الذهب يسجل أعلى مستوى في أربعة أشهر مع توقع خفض الفائدة الأميركية
الثورة الخضراء: هل يستطيع لبنان إطعام نفسه
أظهرت الأزمة التي عصفت بلبنان منذ العام 2019 مدى هشاشة الأمن الغذائي في لبنان. فمع أكثر من خمس وثمانين في المئة من الاستهلاك المستورد، يظهر الأمن الغذائي كرهينة لعدّة عوامل لعل أهمّها توافر العمّلة الصعبة والوضع الأمني والعسكري وغياب الاحتكار، وتوافر السياسات الحكومية الرشيدة...
يعاني أكثر من ثلث سكان لبنان من انعدام الأمن الغذائي، وبالتالي أصبح هذا الموضوع مُتعلّقا باستمرارية الكيان اللبناني وديمومته! فهل يمكن للبنان أن يحقق الاكتفاء الذاتي على الصعيد الغذائي؟
على مرّ العقود، كان القطاع الزراعي في لبنان يعيش حالة من الركود التنموي، وذلك نتيجة سياسات اقتصادية «مُتعمدة» قامت على تفضيل الاستيراد وعلى جعل الاقتصاد موجها نحو الخدمات. هذه السياسات جعلت من لبنان نموذجًا لبلد هشّ مع اعتماده على الاستيراد بنسبة وصلت إلى مئة في المئة من حجم الاقتصاد، وبالتالي أصبح لبنان عرضّة للصدمات الجيوسياسية، والصراعات الإقليمية، والأسعار الدولية، والأزمات الاقتصادية، وقيمة الليرة... أكثر من ذلك، على أثر تفجير مرفأ بيروت – الذي كان يمرّ عبره أكثر من سبعين في المئة من استيراد لبنان- تجلّت بوضوح هشاشة الأمن الغذائي اللبناني وأظهر إلى العلن أن الغذاء أصبح ترفًا للكثيرين في وقت تنصّ شرعة حقوق الإنسان للأمم المُتحدة على أن الغذاء هو من الحقوق الأساسية للإنسان.
إقتصاديًا، يشكّل القطاع الزراعي ما يُقارب الخمسة في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي مع غياب كامل لبنية تحتية حديثة ونقص حاد في المياه ونظام حيازة الأراضي المجزأ! وإذا كان الرومان والفرنسيون قد أرادوا خلال سيطرتهم على لبنان جعله مخزون أوروبا الغذائي، إلا أن السياسات الزراعية والاقتصادية عامّة ونقص الرؤيا المستقبلية، جعلت سهول البقاع وعكار تُعاني من قلة الزراعة بسبب نقص المياه وارتفاع أسعار البذور والأسمدة، وهو ما قضى على صغار المزارعين الذين كانوا يعتمدون على الزراعة لمواجهة الجوع والفقر.
خلال الأزمة الأخيرة، ومع النقص الحاد في العملة الصعبة، ونتيجة الوضع الجيوسياسي في المنطقة (الصراع مع إسرائيل) والعالم (حرب أوكرانيا وروسيا)، عمد بعض رواد الأعمال إلى التركيز على الإنتاج المحلّي كبديل عن الاستيراد. هذه المبادرات الفردية ينقصها الكثير من الدعم الحكومي لتُعطي نتائج فعّالة على الصعيد الوطني وتخفيض التعلّق بالاستيراد إلى مستويات مقبولة تُخفّف من هشاشة الواقع اللبناني.
إعترفت الحكومة اللبنانية بأهمّية الأمن الغذائي كهدف في سياستها الاقتصادية، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال التعاون مع المؤسسات الدولية بهدف وضع سياسات عملية ومبادرات هادفة مثل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. وإذا كانت منظّمة الفاو وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة العمل الدولية قد ساعدت بعض المزارعين عبر تدريبهم وإنشاء بيوت بلاستيكية لتحسين الإنتاج وبالتالي تعزيز القدرة على الصمود وسبل العيش المحلية، إلا أن الأمر لم يرتق حتى الساعة إلى المستوى المرجو، أي وضع لبنان على سكّة الانطلاق في رحلة الأمن الغذائي.
الكثير من المزارعين ونتيجة للوضع الاقتصادي، عمدوا إلى زراعة الممنوعات خلال السنين الماضية، إلا أنه في المقابل هناك الكثيرون من الذين تبنوّا استراتيجيات ذكية مبنية على اعتماد زراعات أقل اعتمادًا على المياه مع تطبيق أنظمة ري بالتنقيط واستخدام الطاقة الشمسية.
من الظاهر من خلال السياسات والإجراءات الحالية، أن الأكتفاء الغذائي الذاتي هو رؤية طموحة لوطن يواجه تحدّيات كثيرة، منها ندرة الأراضي الزراعية (سياسة بناء عشوائية) والموارد المالية وغياب السياسات الاقتصادية الداعمة. لذا من المنطقي القول إن الهدف الواقعي القابل للتنفيذ ينصّ على تحديد أول عشرين منتوجا زراعيا الأكثر استيرادًا أو ما يُعرف بـ «السلة الغذائية الاستراتيجية»، ووضع سياسة اقتصادية داعمة لإنتاج محلّي لهذه المنتوجات التي يمكن إنتاجها محليًا، على أن تتمّ زيادة عدد المنتوجات في هذه السلّة إلى حين تخفيض استيراد المواد الغذائية إلى نسبة أقلّ من مستوى يُشكّل أمن غذائي للبنان. أيضًا من الضروري فرض استثمار زراعي على نسبة مُعيّنة من البلديات بشكّلٍ يسمحّ باستغلال الأراضي الزراعية كافة.
بالطبع هذا الأمر سيكون له تداعيات إيجابية اقتصاديًا وماليًا، وحتى على صعيد محاربة الفقر من باب تأمين فرص العمل، تقليل الحاجة الى العملة الصعبة وزيادة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلّي الإجمالي. أيضًا سيكون هناك فوائد على صعيد إدارة الثروة المائية، مثل البحيرات الاصطناعية ومحو التلوث المائي (نهر الليطاني مثالًا)، بالإضافة إلى تملّك المعدات الحديثة.
أخطاء كثيرة تمّ ارتكابها حيال الأمن الغذائي لحساب المصالح الخاصة، عقود من السياسات التي فضّلت الاستيراد على الأمن الغذائي للمواطن. وبالتالي فإن محو تداعيات هذه الأخطاء يحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى الأمن الغذائي. فهل ينجّح الأمر؟
قال الرئيس النيجيري السابق، أولوسيغون أوباسانجو، أنه «لا توجد دول فقيرة، بل سياسات سيئة». هذه العبارة تُجسّد أهمّية الحكم الرشيد والسياسات الفعالة والإدارة الاقتصادية السليمة كأساس لأي ازدهار اقتصادي ورخاء في المجتمع. أي بمعنى أخر، الفقر في البلدان عادة ما يكون نتاج ضعف القيادة وعدم الاستقرار السياسي، وليس نتيجة قيود متأصلة.
إن نجاح الثورة الخضراء في لبنان مرهون أولًا بإرادة سياسية واضحة من قبل السلطة السياسية، ولكن أيضًا بالتعاون مع شركاء دوليين لتزويد القطاع الزراعي بالمعرفة اللازمة والتقنيات الحديثة، وحتى رأس المال الضروري لإعادة هيكلة قطاع عانى على مرّ العقود، وهو ما يعني استثمار بالبشر والأرض.
جاسم عجاقة - "الديار"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|