الصحافة

سقط نظام الأسد في سوريا ليُبْعث في لبنان؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في 8 شباط 2022، زار الرئيس جوزاف عون حينما كان قائدًا للجيش مدينة طرابلس، بالتزامن مع واحدة من حملات إسقاط مُكثّف للسيناريوات "الداعشية"، وأطلق جملة مواقف أسّست مسارًا جديدًا في العلاقة المعقّدة بين المؤسسة العسكرية وأبناء الشمال "المُحافظ"، والتي تعدّ في الأصل نتاجًا للعلاقة الملتبسة بين المركز والأطراف، المُختزلة بقنوات ضيّقة على حساب سياسات اندماج جديّة وفعّالة.

عقب اجتماعه يومها بمفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام وكبار العلماء، أكّد العماد جوزاف عون أنّ "لدار الإفتاء دورًا تاريخيًا واجتماعيًا وسياسيًا ووطنيًا ولا سيّما في المحطّات المفصلية"، رافضًا بحزْمٍ وصْمَ العاصمة الثانية بـ "الإرهابية"، داعيًا الفاعليات الدينية إلى التعاون "لتوعية شبابنا وأبنائنا من مخاطر الانزلاق إلى المخدّرات والجريمة والإرهاب".

مذّاك، انطلق مسار من التعاون المثمر بين المؤسسة العسكرية ودار الفتوى، نجح في احتواء عمليات تجنيد الشباب، الجديّة منها والمُبالغ فيها وحتّى تلك المفبركة، وهي الكبرى، التي تقف خلفها أطراف أمنية أو حزبية.

ومع ذلك، فإن أعراض الإدمان على صناعة الإرهاب لا تزال باديةً لدى بعض الأجهزة والقيادات الأمنية، لأسباب تتّصل بالتنْشئة والولاءات الفئوية على حساب الولاء للدولة، والرغبة في عقد صفقات ذات طابع سياسي، بما يقود إلى استمرار سياسات الاضطهاد ضد السنة، عبر ممارسة الاعتقال التعسّفي والإخفاء القسري، بالاتّكاء على "وثائق الاتصال" غير القانونية، واستخدام المحكمة "العرفية" العسكرية كأداة تجعلها إحدى النسخ الحداثية لـ "محاكم التفتيش" الشهيرة.

وإذا كانت تلك السياسات تقْتات من التعاون السلبي للنخب السنية والوطنية لأسباب لا تغيب عنها المصالح الشخصية وفقدان الغطاء السياسي الصلب، إلّا أنّ المذكرة التي أصدرها رئيس الحكومة نواف سلام القاضية "بالعمل الفوري على إلغاء جميع وثائق الاتصال ولوائح الإخضاع وتجريدها من أي مفاعيل" كان يجب أن تكون لحظة النهاية لهذا الاضطهاد غير المبرّر.

بيد أنّ بعض الأجهزة الأمنية راحت تتحدّى سلطة رئيس الحكومة وتمتنع عن تنفيذ المذكرة، غير عابئة بالقوانين التي تجعلها خاضعة لإمرة المؤسّسة السياسية، ومقيّدة بتنفيذ السياسات العامة الصادرة عن مراكز القرار ذات الصلاحية. لو كنّا في دولة طبيعية لكان من المفترض محاكمة المسؤولين عن هذا التحدّي، لكن إرث الوصايات لا يزال يُرخي بثقله، حيث يبدو وكأنّ نظام الأسد سقط في سوريا ليُبْعث في لبنان.

فالأجهزة التي تعتقل سنيًّا بناء على وشاية من مخبر مغرض، هي نفسها من سهّلت عبور قيادات ذاك النظام وزبانية ميليشياته المذهبية وأبناء عائلة الأسد. ومنهم وسيم الأسد الذي استُدرج إلى فخّ الاعتقال من مكان إقامته في لبنان، وهو الذي لديه مع فرعه العائلي من الأسرة الطاووسية إرث من جرائم السلب إبّان حقبة الوصاية البغيضة.

وبعضهم اتّخذ من لبنان ممرًّا، مثل "جزّار حماة" رفعت الأسد، والبعض الآخر مقرًّا، مثل المجرم مقداد فتيحة، ليعود فيشنّ غارات قتل في سوريا، بما يمنح مصداقية لما قيل سابقًا من بعض الأطراف المعنية، إنه منوط بجهاز أمني مهمة حماية مشروع توسّعي على حساب وظيفته الأساسية.

ومع ذلك، فإنّ الثقة تبقى معقودة على "عهد" من اختار تقديم روحية القوانين على حدودها الجامدة لإنتاج سياسات تشاركية مع القوى المجتمعية الفاعلة للوقاية من الوقوع في الخطأ، ترسّخ قواعد الشراكة الحقيقية في دولة تشكّل ضمانة لجميع أبنائها دون تمييز على قاعدة "الدين لله والوطن للجميع"، بالتكافل مع حكومة قاضٍ إصلاحيّ يتأبّط القانون والدستور في عقله ونهجه وخطابه، ويلزم بهما نفسه أوّلًا.

بيد أنّ هذه الثقة لا بدّ أن تُدعّم بجبهة ضغط فاعلة لمأسسة توازن يجْبه الضغوط الموازية للجهات القيّمة على هذا الإدمان. وهذا ما دفع بمجموعة من المحامين والحقوقيّين والناشطين إلى تجميع الجهود ضمن ائتلاف "السيادة والعدالة"، بدعم من النائب السابق مصباح الأحدب، الذي كانت له جرأة تحدّي هذا الاضطهاد في عزّ هيمنة النظام الأمني السوري – اللبناني بمواقف دفع ثمنها غاليًا.

يعتزم هذا الائتلاف الادّعاء على كلّ جهاز أمني يفبرك الملفّات ويعمل بـ "وثائق الاتصال"، في مسعى يروم إخراج هذه المواجهة المستمرّة منذ سنوات من الإطار الفردي غير المتكافئ إلى إطار جماعي أكثر تأثيرًا، وتأكيد أنّ السنة "أهل دولة" يواجهون بالقانون وحده سياسات الاضطهاد. وينوي الذهاب بعيدًا في هذه المنازلة مع "بقايا" دولة الأجهزة، واثقًا بانضمام كُثُرٍ إليه في هذا الدرب الشائك.

سامر زريق -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا