الصحافة

"سنموت جميعنا قبل أن تندلع الحرب التي تخيفكم وتشلّ قراركم"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يصرّ لبنان الرسمي، في كلِّ إطلالةٍ إعلاميّة، على أنه ماضٍ في "بَسط سلطة الدولة ونزع سلاح كل المجموعات المسلّحة غير الشرعية"، لكنّ الميدان يفضح ازدواجيّة الخطاب، والأمثلة كثيرة، منها اثنان: من جهة مع بيان هيئة الرئاسة في "حركة أمل" خلال يوم الشهيد، وعبره تمرير عبارة الالتزام بالقرار 1701 "في منطقة جنوب الليطاني"، ومن جهة أخرى مع أسطوانة رنّمها نائب "حزب الله" علي فيّاض اعتبر فيها أنّ المقصود بعبارة "بدءًا من منطقة جنوب الليطاني" هو من جنوبه حتى الحدود مع إسرائيل.

أمام هذا العناد، ثمّة من يعتبر أنّ كلّ ذلك مسرحيّة دعائيّة لتطمين جمهور "الحزب"، بينما "حزب الله" وافق على تسليم سلاحه الكامل في كل لبنان لأنّ ليس لديه أي خيار آخر، وثمّة من يخشى أن يكون "الثنائي" لم يتعلّم أي عبرة بعد، ويحاول أن يراوغ ويفاوض بأسلوبه القديم المعتاد والذي لم يجلب للبنان سوى الخراب.

في الحالتين، اللبنانيون بحاجة إلى توضيح من الدّولة، السّلطة عليها مصارحة الشعب الذي اختارها. هذا الملفّ المصيري لا يمكن أن يعالج بسريّة ومن دون علم اللبنانيين، وفي حال كان "الحزب" يراوغ فعلًا، حتّى متى ستبقى الدّولة تخشى المواجهة؟

واقع الأمر أنّ اللبنانيّين دفعوا ويدفعون ثمن هذا السلاح غير الشرعي منذ أكثر من عشرين سنة. خرجت سوريا الأسد من لبنان وبقي وكلاؤها فيه، وعند كل مطالبة بمواجهتهم، جوقة تحذّر من شبح الحرب الأهليّة.

عملياً، عاش لبنان منذ ذاك الحين وحتى اليوم، اغتيالاتٍ بالجملة، "حرب تمّوز" ، "7 أيّار"، "القمصان السود"، انتخابات تحت وهج السلاح، حوادث خلدة، قمع تحقيق المرفأ، حوادث الطيّونة، حادثة جويّا وحادثة الكحّالة، حرب "الإسناد" الأخيرة… وصولاً إلى استباحة الأجواء اللبنانية والأراضي من قبل إسرائيل، وكلّ ذلك بسبب ذاك السلاح. ماذا نسمّي ما عشناه فعلاً إن لم يكن حرباً مفتوحة على جرعات؟ مات عشرات آلاف اللبنانيين وسنموت جميعنا بعد قليل فعليًا أم مجازيًا قبل أن تندلع تلك "الحرب الأهليّة" التي تخيفكم وتشلّ قراركم.

على مردّد هذه العبارة أن يعالج نفسه من هذه الـ "TRAUMA"، الحرب الأهليّة أكيد تسبّبت بعقدة نفسيّة جماعيّة، لكن ما عشناه ونعيشه بسبب فقدان القرار السياسي زاد من عقدنا وآلامنا ولم نُشفَ بعد. الشفاء لا يتمّ عبر استراتيجيّة تواصل ذكيّة وجميلة، لا يتمّ عبر تكريم الفنانين، واللعب مع الأطفال ودعم المراهقين... كلُّ ذلك جميل، لا بل جميل جدًّا ويفتقده لبنان، ولكن كلّ ذلك يمكن أن تمحوه أوّل نسمة بارود إن لم تسترجع الدّولة سيادتها.

لا يتوقّف التراخي عند سلاح "حزب الله". ففي ملفّ المخيّمات الفلسطينيّة، يوم حـلَّ موعد بدء نزع سلاح المخيّمات، خرج َمن يُبلّغنا أنّ الدولة "لم تُحدّد أصلًا تاريخًا"، وتردّدت في ما بعد معلومات عن أنّ السلطة طلبت من المجموعات المسلّحة أن تجمع هي السلاح وتسلّمه للدّولة وعندما رفضوا، أُرجئ كلّ شيء.

حججُ التردّد باتت واهية. أكثريّة اللبنانيين يخشون اليوم أن "يُستوطى حيطنا" أكثر فأكثر كدولة لبنانية، إسرائيل تضرب متى شاءت، والاستثمارات تتدفّق إلى الشرق الأوسط فيما لبنان "صفرٌ على الشمال". بالأمس كنّا منصّة ازدهار، واليوم بتنا هامشًا مُهملًا لأنّ "الشيخ نعيم" يعدُ جماهيره بنصرٍ ملائكيّ على إسرائيل لا يجرؤ حتى على إعلانه بوجهٍ مكشوف وبكلمة تبثّ مباشرةً.

حان الوقت لئلّا تبقى الدولة اللبنانية خجولة وخائفة. المطلوب سلطةٌ حاكمةٌ بأمرها، لا "صلة وصل" بين "الحزب" والمجتمع الدّولي. الدستور، "اتفاق الطائف"، وكلّ القرارات الدوليّة تعطي الحكومة الحقّ، بل تُلزِمها، بنزع السلاح غير الشرعي. أرادت أن تفتح حوارًا، لكن طُولبت بأن تعلن جدولًا زمنيًا لتسليم السلاح، لم تفعل! إذا كان الحوار لم يفلح بعد 5 أشهر، فهل سينجح بعد 10؟ ولماذا تُصرّ هذه الدولة على جعلنا جميعاً ندفع ثمن مرور الوقت وخسارة الفرص، فقط لأنّ هناك فريقاً "مجروحاً" يجب أن نراعيه؟ ومَن يراعي حقوقنا نحن؟ أهي سلطةٌ في خدمتهم وحدهم؟ أهناك شعبٌ "بسمنة" وآخر "بزيت"؟

إن استمرّ التمييع، سيخسر لبنان الفرصة الأخيرة للعودة إلى الخريطة الاقتصاديّة والسياسيّة للمنطقة. إسرائيل ستقرع الأبواب ثانيةً، ودول العالم ستنظر الينا كبلدٍ عاجزٍ. فمتى نتوقّف عن الخوف، ونعلن، مرّةً واحدةً، أنّ سيادة لبنان ليست بندًا تفاوضيًّا بل هي قرار لا رجعة عنه وفعل سيطبّق بحزم؟ عندها فقط يُمكن لكل استثمارٍ، ولكلِّ فن، ولكل طفلٍ، أن يجد مكانه الآمن تحت شمس هذا الوطن.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا