خطّة متدرّجة: تسليم السلاح “ليس بين ليلة وضحاها”

يتيح تزاحُم استحقاقات الملفّات الساخنة في الإقليم ترابطها في حسابات المعنيّين. من حرب غزّة وزيارة نتنياهو للبيت الأبيض، إلى المفاوضات المرتقبة بين أميركا وإيران، وصولاً إلى الزيارة المرتقبة للموفد الأميركي للبنان ووصول “كاسحة الألغام” السعودية الممثلة بالأمير يزيد بن فرحان أوّل من أمس وجولته على الرؤساء الثلاثة ولقائه بالكثير من القيادات السياسية ممهداً الطريق لزيارة بارّاك ولتنفيذ ورقته حول حصر السلاح بيد الدولة، فما هو مصير هذه الملفّات؟ وما هي انعكاساتها وتداعياتها المرتقبة؟

ليست مصادفة أن تتزامن المفاوضات في مصير الجبهات العسكرية السياسية المفتوحة في طول المنطقة وعرضها. يلتقي بنيامين نتنياهو الرئيس دونالد ترامب الإثنين في واشنطن لبحث وقف حرب غزّة، ومآل الحملة العسكرية المشتركة على إيران. قد يشهد الأسبوع المقبل استئناف التفاوض الأميركي الإيراني في أوسلو على النوويّ وربّما غيره.

أوّل من أمس التقى وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بالرئيس الأميركي، وبعد خروجه من الاجتماع تسرّبت معلومات عن اتصال أجراه الوزير السعودي بنظيره وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الإيراني.

يصل الإثنين المقبل إلى بيروت السفير الأميركي في تركيا، موفد ترامب إلى سوريا ولبنان توم بارّاك، لمناقشة خطّة العمل اللبنانية لتنفيذ ما ورد في الورقة التي كان سلّمها للقادة اللبنانيّين في 19 حزيران وعنوانها الأوّل سحب سلاح “الحزب”. ولمناقشاته معهم إطلالة على علاقة لبنان وسوريا التي وضعت شروطاً لأيّ تطبيع مع تل أبيب.

هل يستغلّ نتنياهو التّهدئة بغزّة؟

أكثر ما يقلق أوساطاً سياسيّة تراقب بدقّة التأثيرات الإقليمية أن “يأخذ نتنياهو راحته في عمليّاته العسكرية ضدّ البلد وضدّ “الحزب”. الخشية هي أن يستغلّ تأخّر الدولة اللبنانية في تلبية مطلب سحب سلاح “الحزب” الدولي، مقابل تجاوبه مع “الحزم” الذي تعهّد ترامب به معه بشأن اتّفاق وقف النار 60 يوماً وتبادل أسرى ورهائن في قطاع غزّة. تتخوّف هذه الأوساط من أن يستغلّ نتنياهو التشدّد الذي عبّر عنه “الحزب” في مواقفه المعلنة، حيال خطّة تسليم سلاحه الثقيل، لشنّ ضربات موجعة لبناه التحتيّة العسكرية، تشمل البنية التحتيّة المدنيّة اللبنانية شمال نهر الليطاني. هذا على الرغم من تأكيد أكثر من مرجع عالٍ لـ”أساس” مرونة “الحزب” في بحث تسليم سلاحه، لكن بشرط ضمان انسحاب إسرائيل من التلال الخمس التي يحتلّها جيشها، وهو ما كان بارّاك وعد بالسعي إلى تنفيذه مع ترامب، علاوة على الإفراج عن أسرى “الحزب” لديها ووقف قصفها واغتيالاتها لكوادره.

ثمّة مؤشّرات إلى أنّ إدارة ترامب لن تمنع نتنياهو من الاستمرار في الضربات العسكرية على لبنان ومواقع للحزب واغتيال المنتسبين له إذا استمرّت مناورات تأجيل البحث بسلاح “الحزب” من الجهة اللبنانية. والعقوبات الجديدة التي فرضتها الخزانة الأميركية أوّل من أمس على أشخاص من “الحزب” ومؤسّسة “القرض الحسن” تذكّر بأنّ واشنطن تضع هدف تجفيف تمويل “الحزب” في مصافّ نزع السلاح.

إنجاز الخطّة بانتظار جواب “الحزب”

بالمقابل أنجز رؤساء الجمهورية العماد جوزف عون والبرلمان نبيه بري والحكومة نوّاف سلام خطّة التعاطي مع اقتراحات توم بارّاك. تسلّمها “الحزب” لإبداء رأيه فيها، هذا إذا لم يكن قد فعل. أخذت لجنة الصياغة الممثّلة للرؤساء الثلاثة بمبدأ الخطوة مقابل خطوة الذي اقترحه عون على بارّاك فتفهّمه، واقتنع به برّي وسلام. يتضمّن جدولاً متزامناً تطابقت عليه آراء الرؤساء الثلاثة بالكامل. توفّر الخطّة الضمانات كافّة لمصلحة نهوض لبنان لسنوات مقبلة، بكلّ الملفّات، من السلاح إلى اعتداءات إسرائيل وإعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي.

