الصحافة

جوزاف ونواف... شجاعة استرداد الدولة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يشكّل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام ثنائيًا متناغمًا وناجحًا في إدارة الجمهورية وفي التصدّي للمشكلات التي يواجهها العهد والتي ورثها من عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون والعهود التي أدار فيها "حزب الله" دفة الحكم معتقدًا أنّه سيطر بشكل نهائي على قرار الدولة، من خلال السيطرة على الحكومات ورؤسائها. بعد جلستي الحكومة في 5 و7 آب وقرار حصر السلاح بيد الدولة، يمكن القول إن عهدًا جديدًا بدأ للبنان على أنقاض العهود التي تحكّم بها "حزب الله"، ويمكن ملاحظة الفرق الذي أحدثه اختيار سلام رئيسًا للحكومة في هذه المرحلة، وربما في المراحل الآتية.

فشلت محاولات "الحزب" في التخفيف من حدة التناغم بين عون وسلام. وفشل الحزب في التحريض على سلام من خلال اتهامه بأنه يتنازل عن صلاحيات رئيس الحكومة. كل حملات "الحزب" ارتدّت عليه سلبًا وصولًا إلى قرارات الحكومة بحصرية السلاح وتكليف الجيش بالتنفيذ. كان يكفي أن يتّصل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بالرئيس نوّاف سلام ليهنّئه بقرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، بعد جلسة الثلاثاء 5 آب، لكي يكرّس موقعه ويردّ عنه الاتهامات، ويحصّن دوره في السراي الحكومي في هذا العهد.

لا تتعلّق المسألة بورقة السفير الأميركي توم برّاك. ولا يمكن رفضها بالمطلق لأنها فقط ورقته على رغم أنها تحتوي خريطة طريق لتنفيذ اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني الماضي. الأساس يعود إلى هذا الاتفاق الذي وافق عليه "الحزب" ووقّعته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالتعاون والتنسيق التامين مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد إلحاح "الحزب" على وقف الحرب ضدّه بعدما أدرك أنّ نتائجها إذا استمرّت ستكون كارثية عليه.

مسؤولية "الحزب" لا مسؤولية الحكومة

ما يقوم به الحكم والحكومة اليوم، وبالتعاون والتنسيق أيضًا مع الرئيس بري، هو محاولة محو أخطاء استراتيجيات "حزب الله" الكارثية على لبنان وعلى الدولة والطائفة الشيعية تحديدًا، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل استعادة القرار السياسي والأمني، واستعادة الجمهورية وبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. هذا ما وافق عليه "الحزب" في قرار وقف النار. فلماذا يريد أن يحمّل المسؤولية للحكم والحكومة؟ ولماذا يكفّر كل من يقف معهما؟ ورقة برّاك ليست إلا خريطة طريق لتطبيق ما وافق عليه "الحزب" وبالتالي هذه مسؤولية "الحزب" وليست مسؤولية الحكومة.

نوّاف بك سلام وجوزاف عون معًا، يعملان على وضع خريطة طريق للعودة من جهنم، ومعهما كل مكوّنات البلد باستثناء "حزب الله" الذي لم يصل بعد إلى حد القبول بالواقع الجديد وبالتخلّي عن سلاحه على رغم أنّ قرار وقف النار ينصّ على هذا الأمر، وأنّ اتفاق الطائف نصّ عليه أيضًا. إذا كان الحزب استفاد من دعم النظام السوري السابق لكي يتسيّد معه على القرار اللبناني، فلا يمكن بعد سقوط هذا النظام أن يبقى متسيّدًا. راهن "الحزب" على أنّه يستطيع من خلال استمرار تمسّكه بسلاحه أن يستمرّ بالسيطرة على قرار الدولة. ولكنّه كان مخطئًا ولم يحسب جيدًا حساب المواجهة مع الرئيس نوّاف سلام ومع عهد جوزاف عون.

رهانات "الحزب" الساقطة

أثبتت الوقائع المتلاحقة أن هتافات "نوّاف سلام صهيوني" التي أطلقتها جماهير "حزب الله" لم تكن مجرّد هتاف اعتذر عنه "الحزب"، بل تهديدًا مباشرًا له من خلال استدراك ما يمكن أن يتّخذه من قرارات متعلّقة بسلاح "الحزب". ولذلك أتت الحملات المتلاحقة عليه في هذا السياق ووصلت إلى حد التجريح الشخصي والإهانات والتعرّض لكرامته. ولكن كل رهانات "الحزب" سقطت. وبقي نواف سلام صامدًا معطيًا لرئاسة الحكومة وللحكومة الدور الذي يجب أن تقوم به ومظهرًا صلابة فاجأت الذين حاولوا تهديده، وتذكيره بمصير الرئيس رفيق الحريري من خلال التذكير المتكرر بقطع الأيدي التي تمتد إلى سلاح "الحزب".

راهن الحزب على تخويف الرئيس سلام ولكن بدل أن يخاف خوّف من هدّدوه.

راهن "الحزب" على تفهّم رئيس الجمهورية لرفضه تسليم سلاحه. بينما الرئيس كان يراهن على تفهّم "الحزب" لخطورة المرحلة. كان يريد أن يسلّفوه موقفًا لكي يسلّفهم. ولكن عندما دقّت الساعة اتَّخذ القرار. راهن "الحزب" على تخويف رئيس الجمهورية ولكنّه لم يخف بل أقدم.

وراهن "الحزب" على أن يسحب الرئيس عون ملف حصرية السلاح من جدول الأعمال أو أن يرفع الجلسة يوم الثلاثاء 5 آب أو في جلسة 7 آب ولكنه لم يفعل.

راهن على تخويف الوزراء الشيعة والآخرين. ولكن الوزراء الشيعة لم يتسقيلوا والآخرين أصروا على اتخاذ القرار.

راهن على خلاف عون وسلام من باب اتهام سلام بأنّه تنازل عن صلاحيات رئيس الحكومة وحاول علنًا تحريض السنة عليه ولكنّه فشل.

راهن على تحذير الجيش من الانقسام في حال أراد تطبيق مقررات مجلس الوزراء، ولكنّه رهان خاسر.

راهن على التحركات الشعبية الرافضة لنزع سلاحه، ولكنّها تحركات محصورة في مناطق بيئته.

راهن على حلفائه السابقين وجال عليهم. فوجد أنّهم ما عادوا حلفاء ويطالبونه بتسليم سلاحه.

راهن على 7 أيار جديد ولكن 7 آب 2025 محا آثار ذلك اليوم من العام 2008.

لا يعترف بوجود الدولة

في الأساس لم يعترف "حزب الله" منذ انطلاقته عام 1982 بوجود دولة وجيش. وهو يعرف أن استمرار وجوده يكون على أنقاض الدولة والجيش. ولذلك يرفض عودة القرار إلى الدولة واستعادة دور الجيش.

خطاب المرجعيات الشيعية الدينية انضوى تحت سقف خطاب "الحزب" لأنّه يعمل على ربط مصيره ومصير سلاحه بمصير الشيعة في لبنان بينما قراره مرتبط بإيران.

لم تكن مسألة عابرة أن يتحدّث أمين عام "الحزب" الشيخ نعيم قاسم في الوقت نفسه الذي كانت تجتمع فيه الحكومة لاتخاذ القرار في موضوع سلاح الحزب وفي مناسبة مرور أربعين يومًا على اغتيال إسرائيل اللواء محمد سعيد أيزدي في فيلق القدس في 22 حزيران كاشفًا عن أنّه وصل إلى لبنان بعد يومين من اغتيال السيد حسن نصرالله للإشراف على عمل "الحزب" الذي كان يحتاج إلى قيادة. سبق لقاسم أن وجّه رسائل تهديدية عديدة في كل إطلالاته إلى الرئيسين سلام وعون ولكن كل هذه التهديدات عبرت وكأنّها لم تكن.

بعد الجلستين صدرت مواقف من "الحزب" تقول إن الحكم والحكومة يعتبران أن الطائفة الشيعية غير موجودة وذلك لأنّهما اتخذا القرارات بحصرية السلاح وبالموافقة على ورقة توم برّاك على رغم انسحاب وزراء "الثنائي" من الجلستين. ولكن في الواقع العكس هو الصحيح. فـ "الحزب" يتصرّف وكأنّه لا يعترف بوجود الطوائف الأخرى ولا يريد أن يفهم أن ثمة تطورات كبيرة حصلت في المنطقة وتنعكس حكمًا عليه وعلى لبنان.

تجربة سلام وما لا يريده "حزب الله"

أخذ "الحزب" على الرئيس سلام أنه دقّ بقلمه على الطاولة وأعلن "دقّت ساعة الحقيقة". كانت هذه إشارة من سلام إلى أنّ تجربته في الحكم لا تشبه تجارب كثيرة سابقة طبّق فيها رؤساء حكومات سابقون ما يريده "حزب الله". سواء برغبة منهم أو تحت التهديد. فالمسألة ليست مسألة مناكفة مع رئيس الجمهورية من أجل القول إنه موجود ويستخدم صلاحياته. فهو يدرك منذ وصل إلى رئاسة الحكومة ودخل السراي أنّه يريد أن يثبت أنّه صاحب تجربة جديدة إنقاذية تقوم على التعاون مع رئيس الجمهورية وفق ما يقتضيه الدستور، وأنّه بحكم موقعه القانوني وخبرته الدولية لا يحتاج إلى من يُعلّمه كيف يمارس صلاحياته وكيف يطبّق الدستور.

بين المناكفة وتلبية رغبات "حزب الله" اختار "نوّاف بك" أن يكون رجل دولة بامتياز، ورجل القرارات الصعبة التي لا يمكن التردّد أمامها. هي بداية طريق محفوفة بالمخاطر ولكنّها تستحقّ المجازفة. وهذا ما يفعله سلام. 

نجم الهاشم - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا