إقتصاد

"ستارلينك" تشق خطًا عسكريًا نحو الترخيص... فماذا عن العروض الأخرى؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مع أن بند سحب سلاح "حزب الله"، تنفيذًا لبيان حكومة الرئيس نواف سلام في شقه المتعلق ببسط السيادة على جميع الأراضي اللبنانية، هو الأبرز على طاولة مجلس الوزراء التي تنعقد اليوم الثلثاء، فإن جدول أعمال الجلسة الموزع من الأمانة العامة للمجلس، يتضمن بندًا "حساسًا" آخر، يمس السيادة اللبنانية الرقمية، ويشكل محتواه مادة لنقاش مفتوح منذ أواخر العام 2023، في ظل محاولات تكررت أكثر من مرة لتسهيل دخول خدمة "ستارلينك" إلى السوق اللبنانية، من خلال القفز فوق القوانين التي تضمن عدالة المنافسة بينها وبين الشركات الأخرى التي تقدم خدمة توزيع الإنترنت السريع عبر الأقمار الصناعية للشركات والمؤسسات الكبرى في لبنان.

فتحتَ البند الثامن لجدول أعمال الحكومة، سيناقَش اليوم "عرض وزارة الاتصالات لمساعي توفير خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، والعروض التي تلقتها من شركات عالمية عاملة في هذا المجال".

إلا أن عنوان البند، لا يعكس حقيقة مضمون المعروض على المجلس، وبالتالي لن يُقرأ المكتوب من عنوانه هذه المرة. إذ أن العرض الوحيد الذي يبدو أنه شق خطًا عسكريًا لجهة الاستحصال على المراسيم الوزارية، هو ذلك المقدم من شركة "ستارلينك"، وعلى رغم إقرار وزارة الاتصالات في كتاب موجه من قبلها بتلقيها عرضين آخرين واحدًا منهما من شركة EUTELSAT الأوروبية والثاني من ARABSAT، فإن ذكر العرضين في الكتاب الذي وجهته وزارة الاتصالات إلى مجلس الوزراء عبر الأمانة العامة للمجلس، لا يرد إلا بمعرض الإشارة إلى أن " التفاوض مع الشركتين يتقدم، وفور البلوغ إلى مرحلة الاتفاق سيعرض ما تم التوصل إليه على المراجع الأمنية والاستشارية والقانونية تمهيدًا لمنحها الترخيص وفقًا للأصول".

في المقابل يشير الكتاب إلى اجتياز "ستارلينك" امتحان المراجع المذكورة، لتبلغ مرحلة الإعداد للترخيص، بعدما تلقت منها "عرضًا واضحًا" تقول الوزارة إنها "حصلت على موافقة الجهات الأمنية عليه، وتحققت من صيغته القانونية والأحكام القانونية الواجب اعتمادها من أجل الترخيص لها ببيع وتسويق وبرمجة وصيانة خدمات الإنترنت العالية السرعة عبر الأقمار الاصطناعية". وتتوسع الوزارة في توثيق كل نشاطاتها المؤدية إلى توقيع عقد الترخيص مع "ستارلينك"، سواء لجهة خوض نقاشات مع الجهات الأمنية، أو لجهة طلبها رأي هيئة التشريع والاستشارات حول قانونية إجراءاتها لتوقيع مرسوم عقد الترخيص، وكذلك مجلس شورى الدولة.

موافقة أمنية مشروطة وتخزين بيانات خارج لبنان

انطلاقًا من الكتاب الموجه من الوزارة إلى مجلس الوزراء، يتبين أن الحصانة الأمنية التي تحيط بمشروع مرسوم الترخيص المقدم من الوزارة، متأتية من تواقيع ممثلين عن الأجهزة الأمنية على محضر أحد الاجتماعات الذي انتهى إلى "إعطاء الموافقة الأمنية لشركة SPACEX لبدء العمل في لبنان، على أن يتضمّن العقد مع الشركة بندًا يؤكّد على إجراء تجارب نهائيّة للتأكّد من أنّ الآلية المُعتمدة بين شركة SPACEX وهيئة "أوجيرو" ستعطي نفس النتائج التي زودتنا بها الشركة خلال التجربة السابقة".

علمًا أنه وفقًا لما بينه مضمون كتاب الوزارة أيضًا، تصر "ستارلينك" على تخزين "داتا" المعلومات في خارج الأراضي اللبنانية، وهي لم تتنازل عن مطالبتها بتجميع "الداتا" اللبنانية في نقطة تواجد الشركة في الدوحة، حيث ستزود "ستارلينك" المستخدمين بالإنترنت من قطر بينما تقوم "أوجيرو" باستخلاص المعطيات المرتبطة لترسلها إلى الأجهزة الأمنية، وهذا ما يشكل وفقًا لمصدر خبير في قطاع الاتصالات عملية معقدة تحمل مخاطر خرق قانون التنصت.

هذا في وقت رد مجلس شورى الدولة الملف إلى الوزارة لعدم خضوعه لموجب استشارته، بمقابل حصول الوزارة على رأي موسع من هيئة التشريع والاستشارات قضى "بالترخيص لـ "ستارلينك" بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، ومن دون تدخل تشريعي"، بعد أن ساوى الرأي بين الترخيص لـ "ستارلينك" وأي ترخيص آخر يعطى لشركات نقل المعلومات المحلية التي تشتري سعات الإنترنت من الدولة، خلافًا لـ "ستارلينك" التي تشكل خدمتها شكلًا من أشكال استيراد الانترنت مباشرة من الخارج.

"ستارلينك" أولًا

انطلاقًا من مضمون هذا الكتاب، من المتوقع أن يكون للبحث تتمة في موضوع تأمين الانترنت السريع عبر الأقمار الصناعية للمؤسسات والشركات الكبرى. وليس السبب فقط أن نقاشات جلسة الحكومة التي يترقب اللبنانيون تداعياتها السياسية والأمنية على المرحلة المقبلة، قد تفجر الجلسة قبل الوصول إلى طرح البند الثامن الموضوع على جدول الأعمال، أو أي بند آخر من البنود التسعة المتبقية، إنما لكون هذا الملف نفسه قادرًا على إشعال النقاش حول الاختلافات الواضحة، بين التوجهات المعلنة من قبل رئيس الحكومة في جلسة المساءلة التي عقدها مجلس النواب، والتي أكدت أن الحكومة تتواصل مع شركات أخرى غير "ستارلينك" لشبك لبنان بالأقمار الصناعية، وبين النوايا الواضحة في تفاصيل البند المدرج على الجدول، والتي تؤكد السير بخطوات متسارعة نحو توقيع العقد مع "ستارلينك"، بمعزل عن النتائج التي سيتم التوصل إليها مع الشركات الأخرى التي أبدت اهتمامها بالسوق اللبناني، ولا سيما شركة EUTELSAT.

EUTELSAT: نحن هنا

وشركة EUTELSAT لاعب أساسي في سوق الاتصالات الفضائية عالميًا، وتحالفها مع OneWeb منذ العام 2023 جعلها تنافس مباشرة شركة Starlink على خدمات الإنترنت الفضائي عالية السرعة. وتعتبر OneWeb وفقًا لما يوضحه مصدر خبير في قطاع الاتصالات المزود الوحيد الناشط عالميًا بخدمات المدار الأرضي المنخفض LEO المخصصة للمؤسسات، وتوفّر اتصالاً مدعومًا باتفاقيات مستوى الخدمة، وخاضعًا للحُكم القانوني، مع مرونة في التسعير عند تفعيله من خلال إطار عمل بالجملة تقوده السلطات الرسمية المحلية.

ووفقا للمعلومات فقد أبدت EUTELSAT اهتمامها بالسوق اللبناني من خلال زيارة قام بها مسؤولون رفيعون فيها، توجت نقاشات موسعة خاضتها المؤسسة لتقديم الخدمة في لبنان، وقادتها نائبة الرئيس التنفيذي لشؤون العلاقات الدولية مع كبار المسؤولين التنفيذين في الشركة، وركّزت على كيفية دعم شبكتها منخفضة المدار، لتوسيع الاتصال الآمن، والموثوق، والعالي الأداء في لبنان، بما يعزز سيادة البنية التحتية الرقمية الوطنية.

أسئلة حول الشرعية والسيادة الأمنية

إلا أن الوزارة في تفاصيل كتابها المرفوع إلى طاولة مجلس الوزراء، لم تتطرق إلى موقع هذه الشركة وأهميتها في تقديم خدمة الإنترنت السريع عالميًا، وركزت على مسودة مشروع مرسوم عقد الترخيص لـ "ستارلينك"، متسلحة بما اعتبرته "موافقة أمنية" انتزعت من خلال التوقيع على محضر اجتماع عُقد بين وزير الاتصالات شارل الحاج وممثلي بعض الأجهزة الأمنية، وغاب عنه ممثلو هيئة "أوجيرو" وشركة SPACE X نفسها. وهذا ما يطرح علامات استفهام كبيرة وفقًا للمصدر على مفهوم الموافقة الأمنية التي يجب أن تأتي من رأس الأجهزة الأمنية المعنية، ولا تكون من خلال التوقيع على محضر لأحد الاجتماعات التي عقدت مع ممثليها.

هذا في مقابل انتزاع مشروع الترخيص شرعيته القانونية من المادتين 189 و232 من المرسوم الاشتراعي 126/1959 وذلك في ضوء تعذر تطبيق أحكام القانون 431/2002 لحين تعيين أعضاء الهيئة الناظمة. علمًا أن روحية المرسوم المذكور وفقًا لقراءة خبيرة، قائمة على إعطاء حق استيراد الانترنت حصرًا للدولة. بينما يشكل الترخيص لـ "ستارلينك" من خارج الهيئة الناظمة انتهاكًا لواحدة من مهماتها الأساسية، قبل أن تبصر النور بضوء المساعي التي يبذلها وزير الاتصالات نفسه، والذي تؤكد أوساطه في أكثر من مناسبة تمسكه بتشكيل هذه الهيئة على رغم كل الضغوطات التي يتعرض لها من قبل شركات الإنترنت نفسها، وما يمكن أن تنتزعه من صلاحيات يتمتع بها الوزير حاليًا.

بين التحديات والضرورات... الضربة لمن سبق

لا شك أن قطاع المؤسسات في لبنان، بما يشمله من مصارف، ومستشفيات، وجامعات، وغيرها يعمل بظل مخاطر مستمرة تجعل من الملحّ البحث عن بدائل آمنة وعالية الأداء. ومن هنا فإن ما تظهره الدولة من جدية لتأمين الإنترنت السريع عبر الأقمار الاصطناعية يبدو مرحبًا به تمامًا. إلا أن هذا الحق المكتسب لقطاع الأعمال لا يمكن أن يتم على حساب الامتثال للقوانين المرعية في اختيار الشركاء الاستراتيجيين ومن دون المس بالسيادة الرقمية التي تهددها.

انطلاقا مما ذكر، يرى مصدر خبير في القطاع، ضرورة لإخضاع الشركات العالمية الراغبة بالاستثمار في سوق لبنان "الخام" إلى معايير محددة تضعها الدولة اللبنانية ممثلة بوزاراتها المعنية في دفتر شروط يبنى على تقييم فني وقانوني واستراتيجي شامل لحاجاتها، يقلل من مخاطر انقطاع الخدمة، وانعدام أمان البيانات، ويبقي البنية التحتية العامة تحت السيطرة السيادية.

هذا في وقت يبدي المصدر الخبير استغرابه للخلاصة التي توصلت إليها هيئة التشريع والاستشارات التي عند تطرقها للمادتين الثانية والرابعة من مشروع مرسوم الترخيص لـ "ستارلينك"، اعتبرت أنه بفتحهما باب المنافسة أمام الشركات الأخرى، وعدم ترتيبهما أعباءً مالية على الدولة، جعلتا موضوع الترخيص لـ "ستارلينك" خارج دائرة تطبيق قانون الشراء العام.

ففي سوق متعطش لهذه الخدمات تكون "الضربة عادة لمن سبق" وبالتالي يمكن للإصرار على إعطاء الأفضلية لـ "ستارلينك" في هذا السوق من خلال السعي لعقد رضائي معها، من دون أن تضع رخصتها في إطار من المنافسة العادلة التي يؤمنها قانون الشراء العام، أن يقتل حماسة الشركات الأخرى لهذا السوق، مع أن عرضها يمكن أن يكون الأفضل في الحفاظ على السيادة الرقمية، وعلى الدور التنظيمي للدولة على المدى الطويل.

هذه النقاط وغيرها التي كشفها الكتاب الموجه من وزارة الاتصالات إلى مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة اليوم، قد تحتاج مزيدًا من البحث. فإما أن يتطور نحو ربط أي دمج لتقنية الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض (LEO) باستراتيجية سياسة عامة، تخضع للقوانين اللبنانية وتستند إلى أولويات القطاعات، أو يفرط لبنان بهذا الحق التنظيمي، مخاطرًا بما لا يزال متاحًا من حلول آمنة وعالية الأداء، وقادرة على تأمين الاستدامة بخدمات ملحة بالنسبة للبنانيين، ولا سيما لقطاع الأعمال، وأيضًا بالتفريط بسيادته الرقمية.

 يحدد مشروع مرسوم الترخيص المقترح كلفة الرخصة لـ "ستارلينك" التي ستعطى الأولوية في الدخول إلى سوق لبنان المتعطش لخدماتها بـ 25 ألف دولار سنويًا، هو رسم الترخيص لها، بعدما قدمت مستندات تشير إلى تأسيسها شركة لبنانية برأسمال بلغت قيمته وفقًا لبيانات السجل التجاري 30 مليون ليرة فقط. وبالتالي لن تستحصل الدولة من "ستارلينك" على أي رسم على الترددات التي ستستخدمها، بل ستكتفي فقط بحصة من إيراداتها تبلغ 25 بالمئة، بينما مبدأ تقاسم الإيرادات وفقا للمصدر "سخيف"، ويرسخ مفهوم الدولة المتكاسلة التي تبحث عن المداخيل من دون أن تكون منتجة فعلًا. 

لوسي بارسخيان - "نداء الوطن"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا