عربي ودولي

التصعيد في سوريا.. رسائل إسرائيلية تتجاوز دمشق فهل ترتدّ على لبنان؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

على وقع الأحداث الدامية التي شهدتها محافظة السويداء السورية في الأيام القليلة الماضية، جاء التصعيد الإسرائيلي ليضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد. فالغارات التي طالت خلال الساعات الأخيرة مقرّ رئاسة الأركان السورية ومبنى القصر الرئاسي في دمشق، حملت دلالات غير مسبوقة في المرحلة التي أعقبت سقوط نظام الأسد، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التدخل الإسرائيلي المباشر في سوريا، بذريعة "حماية الأقليات"، وتحديدًا الدروز.

ليست الغارات الأخيرة استهدافًا تقليديًا لمواقع يُعتقد أنها تضمّ أسلحة أو نشاطات مرتبطة بإيران، كما اعتادت إسرائيل منذ سنوات. هذه المرة، كان الهدف واضحًا وصريحًا: رموز الدولة الجديدة في سوريا. فمن خلال قصف مبنى الرئاسة ومقر القيادة العسكرية، وجّهت تل أبيب رسالة مفادها أنها لن تقف متفرّجة على محاولات النظام السوري الجديد بسط سيطرته على كامل الجغرافيا السورية، وبالأخص في المناطق التي تعتبرها إسرائيل ضمن نطاق نفوذها المحتمل.
 
ولعلّ اللافت أنّ الغارات جاءت بعد سلسلة من المواقف العلنية لمسؤولين إسرائيليين، أكدوا فيها "رفضهم لاستخدام القوة ضد الطائفة الدرزية"، و"أهمية حماية المكوّنات السورية من الانتهاكات". وبذلك، تُعيد إسرائيل تفعيل خطابها القديم عن "حماية الأقليات"، لكنها تستخدمه هذه المرة في ظرف ميداني وسياسي مختلف، ليس على مستوى سوريا فحسب، ولكن على مستوى المنطقة بأسرها، التي تمرّ بما يشبه مرحلة المخاض..


 
إسرائيل ترسم حدود نفوذها
 
منذ سقوط النظام السوري أواخر العام 2024، تراقب إسرائيل التحولات الميدانية باهتمام بالغ. ومع انكفاء القوى التقليدية التي كانت ترسم خطوط اللعبة في سوريا، يبدو أن تل أبيب قررت الدخول إلى المشهد كقوة فاعلة، وليس فقط كقوة ردع. ويُقرأ التصعيد الأخير كمحاولة لرسم حدود نفوذ جديدة في الجنوب السوري، خصوصًا مع انشغال القوى الغربية بملفات أخرى، ووجود حالة توازن هشة داخل مؤسسات النظام الجديد.
 
وبحسب مصادر متابعة، فإن تل أبيب تسعى إلى فرض أمر واقع عسكري وسياسي في الجنوب، من خلال تكثيف استهدافها لقوات النظام التي تقترب من تخوم السويداء، في موازاة تشجيع الفصائل المحلية على الصمود، وربما الدعم اللوجستي غير المباشر لها، وبذلك فهي تقول مرّة أخرى، في سوريا كما في لبنان قبل ذلك، أنّها وحدها من يرسم المعادلات في المنطقة، وأنّها صاحبة القرار والحلّ والربط بكلّ ما يجري فيها.
 
لكنّ الرسائل الإسرائيلية لا تقتصر على الجغرافيا السورية وحدها، بل تتعدّاها إلى البعد الدولي. فبضرب مواقع سيادية في قلب العاصمة دمشق، من دون أي رد فعل دولي يُذكر، تختبر إسرائيل حدود الهامش الممنوح لها في الساحة السورية، ومدى تهاون المجتمع الدولي مع تجاوزاتها، خصوصًا بعد الانفتاح الغربي ولا سيما الأميركي على النظام الجديد، وفي ذلك رسالة ضمنية إلى الفاعلين الدوليين مفادها: إذا لم تملأوا الفراغ في سوريا، فإنّ إسرائيل ستفعل، على طريقتها.


 
لبنان في دائرة القلق
 
في كلّ الأحوال، لا يبدو لبنان بمنأى عن هذا التصعيد الإسرائيلي. فمع كل تطور في الجنوب السوري، تُفتح الأسئلة مجددًا حول ارتدادات محتملة على الداخل اللبناني، علمًا أنّ للطائفة الدرزية في لبنان روابط رمزية وتاريخية وثيقة مع دروز سوريا، وخصوصًا في السويداء، ما يجعل أي تصعيد هناك بمثابة عامل توتير داخلي. وقد لوحظ خلال الساعات الماضية صدور مواقف لبنانية حذرة، تراوحت بين التضامن مع أهالي السويداء والدعوة إلى تهدئة الأوضاع.
 
في المقابل، سُجّل أيضًا استنفار محدود في بعض البلدات ذات الغالبية الدرزية، وظهرت مؤشرات على تنسيق غير مباشر مع بعض الفصائل السورية في السويداء، الأمر الذي يُنذر بخطر الانزلاق إلى صراع إقليمي بالوكالة، وسط مخاوف تبدو جدّية ومشروعة، من ألا يبقى ما يجري في سوريا محصورًا داخل حدودها، خصوصًا بالنظر إلى المخططات والمطامع الإسرائيلية، التي يبدو أنّها تتوسّع على مختلف الجبهات.
 
ويقول العارفون إنّ دمشق ليست وحدها المعنية برسائل الغارات الإسرائيلية. فاستهداف مؤسسات الدولة السورية الجديدة بهذا الشكل قد يكون أيضًا إشارة مزدوجة إلى بيروت، خصوصًا في ظل استمرار الضغط الإسرائيلي على لبنان من بوابة سلاح حزب الله، والذي يُعاد طرحه بقوة في الأوساط الغربية مع اقتراب نهاية العام، وهو ما ينعكس ضغوطًا دبلوماسية وسياسية أيضًا، تواكب تلك العسكرية، وتقودها

الولايات المتحدة.
 
في المحصلة، يبدو التصعيد الإسرائيلي في سوريا بمثابة جرس إنذار مبكر لمرحلة إقليمية جديدة، لم تتضح ملامحها بعد، لكنّها تُبقي لبنان في دائرة الاستهداف، وتجعل من الجبهة السورية الجنوبية امتدادًا مباشرًا لملفات الصراع الأوسع في المنطقة، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات تصعيدية لا يمكن الاستهانة بها، سواء عبر تطورات ميدانية في الجولان، أو من خلال محاولات خلق واقع جديد في الجنوب اللبناني.
 

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا