الغاز الآذري إلى سوريا: تحولات إقليمية تنهي دور حزب الله
وصل بالأمس الغاز الآذري إلى سوريا. جاء ذلك بالتزامن مع اتفاق السلام الآذري الأرميني برعاية الولايات المتحدة الأميركية. لا تزال سوريا تحظى باهتمام أميركي واحتضان عربي، إذ لا يمكن إغفال مشروع الاستثمارات السعودية في سوريا بستة مليارات دولار، أو استثمارات قطر ولا سيما في المجال الطاقي باتفاقيات تصل إلى 7 مليارات دولار. يمكن لسوريا أن تتحول إلى محطة أساسية في توزيع الغاز باتجاه دول الجوار أو إلى أوروبا بالنظر إلى وصول الغاز القطري والآذري إليها.
هذه الاستثمارات، تندرج في إطار التحولات الجيواستراتيجية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها خطوط النفط والغاز، المرتبطة بتحولات سياسية تتصل بـ"السلام" وإرساء الاستقرار. ولكن في مقابل الاهتمام الدولي والعربي الذي تحظى به سوريا، تبقى هناك خلافات وصراعات ونزاعات قائمة من شأنها أن تهدد هذا الاستقرار، وخصوصاً بعد ما جرى في السويداء، وفي ظل المشكلة المستمرة والقائمة مع قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، وصولاً إلى المؤتمر الذي عقد في الحسكة وأثار اعتراض الحكومة السورية في دمشق.
تصارعت أرمينيا وأذربيجان لعقود، دخلت كل دولة في تحالفات مع دول عديدة، وكان الصراع على إقليم ناغورني كرباخ، إلى أن انتهزت باكو ظروفاً وتحولات إقليمية حتى تتقدم عسكرياً، وتعلن فوزها بضم الإقليم، والذي لا يمكن فصله عن مشاريع الطاقة. ربما، تشهد سوريا تحولات مماثلة بدافع لعبة "الأمم" والمصالح، خصوصاً في ضوء التصريحات المتكررة لدول غربية كثيرة حول الحفاظ على سوريا موحدة مع تعزيز اللامركزية، ولكن من دون توفير ظروف ومقومات إقامة أقاليم للإدارة الذاتية. وفق هذا المبدأ تتعاطى دمشق التي تحظى بدعم أميركي واضح ولا سيما من قبل المبعوث توم باراك الذي انتقد قوات سوريا الديمقراطية لأكثر من مرة.
سوريا الضعيفة مصلحة لإسرائيل
ولكن في مقابل هذا الدعم الأميركي، لا تزال إسرائيل غير مقتنعة بالمسار السوري ككل، وهي التي تسعى إلى تغذية مفهوم "الأقاليم" أو "الإدارات الذاتية" ولو كان ذلك من خلال محاولات افتعال مشاكل أو مواجهات في الداخل السوري، لا سيما أن تل أبيب مصلحتها أن تبقى سوريا في حالة ضعف ونزاع أهلي يأخذ طابعاً مذهبياً أو طائفياً أو قومياً أو عرقياً، ومن مصلحتها أن تكون سوريا مجزأة أو مقسمة. وربما ما تحاوله إسرائيل في سوريا تسعى إليه في لبنان من خلال محاولات إذكاء الصراعات الشيعية الداخلية من خلال المنشورات التي ترميها على قرى الجنوب وتميز فيها بين أبناء الطائفة الشيعية، أو من خلال فتح الباب أمام مواجهات لبنانية لبنانية بدافع الضغط السياسي والعسكري.
الأكيد، أنه ليس في مصلحة إسرائيل أن تستقر سوريا ولبنان، وأن يزدهرا اقتصادياً واستثمارياً، ولا في مجالات الطاقة والمرافئ وهذا ما تشهد عليه لبنانياً مسارات التفاوض للوصول إلى ترسيم الحدود البحرية واشتراط إسرائيل أن تكون هي المنطلق الأساسي لأي عملية تصدير للغاز من شرق المتوسط. أما في سوريا فإن السعي الإسرائيلي لإنشاء ما يُسمى "ممر داوود" أو ما تعتمده حالياً وهو فتح ممرات آمنة ما بين السويداء وشمال شرق سوريا، فهدفه التمركز على الحدود السورية العراقية، وقطع الطرق والمسارات والتأثير على أي مشروع يتصل بخطوط وأنابيب النفط والغاز باتجاه المتوسط، أو على خطوط التجارة والترانزيت.
كل ذلك لا ينفصل إسرائيلياً عما أعلنه نتنياهو مراراً حول تغيير وجه الشرق الأوسط ووجهته، وهو ما يسري على التوازنات الإقليمية وعلى الوقائع السياسية والعسكرية والاقتصادية أيضاً. خصوصاً أن ما تسعى إليه تل أبيب هو ضرب إيران ونفوذها وإنهائه من المنطقة، في مقابل الدخول في تفاهمات أو اتفاقات مع الدول العربية. بينما تبقى العلاقة شائكة مع تركيا التي تهاجم مواقف الإسرائيليين لكن تمتلك علاقات معهم، وهناك بالتأكيد دور لأنقرة في أي مفاوضات سورية إسرائيلية لا سيما تلك التي تجري في أذربيجان.
هدف تطويق إيران
مع سقوط نظام بشار الأسد، وبدء العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد سوريا، أعلنت أنقرة عن عزمها على إقامة نقاط أو قواعد عسكرية في سوريا، في محاولة لرسم توازنات بينها وبين إسرائيل، تعتبر أنقرة أنها حققت مكسباً كبيراً في سوريا، وهي لن تتخلى عن هذا المكسب، ليأتي الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان في طريق تعزيز دور تركيا على مستوى المنطقة، بينما يساهم في تطويق إيران أو إزعاجها أكثر فأكثر، إذ إن إيران ومنذ الضربات التي تلقاها حلفاؤها وصولاً إلى سقوط بشار الأسد، قد أصبحت مطوقة إلى حدّ كبير وبعيد.
هذا التطويق، أضيف إليه في الأيام القليلة الماضية قرار لبناني واضح بسحب سلاح حزب الله ما يعني إنهاء الدور العسكري الإقليمي للحزب، وهو ما تنظر إليه إيران بأنه مزيد من التطويق وتضييق الخناق عليها، وهذا ما دفعها إلى التشدد أكثر في لبنان في موازاة المفاوضات المفتوحة حول العراق وآلية حصر السلاح بيد الدولة هناك. اختارت إيران أن تعود إلى المشهد من البوابة اللبنانية سياسياً وديبلوماسياً هذه المرة، عبر تصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي تحدث عن إفشال خطة الحكومة لسحب السلاح، ذلك ليس إلا إشارة مباشرة إلى القرار الإيراني بالتشدد في لبنان، تزامناً مع الاستعداد لفتح باب التفاوض مع واشنطن. عملياً لا تريد إيران أن تتخلى عن أي ورقة، وهي ستسعى إلى إعادة الإمساك بكل أوراقها.
السلاح معركة وجودية
وفق هذا المنطق الجيوسياسي تعاطت إيران مع قرار الدولة اللبنانية بسحب السلاح. أما بالنسبة إلى حزب الله فإن المسألة تندرج في سياق المعركة الوجودية التي يخوضها، وفي هذا الإطار يرفع الحزب السقف ضد مسألة تسليم السلاح، أما لبنان في المقابل، يعتبر أن تسليم السلاح هو الباب للفوز بالمساعدات والاستثمارات وإعادة الإعمار. هنا أصبح لبنان في صراع بين وجهتين، على وقع استمرار التصعيد الإسرائيلي، وبانتظار زيارة الموفد الأميركي توم باراك وما سيحمله في إطار ورقته من واجب الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها وخروقاتها كي تتمكن الدولة اللبنانية من مواصلة عملها.
ينقسم لبنان حالياً بين موقفين. موقف الدولة الذي ينتظر خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح وكيفية تطبيقها. وموقف حزب الله الرافض لذلك كلياً، معتبراً أنه لن يناقش في ملف السلاح قبل انسحاب إسرائيل ووقف الخروقات والاعتداءات وإطلاق سراح الأسرى وإطلاق مسار إعادة الإعمار. الانقسام سيقود إلى احتمالين، إما أن تنجح الضغوط الأميركية على إسرائيل لوقف الضربات وحشد الدعم للبنان في إطار تقوية موقف الدولة، أو أن لا تنجح في ذلك فيستمر الصراع الذي سينعكس مزيداً من التجاذب على الساحة اللبنانية بين حزب الله من جهة، وخصومه من جهة أخرى، وهو ما يبقي لبنان في حالة توتر سياسي وأمني وعندها قد تدفع إسرائيل أكثر باتجاه صراع لبناني لبناني، أو باتجاه اعتراض قوى عديدة على عدم تطبيق الدولة لقرارها، فتدعو إما إلى المواجهة ضد الحزب، أو إلى الانفصال أو ما يشبه "الإدارات الذاتية".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|