تباين شيعي؟!
في ظلّ الحرب الدائرة حاليًا بين إيران وإسرائيل، يتصاعد الجدل في لبنان حول انعكاسات هذا الصراع الإقليمي على الوضع الداخلي، وخصوصًا على الطائفة الشيعية التي تُعدّ من أبرز المكوّنات السياسية والاجتماعية في البلاد.
مصادر نيابية ودبلوماسية تحذّر من أنّ أيّ انخراط مباشر للبنان في هذا النزاع قد يؤدي إلى عواقب خطيرة تمسّ استقراره الداخلي ووحدته الوطنية، وقد يُحدث هزّة داخل البنية السياسية للطائفة الشيعية نفسها. هذه التحذيرات جاءت متزامنة مع تصريحات واضحة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أكّد أنّ لبنان لن يكون طرفًا في هذه الحرب، مجدّدًا التزامه بسياسة الحياد بقوله: "200 % لن نتدخّل". ويُفهم من موقف بري أنه دعوة صريحة لتجنيب لبنان الانزلاق إلى صراعات إقليمية.
التباين داخل الطائفة الشيعية يعكس وجود رؤيتين رئيسيتين: الأولى، تُنسب تاريخيًا إلى الإمام موسى الصدر، الذي شدّد على أن استقرار لبنان وحمايته أولوية، مع الحفاظ على الموقف الثابت ضد إسرائيل، ولكن من دون التورّط في حروب لا تخصّ لبنان مباشرة. ووفق هذه الرؤية، فإن سقوط أي نظام داعم للشيعة في الخارج لا يعني بالضرورة تراجع مكانة الشيعة في الداخل اللبناني.
الرؤية الثانية، تمثّلها مواقف بعض قيادات "حزب اللّه"، مثل الشيخ نعيم قاسم، الذي يعتبر أن الوقوف إلى جانب إيران ليس مجرّد التزام عقائدي أو سياسي، بل ضرورة استراتيجية. فهو يرى أنّ أيّ ضعف تتعرّض له إيران سينعكس سلبًا على "حزب اللّه" ودوره وموقعه في لبنان.
هذا التباين في المواقف لا يعكس انقسامًا داخليًا، بقدر ما هو اختلاف في طرق التعامل مع التحدّيات الإقليمية، وفي تصوّر دور لبنان ضمن مشهد متقلّب. فبينما تدعو بعض الأطراف إلى النأي بالنفس، تعتبر أخرى أنّ التحالفات الإقليمية مسألة وجودية.
النقاش داخل الطائفة الشيعية هو مرآة للانقسام الأوسع في لبنان بين من يريد الحفاظ على سياسة النأي بالنفس، ومن يرى أن الاصطفاف في المحاور الإقليمية هو جزء من معركة بقاء. وفي ظلّ استمرار الحرب بين إيران وإسرائيل، يبقى التحدّي الأكبر للطائفة الشيعية – ولبنان ككل – هو تجنّب أن تتحوّل أرضه إلى ساحة تصفية حسابات الآخرين.
وفي هذا السياق، يرى بعض المراقبين أنّ الجدل داخل الطائفة الشيعية لا يمكن فصله عن التحوّلات الإقليمية والدولية التي باتت ترسم ملامح جديدة للمنطقة. فالتقارب الإيراني مع بعض الدول الخليجية، ومحاولات إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية، تضع الطائفة الشيعية أمام تحدي إعادة تعريف موقعها ومصالحها، بعيدًا من الاصطفاف الأوتوماتيكي مع المحاور التقليدية. وهذا ما يعزّز الحاجة إلى خطاب داخلي يعكس تنوّع الرؤى والمقاربات داخل الطائفة، بما يسمح ببناء موقف وطني يحمي لبنان من تداعيات النزاعات الكبرى.
ختامًا، يظهر أن الطائفة الشيعية في لبنان تقف اليوم أمام مفترق طرق دقيق، يتطلّب توازنًا بين الانتماء الإقليمي والحسابات الوطنية. فبين من يرى في الدعم لإيران حماية استراتيجية، ومن يفضل تحصين الداخل اللبناني وتحييده عن صراعات الخارج، تتبلور معادلة جديدة تبحث عن صيغة تحفظ مكانة الطائفة وتمنع في الوقت نفسه انزلاق البلاد نحو حرب لا تملك أدوات خوضها. وفي ظلّ تصاعد التوترات، ستكون للخطاب العقلاني والواقعي الكلمة الفصل في توجيه دفة الموقف الشيعي والوطني على حد سواء، لتفادي أن يكون لبنان من جديد ضحية نزاعات تتجاوزه حجمًا ومصلحة.
ناديا غضوب -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|