إقتصاد

لبنان ومأزق الكهرباء: ندفع فواتير محروقات مجانية ويبقى الهدر

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تحوّلت مسألة تأمين حاجة لبنان إلى الكهرباء معضلةً مستمرة منذ نحو 5 سنوات. وعجزت مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، عن توفير المحروقات المطلوبة لضمان ساعات تغذية تخفّف عن المواطنين والدولة عبء فواتير مولّدات الكهرباء. وعوضاً عن وضع استراتيجية فعّالة، ارتفعت فاتورة الكهرباء تحت شعار زيادة منسوب الجباية وتأمين سيولة كافية لزيادة ساعات التغذية. إلاّ أنّ النتيجة لم تتحقَّق، وبقيت الكهرباء أسيرة المحروقات العراقية بما هي مصدر رئيس لتشغيل معامل الإنتاج.

كُسِرَت حصرية المحروقات العراقية، جزئياً بهبات آخرها شحنة من الغاز أويل قدّمتها الكويت لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان. نصف الكمية مقدّمة كهبة، ويتعيّن على لبنان دفع قيمة النصف الآخر. وقبلها في العام الماضي، حصلت المؤسسة على هبة جزائرية. فلماذا يدفع البنانيون والدولة ثمن خدمة بمحروقات مجانية؟

غاز أويل مجاني

قبل نحو أسبوع، رست في المياه اللبنانية ناقلة نفط كويتية تحمل 132 ألف طن متري من الغاز أويل، وهبت الكويت منها 66 ألف طن إلى الدولة اللبنانية، وهو ما شكّل بالنسبة إلى وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان تأمين الشحنة بنصف سعرها. واعتبر وزير الطاقة جو الصدّي، أنّ سعر الشحنة "أقل بكثير من أي سعر آخر قد يُعرَض". على أنّ سعر الشحنة المدفوعة "سيسدّد من جباية مؤسسة كهرباء لبنان". وأوضح مكتب الوزير، في حديث إلى "المدن"، أنّ سعر الشحنة "لا يمكن تحديده فوراً؛ بل سيُحتسب استناداً إلى متوسّط الأسعار المسجّلة قبل 5 أيام من تاريخ التفريغ وبعد 5 أيام منه".

بالتوازي، وفي حديث إلى "المدن"، قال المكتب الإعلامي لمؤسسة كهرباء لبنان إنّ "الكلفة التقديرية للشحنة تبلغ نحو 47 مليون دولار". وأضاف أنّ "مجلس إدارة المؤسسة وافق على الصفقة، والسيولة اللازمة متوافرة بالدولار النقدي من أموال الجباية، في حسابات المؤسسة لدى مصرف لبنان". وتوفّر الاعتماد المالي للجزء المدفوع من الشحنة، يعني أنّه لا أعباء إضافية ستترتّب على الناس والمال العام. لكن وجود جزء مجاني، يستدعي التساؤل عن كيفية استفادة الناس والدولة من مجانيته.

هذا الجانب من الموضوع غير ملحوظ، وأفضل ما يمكن فعله في هذه الشحنة، هو زيادة ساعات التغذية، إن حصل ذلك على النحو المطلوب، ولم توزَّع الساعات على مناطق معيّنة وفق المحسوبيات. لكن هذا يعني أنّ كلفة الساعات الإضافية تُحتَسَب على المواطنين ومؤسسات الدولة، وفق التعرفة المعمول بها. وبالتالي تبيع المؤسسة الجزء المجاني أسوة بالجزء المدفوع، والفواتير المحصّلة من المواطنين والمؤسسات والإدارات العامة، ستتضمّن مجموع استهلاكها بغضّ النظر عن تشغيل المعامل بالمحروقات المجانية.

حسم الفواتير

في مبدأ الهبات، أنّها توَزَّع مجاناً على مستحقيها. وفي حالة الغاز أويل، الذي لا يمكن توزيعه على الناس إلاّ عبر خدمة عامة وهي إنتاج الكهرباء، على المواطن والمؤسسات العامة الحصول على حقّهم المجاني من الهبة الكويتية. أما إذا باعت مؤسسة الكهرباء إنتاجها بقصد تحصيل أموال إضافية لشراء المحروقات وتعزيز وضع قطاع الكهرباء، فيمكن القبول بذلك ما دامت المصلحة العامة هي المقصودة، لكن هذا لا يحصل. فهبات كثيرة من المحروقات قُدِّمَت من دون أن يلحظ الناس نتائجها، وليس آخرها الهبة الجزائرية التي وصلت إلى لبنان في نهاية آب 2024، على متن الباخرة "عين أكر" التي حملت 30 ألف طن متري من الفيول أويل.

وفي ترجمة عملية للاستفادة المجانية من الهبة، رأى المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، ومحلل سياسات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المعهد اللبناني لدراسات السوق، غسان بيضون، أنّه "ما دامت الكويت تريد مساعدة الدولة اللبنانية، فعلى الدولة أن تستفيد من الهبة على نحوٍ مباشر عن طريق حصول الإدارات العامة على حسومات في فواتير الكهرباء التي تدفعها لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان. ولا يمكن للمؤسسة استعمال الهبة الآتية لمصلحة الدولة، وتأخذ التعرفة نفسها من الدولة والمواطن. فهذا أمر غير عادل". ولذلك، أشار بيضون في حديث مع "المدن"، إلى أنّ "على مجلس الوزراء إصدار مرسوم في ذلك".

لا يبدو أنّ أحداً في الدولة مهتماً بهذه الجزئية. والمشكلة الأكبر، أنّ الاهتمام بضمان استمرارية توريد المحروقات، غائب أيضاً على نحوٍ فعلي، ما خلا التصاريح الإعلامية. وفي هذا السياق، فإنّ الهبة الكويتية الأخيرة يمكن الركون إليها  بوصفها مقدّمةً لتعزيز التواصل بين لبنان والكويت، ودول عربية شقيقة أخرى. وفي ما خصّ الكويت، فإنّ العلاقة بينها وبين لبنان على هذا المستوى ليست جديدة. فهناك اتفاقات سابقة يمكن العودة إليها وتفعيلها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وقّعت وزارة الطاقة اللبنانية وشركة البترول الكويتية، في 29 آب 2005، اتفاقاً لتوريد 600 ألف قدم متري من الغاز أويل، على أنّ مدة الاتفاق هي 3 سنوات.

واعتبر بيضون أنّ "اتفاقات كهذه تؤدي إلى ضمان خط توريد مستقر وآمن للبنان، بعيداً من الغشّ الذي يحصل عبر مسارات تبديل الشحنات التي تشهدها بعض اتفاقات توريد الفيول". وأيضاً، إنّ مثل هذه الاتفاقات مع الكويت أو الجزائر وغيرها من الدول "أفضل بكثير من المبادرات الغريبة التي تُطرح في الآونة الأخيرة، ومنها توريد الغاز من مصر بعد نحو 4 سنوات، أو مدّ كابل كهربائي من قبرص عبر البحر، فهذه مبادرات غير جدية".

لبنان يمرّ بوضع صعب، لا سيّما على مستوى قطاع الكهرباء. ولم تسعفه زيادة التعرفة بحجّة إعادة التوازن المالي لمؤسسة كهرباء لبنان. فلا المواطن استفاد من رفع التعرفة، ولا الدولة. ولا يزال الفيول العراقي المصدر الأبرز لإنتاج الكهرباء، في حين أنّ "مؤسسة كهرباء لبنان هي التي تستفيد لتغطية الهدر".

خضر حسان - المدن
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا