ارتفاع حصيلة الاشتباكات في السويداء.. والجيش الإسرائيلي يعلن استهداف دبابات
مسيحيّو لبنان: الحكم الذاتي أو الفناء
كان لبنان هذا الأسبوع على موعد مع المزيد من طوفان الحقد بالخطاب السياسي الشيعي. المعلن هو تمسّك بالسلاح إلى ما لا نهاية، مع تهديد بـ "نزع أرواح" من يريد نزع السلاح. والمعلن الآخر، الذي يخرج بشكل متزايد إلى العلن، تبرّم من المناصفة، وتلويح يهدّد المسيحيّين بأن حتّى المثالثة لا تعبّر فعلًا عن ديموغرافيا البلاد. من يجمع المواقف المتفرّقة لسياسيّين وناشطين وإعلاميّين شيعة، يصل إلى قناعة مفادها أنّ مشروعهم مزدوج: الحفاظ على السلاح، إمّا بشكله الحالي، أو عبر "استراتيجيّة دفاعيّة" تحوّل "الحزب" إلى نوع من حشد شعبي – فرع لبنان؛ وتغيير النظام بما يضمن تحويل الغلبة الديموغرافيّة إلى غلبة سياسيّة دائمة مضمونة بالدستور. بالحقيقة، الصدام الأساسي في لبنان، منذ العام 1984 حتّى الساعة، مسيحي – شيعي. حرب نبيه برّي و"حزب اللّه" على تصويت المغتربين بصميم هذا الصدام، علمًا أنّها استكمال لمسار تغيير ديموغرافي طويل كان برّي و"الحزب" دائمًا بصميمه، بدءًا من زمن الحرب بديناميكيّات التهجير والتطهير الإثني وسرقة الأراضي بالضاحية الجنوبيّة التي كانت أصلًا مسيحيّة؛ وصولًا بعد الحرب إلى جريمة التجنيس التي أعطت الجنسيّة لعشرات الآلاف من غير مستحقّيها؛ وصولًا أيضًا اليوم إلى ما هو عمليًّا منع لمئات آلاف المغتربين – القسم الأكبر منهم مسيحيّون – من التصويت.
لماذا تعجز جلّ النخب المسيحيّة، بفرعيها السياسي، والكنسي، وفئات معتبرة من الشعب المسيحي، عن فهم أنّ سياسة لبنان صراع طائفي لا ينتهي؟ الأسباب عديدة، منها: 1) اللامبالاة بمصير الشعب المسيحي بلبنان، مع أنّ مصير مسيحيّي سوريا والعراق يظهر بوضوح مآلات المسار الحالي لو استمرّ. 2) الستاتيكو الحالي يفيد حفنة من الطامحين للرئاسة، أو التوزير، أو النيابة، أو قيادة الجيش، أو ما شاكل. هؤلاء يتحرّكون كحرّاس نظام يحفظ مصالحهم، ولو أنّه طارد للطبقة الوسطى المسيحيّة التي سئمت من تناسل الحروب والمشاكل، وهربت تبحث عن الاستقرار بأمكنة أخرى. 3) التغرّب الثقافي، الذي يقنع المصابين به أنّ التفكير بمصير المسيحيّين بلبنان "طائفي"، وأنّ الحلّ هو بالعلمنة، وبناء الدولة، والمواطنيّة... إلخ، أي بسائر الأمور التي لا يخبر أحد الطلّاب المسيحيّين الذين يدرسونها باللغات الأجنبيّة بمدارسهم وجامعاتهم، أنّها كلّها نتاج الحضارة الغربيّة، وأنّ الاسلام ينظر لهذه الحضارة تاريخيًّا كعدوّ ينبغي كسره، لا كمثال يحتذى به. 4) الحزبيّة الضيّقة التي تزيّن لكثر أنّ الالتزام السياسي يعني التحيّز لزعيم ماروني وخوض معاركه ضدّ زعماء موارنة آخرين، والسلام.
لهذه الأسباب، بات خطاب الكنيسة، والزعامات المسيحيّة المتناحرة ومحازبوها في مكان (حلف الأقليّات؛ العوربة والعروبة؛ تطبيق الطائف؛ لبنان الدور والرسالة والمعنى؛ الكراهيات الحزبيّة المتبادلة... إلخ)، والمصلحة المسيحيّة في مكان آخر. وجوهر هذه المصلحة واضح: 1) الاعتراف بأنّ المسيحيّين اللبنانيّين شعب يتمتع بهويّة متمايزة وخاصّة. 2) الإقرار بأنّ الحكم الذاتي حقّ للشعب المسيحي اللبناني، كما هو حقّ لأي شعب آخر. وبهذا المعنى، فإن المطالبات بالفدراليّة، والكونفدراليّة، والتقسيم هي ديناميكيّات تحرّر وطني لشعب تأخذه هويّات غريبة عنه وعابرة للحدود عنوة إلى حيث لا يريد أن يذهب.
من هو المسلم المعتدل بلبنان؟ هو المسلم الذي يفهم كلّ ما سبق، ولا يستفزّه. وبنتيجة المطاف، المسيحيّون لا يريدون فرض أيّ شيء على أحد. هم فقط تعبوا من أوهام الشراكة، واللبنانويّة، ويئسوا من محاولة اقناع جماعة "سننزع أرواح من يريدون نزع سلاح المقاومة" بالمشروع اللبناني. الحكم الذاتي، الذي يريده المسيحيّون لأنفسهم، يعترفون به كحقّ للجميع.
ومن هو، استطرادًا، المسلم اللبناني المتطرّف؟ هو ليس فقط المؤيّد للوليّ الفقيه، أو المفتتن بأحمد الشرع، بل كلّ من ينكر حقّ الشعب المسيحي بأن يحكم ذاته بذاته. لا يهمّ، تاليًا، أنّ هناك من يحتسي الكحول معنا، وينتقل للعيش في الأشرفيّة، أو اليرزة، أو بدارو، ويضع شجرة العيد يوم الميلاد. كلّ من ينكر على الشعب المسيحي حقّه الطبيعي بالحكم الذاتي هو خصمه.
آلان سركيس - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|