع، إذا اقترن بالفعل، والرهان اليوم على أن تخرج الدولة من عباءة التبريرات إلى رحاب الإنجاز، فتكتب صفحة جديدة تُعيد للمواطن الأمل بأنّ طريق الغد ستكون أكثر أماناً وأقلّ وعورة.
ندى عبد الرزاق - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|