كلام الغرف المغلقة يخالف المعلَن

هناك قناعة بأنّ “الحزب” يؤخّر وضع أوراقه على الطاولة للتفاوض على مقابلها. ومداولات الغرف المغلقة تخالف المواقف المعلنة لقادته برفض تسليم السلاح، عبر الوقائع الآتية:

الإشارات التي سمعها معنيّون من برّي، شريك “الحزب” وحليفه الرئيس، و”الأخ الأكبر”، عن أنّه لا بدّ من تنازلات في شأن سلاح “الحزب”. قرأ برّي التحوّل بموازين القوى بعد الحملة العسكرية الأميركية الإسرائيلية على إيران، وقبلها. التقط انفتاح بارّاك عليه للحصول منه على الانسحابات مقابل التخلّي عن السلاح تدريجاً. الرئيس عون استند إلى التجربة الإيجابية مع “الحزب” في جنوب الليطاني.

ليس بين ليلة وضحاها

إضافة إلى تلمّس المراجع الرسمية استعدادات “الحزب”، كما أكّدت لـ”أساس” جهات دبلوماسية أجنبية تحاور قيادته أنّها سمعت منها الاستعداد لبحث تسليم السلاح. هذه الجهات مقتنعة بأنّ ذلك “لن يحصل بين ليلة وضحاها، على الرغم من أنّ الدولة اللبنانية تأخّرت خمسة أشهر عن مقاربة الأمر. هو يحتاج إلى حوار كان يجب أن يبدأ قبل أشهر، والمهمّ الآن أن يثمر خطّة تطبيقيّة. هناك حاجة إلى تحديد واضح للمراحل التي تنصّ عليها الخطّة. نحن في شهر تمّوز ولا بدّ من وضع أفق زمني يمتدّ إلى الخريف المقبل”. من حسنات ورقة بارّاك أنّها حملت الرؤساء الثلاثة على التعاون لوضع الخطّة. يتقاطع الاقتناع بالحاجة إلى الوقت للتنفيذ مع تذكير مرجع لبناني بأنّ الإجراءات العملانيّة يجب أن تتناغم مع قدرات الجيش اللبناني. الصواريخ الثقيلة مثلاً تتطلّب قدرات معقّدة، حسب كميّتها، لنقلها أو تفكيكها أو تفجيرها، وفق جهوزيّة سلاح الهندسة في الجيش، فالأمر لن يتناول السلاح الخفيف الذي لا يقلق إسرائيل.

الدّور الشّيعيّ في النّظام؟

تضيف الجهات الدبلوماسية المطّلعة على بنود ورقة بارّاك: المنتمون إلى “الحزب” موجودون ولا يمكن أن نقول لهم “أعطونا السلاح واذهبوا إلى البيت. هذا غير واقعي. الأرجح أنّه سيؤدّي إلى نسخة جديدة من “الحزب”. هذا ما تدلّ عليه التجارب الأخرى في أنحاء أخرى في العالم”. لذلك تنصح بحوار وطنيّ يسهّل الانتقال بلبنان إلى مرحلة جديدة بقرار جماعي، يسمح وفق قولها بحصول الطائفة الشيعية المتوجّسة من إضعاف موقعها، على دور أكثر فعّالية في النظام السياسي. فهي تشعر أنّها متروكة لأن لا إمكانات للدولة لتمويل إعادة إعمار الجنوب والضاحية الجنوبية.

التّفاوض مع إسرائيل… ودور الرّياض والدّوحة

تذكّر الجهات الدبلوماسية الأجنبية بأنّه لا بدّ من مواكبة خطّة نزع السلاح بتشكيل لجان يشارك فيها دبلوماسيون أو من المستوى السياسي اللبناني والإسرائيلي. يتطلّب البحث في تحديد الحدود بين لبنان وإسرائيل هذه النقلة. لكنّها تعود لتجزم بأن لا علاقة لها بالتطبيع أو الانتقال إلى السلام بين الدولتين.
ثمّة مواكبة عربية لمناقشات خطّة تسليم السلاح، بموازاة اعتقاد أوساط سياسية محلّية أنّ البلد متروك عربيّاً. حضور الموفد السعودي المكلّف بالملّف اللبناني الأمير يزيد بن فرحان أوّل من أمس أساسي في هذه المواكبة. والجانب السعودي لعب دوراً مع واشنطن لتأخذ في الاعتبار التعقيدات اللبنانية الداخلية والإقليمية.

وليد شقير - اساس