الصحافة

لا تجعلوا السكّين تحزّ في عنق الوطن

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في ضوء التطورّات الرّاهنة التي ترسم أفق الشّرق، وفق معادلات جيوسياسية جديدة، وترفع السّتار عن مشاهد مذهلة، ضحايا، ودمار، وخوف على المصير، وهجرة ونزوح، وفتك، وتفجير آمال، وقلق في رحاب الحرب… ولا سبيل للتحكّم فيها، أو استشراف لنهايتها، تذهب الهواجس الى طرح الإشكالية التي لطالما تُطرَح في الملمّات، وهي : أيّ موقف مُلزِم يلجأ إليه الوطن، حتى لا يصبح ريشةً في مهبّ الصّراع الكارثيّ بين وَحشَين، وينأى عن الخطر الدّاهم الذي يمكن أن يهدّد وجوده بالذّات ؟؟؟

ما يحصل، في الإقليم، من نزاع مُرهِق يمزّق السّلم وأمان النّاس، ويطال خطره لبنان من جملة ما يطال، حسبُنا أن نذكّر المتعاطين بالشّأن العام، عندنا، من رسميّين وقادة شعبيّين، بأنّ “أرسطو” اعتبر السياسة أشرفَ المِهن، لأنّها تخدم النّاس، بمعنى أنّها تأخذ بالحسبان مصالح هؤلاء، ومصيرهم، ورعاية حضورهم بعيدًا عن أيّ أذًى. لذلك، على القيّمين أن يعلنوا، صراحةً وبسرعة، واستنادًا الى تعريف ” أرسطو “، موقفًا واعيًا نوعيًّا، وطنيًّا وأخلاقيًّا، يحدّد أنّ لبنان كيان محايد، مسالم، لا ينتمي الى مِحوَر، ولا يدخل طرفًا في صدام بين فرقاء. وهكذا، فلا مجال للمكابرة، والتعنّت، وزجّ البلاد في أتون لا خلاص له من ناره، فذلك أَشبه بجعل الوطن يسير على حبلٍ فوق هاويتَين، كلاهما مُميت : فإمّا أن يُقتَل، أو ينتحر.

لن يقبل الشّعب بأن يدفع لبنان ضريبة الحرب الدّائرة، والتي لا علاقة له بها، بتاتًا، كما زُجَّ به في حرب الإسناد العبثيّة التي أتت شراستها على الأخضر واليابس، وطال أذاها البشر والحجر. لن يقبل الشّعب بأن يَضرب المستقوون بسلامة الناس عُرضَ الحائط، ويسوقوا الوطنَ الى الذّبح، كرمى لِعَين خارجٍ لم يلقَ البلد منه إلّا الآفات، والتدخّل العَكِر، وتطويع قراره لتوظيفه ورقة تفاوضية مع ” شيطانه الأكبر ” !!! لن يقبل الشّعب بأنّ الذين عاثوا فسادًا، ودمّروا الشّرعية، وأطاحوا بالنّظام، وداسوا الميثاق، أن يستكملوا تدمير الوطن، ظنًّا منهم بأنّهم يخوضون حربًا مقدّسة.

إنّ الشّعب يريد دولة مستقرّة، ولا استقرار بدون حياد، فالكلّ يعلم بأنّ لبنان سريع العَطب، يتحوّل، بتدخّلٍ من الخارج، من أمّةٍ الى أُمَم، ومن هويّة جامعة الى بؤرة هويّات تتذابح، ومجريات العقود الفائتة خير برهان. إنّ قلّة الدراية لدى البعض المستقوي بسلاح غير مشروع، من شأنها، إذا جرَّت البلد الى مواجهة عسكريّة، دعمًا لإيران، أن تهدم لبنان على مَن فيه. فإذا كان المستقوون أعداء أنفسهم، لا يدرون ما يفعلون، فالشّعب لن يقبل أن يُجَرَّع السُمّ، وأن يَفرُط الوطن تزكيةً لغَريب، ويدفع الثمن الباهظ على غير طائل. فإمّا أن يكون لبنان حالة حياديّة ذات خصوصيّة ” سلاميّة “، وإلّا فهو ” عالة ” إقليميّة في طريق الزّوال !!!

لقد بات معروفًا أنّ إيران تخطّط للثّأر، وذلك بإشراك أذرعها في مواجهة غير محسوبة، ومن أذرعها حزب الله في لبنان، ما يُلقي الريبة والحذر في نفوس النّاس. ومِمّا لا شكّ فيه، أيضًا، أنّ هوّةً سحيقة تفصل بين تهوّر الحزباللّاويّين الذين تسوقهم أدلجتُهم الى الانتحار الذي يسمّونه استشهادًا، ولكن ليس على طريق القدس، بل على طريق إيران، وبين سائر اللبنانيّين العقلاء الذين يقرأون التّاريخ، ولا سيّما القريب زمنيًّا، ويدركون أنّ أيّ مشاركة عسكريّة من داخل الوطن تعني زجّ لبنان في رمال الحرب المتحرّكة، ومصيره الدّمار الكلّي.

إنّ الموقف الاستراتيجي المطلوب، أي الحياد، وهو حلٌّ على ” البارد “، ينبغي أن تباشر الدولة بإعلانه، على الفور، ومن دون تحفّظ، كما يُطلب من اللّوبي اللبناني في الولايات المتحدة أن يتحرّك، دبلوماسيًّا وإعلاميًّا، باتّجاه الفاعلين في الإدارة الأميركية، للمساعدة في أن تقرّ الأمم المتّحدة نظام الحياد في لبنان، ما يُبعد عنه كابوس الحروب، ويرسّخه واحة سلام وأمان.

في هذه المنطقة الحسّاسة من العالَم، ليس مقبولًا أن يكون لبنان بؤرة توتّر، وفاءً لأهداف المرتزقة المؤَدلَجين، أخصام الوطن، والسّاعين الى تقويض الكيان والهوية، وسَلخ البلد عن محيطه العربي، التزامًا بمصالح ومطامع لم تعد خافية على أحد. إنّ أمام لبنان فرصة يتيمة، عليه أن يتلقّفها، سريعًا، بإعلان الحياد الذي، وحده، يعيد البلد سليمًا مُعافًى، وإلّا بئس المصير

بقلم : الدكتور جورج شبلي

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا