Visa تمنح حاملي بطاقاتها أولوية حصرية لحجز تذاكر كأس العالم FIFA 26™
من يُبعد الدولة عن دورها المركزي؟ تحويل إعادة الإعمار إلى أداة ابتزاز
تحوّلت عملية إعادة الإعمار، أو إزالة آثار الحرب إلى وجه جديد للصراع. فالولايات المتحدة الأميركية، مع الدول التي تدور في فلكها في المنطقة والعالم، نزعت صفة «الحاجات الإنسانية» عن المساكن وأماكن العمل التي دمّرتها الحروب، وفرضت في ما يعرف بـ«اليوم التالي لانتهاء الحرب» حصاراً غير معلن على الدول والمجتمعات. أما هدفها منه، فهو عرقلة إعادة الإعمار، وإبطاء برامج استيعاب آثار الحروب من جهة من أجل الإخضاع.
خلص المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق إلى أنّ «الغرب يتعامل مع عمليات إعادة الإعمار على أنّها جزء من نظام العقوبات الأوسع»، واصفاً هذه العملية التي تديرها الولايات المتحدة الأميركية بـ«الريع الأمني» الذي يستعمل إعادة الإعمار كأداة ابتزاز لتحويل الدول التي لا تدور في فلك الولايات المتحدة إلى مناطق نفوذ تابعة لها، ودفعها إلى تقديم تنازلات سياسية، مثل قبول تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي.
ففي لبنان مثلاً، لفت تقرير المركز الاستشاري إلى وجود «توافق خليجي ــ غربي» على حجب أموال إعادة الإعمار، وذهب أبعد حين صنّف الأموال التي تصل من خارج هذا التوافق إلى لبنان تحت خانة تبييض الأموال. ولن تتغيّر هذه الحالة إلا بعد تقديم «تنازلات إستراتيجية»، بحسب وصف التقرير، تتعلّق بسلاح المقاومة، وموقف لبنان من الصراع مع العدو الإسرائيلي، وتكوين الحياة السياسية على أسس جديدة تقوم على تعميق الروابط الاقتصادية والمالية للبنان مع الغرب، وهي كذلك منذ إنشائه، على حساب الآخرين.
في هذا الإطار، يمكن التمييز بين ثلاثة نماذج من إعادة الإعمار: النموذج الموجه غرباً، النموذج التقليدي ذو الطابع المركزي، والنموذج التضامني الذي يجمع بين النموذجين الغربي والمركزي. وبحسب المركز، تدفع الولايات المتحدة نحو تبنّي النموذج الغربي في عملية إعادة إعمار غزة ولبنان. فالسيطرة على عمليات إعادة بناء الطرقات وتشييد الأبنية وفقاً لهذا النموذج تُدار بالكامل من قبل «جيوش المتعهدين والمقاولين»، وهؤلاء هم «الأذرع الطويلة لقوات الاحتلال والغزو، إذ يملك الجيش الأميركي جيوشاً موازية منهم».
وأحد أركان النموذج الغربي في إعادة الإعمار هو «إبعاد الدولة عن التخطيط المركزي للعملية، وتنفيذ المشروع وأهدافه بناءً على تصوّرات المخطّطين والممولين من ذوي المآرب الخاصة».
فعلى سبيل المثال، قيمة الخطة العربية لإعادة إعمار غزة 53 مليار دولار، والمرحلة الأولى منها قيمتها 20 مليار دولار، وهي مخصّصة للتعافي وإزالة الركام وبناء مساكن مؤقتة، فيما تربط المرحلتين الثانية والثالثة بشروط سياسيّة، من بينها ضمان عدم تكرار هجمات مماثلة لهجوم السابع من تشرين الأول 2023.
ويتدخل النموذج الغربي في إعادة الإعمار في تقسيمات المناطق والشوارع. فبرغم اللبوس التقني والعلمي لخطة إعادة إعمار غزة، إلا أنّها تلبي مطالب العدو، إذ تفرض إقامة مناطق عازلة بين القطاع من جهة، والأراضي المحتلة وسيناء من جهة ثانية، كما تعيد نشر السكان في القطاع على نحو ملائم للخطة الأمنية. وللعلم، هذا ما طُبّق سابقاً عندما قامت دولة الإمارات بإعادة بناء مخيّم جنين بعد تدميره عام 2002، حيث أقيمت طرقات واسعة تناسب آليات العدو، وتسمح لها بالتوغل ساعة تشاء والسيطرة بالنار على شوارع المخيم.
ويتّسم النموذج التقليدي ذو الطابع المركزي، بأن العمليات تقع تحت الإدارة المباشرة للدولة بمعزل عن مصادر التمويل. لكن هذا النموذج، على أهميته، غاب تماماً عن ساحات الصراع اللاحقة للحرب الإيرانية العراقية، لأنه يقوم على رؤية الدولة للمصلحة العامة والتي تتطابق بشكل كبير مع مصالح السكان.
لذا، تتجنب الدول والمؤسسات الدولية المتحكمة بعمليات إعادة الإعمار دعم النموذج التقليدي، أو المركزي. ولا تقدّم له دعماً إلا في حال «كان الغرض تقوية الأنظمة لمواجهة حركات التحرّر والمقاومة»، وحتى في هذه الحالة، تربط برامج إعادة الإعمار بتصورات مخططات وأهداف مستمدّة من القطاع الخاص، مثل عمل شركة سوليدير في التسعينيات لإعادة إعمار العاصمة بيروت، ودور المنظمات غير الحكومية في إعادة إعمار المنطقة المحيطة بالمرفأ بعد انفجار 4 آب عام 2020.
وفي الخط الفاصل بين النموذجين الغربي والتقليدي، يقع نموذج تضامني، يصفه تقرير المركز الاستشاري بـ«الأكثر فعالية في لجم محاولة جعل الإعمار اليوم التالي للحرب». ومن أبرز الأمثلة على هذا النموذج، عملية إعادة إعمار الضاحية بعد حرب تموز 2006، والتي تولاها حزب الله عبر مشروع «وعد». ويتمحور هذا النموذج حول فكرة «المواطنة»، إذ يعتمد مبدأ الشراكة بين المتضررين من جهة، والأجهزة المعنيّة بإعادة الإعمار من جهة ثانية، وهذا ما مثّلته شركة «وعد».
إذ كانت صلة الوصل بين جمعية المتضررين من الحرب والدولة اللبنانية.
الواقع، إن ما يراد من عملية إعادة الإعمار في لبنان، أن تكون وفقاً للنموذج الغربي، وفقاً لتقرير المركز الاستشاري، فجعبة الموفدين العرب والغربيّين مليئة بالشروط السياسيّة والاقتصاديّة التي تعطل إطلاق العمليّة من أساسها.
7 مليارات دولار كلفة إعادة الإعمار
يقدّر المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق أنّ كلفة عملية إعادة الإعمار، وإيواء العائلات المتضرّرة تبلغ 7 مليارات دولار (مقابل 12 مليار دولار لتقديرات البنك الدولي). وتصل كلفة عملية إعادة بناء ما يقرب من 50 ألف وحدة سكنية مهدمة كلياً، وما يماثلها من الوحدات المصابة بأضرار جسيمة، إلى 4 مليارات دولار. ويقطن هذه المباني ما نسبته 20% من المجتمع المستهدف بالحرب. وأمام المبالغات والتهويل في الأرقام، تمكن حزب الله من إنجاز 60% من برنامج الترميم والإيواء الذي يشمل نحو 390 ألف متضرر. وتقارب الكلفة الإجمالية لهذا البرنامج 30% من إجمالي كلفة إعادة الإعمار.
شروط سياسية
في تحليل الوقائع المرافقة لما بعد الحرب الأخيرة على لبنان، يجد المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق توجّهاً لـ«الجمع بين المقاربتين التقليدية والغربية بخصوص لبنان». فمن جهة، أقرّ البنك الدولي قرضاً بقيمة 250 مليون دولار، وخصصه حصراً للبنى التحتية المتضررة في الحرب. ومن جهة ثانية، أقرّ مجلس الوزراء في أول جلسة له بعد نيله الثقة، إنشاء صندوق مستقلّ لإعادة الإعمار.
ويهدف هذا الصندوق إلى حشد الدعم العربي والدولي اللازمين لبناء ما تهدّم، ومعالجة آثار الحرب. لكن، يجري عرقلة عملية إعادة الإعمار من قبل الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها.
فنموذج إعادة الإعمار يجب أن يتماشى مع أهداف الحرب، بحسب توصيف التقرير، لذا، لن تقف الشروط عند تلبية الشروط السياسية الأميركية، بل تتعداها لرسم المستقبل الاقتصادي للبلد على نحو يجعله حديقة خلفية للمصالح الغربية. بالتالي، لن تستفيد المناطق اللبنانية المتاخمة للحدود الفلسطينية التي تضم 23 قرية من القرض. ولم تبصر النور بعد الآليات المطلوبة للتعويض على المتضررين، فالمؤسسات الحكومية ورغم مرور 7 أشهر على وقف إطلاق النار، لا تملك قاعدة بيانات وافية عن نتائج العدوان.
فؤاد بزي - الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|