مفاعل نواف سلام الحكومي
هل ارتكب وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي "معصية" في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء عندما اقترح ان تأخذ الحكومة موقفاً من كلام الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم يرفض البيان الصادر عن الأخير والذي لوّح مجددًا بتدخل "الحزب" عبر لبنان نصرة للنظام الإيراني؟
أتى البيان الصادر عن رئيس الحكومة نواف سلام بعد الجلسة التي انعقدت برئاسته بجواب على هذا السؤال بما أوحى أن الوزير رجيّ قد ارتكب فعلًا مثل هذه "المعصية" لأنه طالب بموقف حكومي جامع ردًّا على قاسم وعدم الاكتفاء بتبرير سلام الذي قال إنّه سبق واتخذ هذا الموقف وهذا يكفي. لكن وزير الخارجية لم يقتنع بتبرير رئيس الحكومة فقال إن موقف سلام كان فرديًا وهو لا يمنع أن تتخذ الحكومة مجتمعة موقفًا حاسمًا.
وردت تفاصيل عدّة حول هذه الواقعة في صحف أمس السبت والتي يمكن العودة اليها. لكن لا بد من القول إنّها الواقعة الأولى من نوعها وبخاصة في جلسة ترأسها نواف سلام الذي اكتسب في الشهور الأخيرة نجومية بسبب اتخاذه مواقف متقدّمة من ملف سلاح "حزب الله" ما دفع أنصار الأخير في واقعة مدينة كميل شمعون المشهورة الى الهتاف ضدّه واتهامه بانه "صهيوني".
واكتسب وزير الخارجية بدوره وقبل أي مسؤول في السلطة التنفيذية التي انبثقت عن عهد الرئيس جوزاف عون، منذ بداية العام الجاري، شهرة متقدّمة بأنه رافع لواء تطبيق القرار 1701 بلا لفّ ولا دوران كي ينجح تطبيق وقف اطلاق النار الذي فتح مسارًا لعودة السلام الى لبنان. ويحتاج المرء الى جهد لتعداد المرّات التي شنّ فيها "الحزب" وشلّة الممانعة حملات على رجي لأنه قال بوضوح كامل بنزع سلاح "حزب الله" على كل الأراضي اللبنانية.
ساد اقتناع حتى واقعة الجلسة الأخيرة في السراي أن رجلَي القرار 1701 بامتياز هما سلام ورجي. فهل حدث أمر ما بدّل اتجاهات رياح السلطة التنفيذية على مستوى الرئاسة الثالثة؟
يأمل محبّو السلطة التنفيذية عمومًا وسلام خصوصًا، أن يكون ما حصل في السراي أخيرًا سحابة صيف وتمضي في سبيلها لكي تنقشع الرؤية مجدّدًا سياسيًا ووطنيًا. لكن هؤلاء المحبين واجهوا مجددًا امتحانًا مع رئيس الحكومة نفسه الذي سبق له وخاض مواجهة في جلسة الحكومة التي ترأسها الرئيس عون وانتهت الى تعيين كريم سعيد حاكمًا لمصرف لبنان بعد طرح تعيين الأخير على التصويت فكان سلام ومؤيدوه من الوزراء، من الخاسرين.
ماذا لو تصرّف سلام في الجلسة الأخيرة للحكومة، كما فعل في جلسة تعيين المركزي وقبل بإعطاء الفرصة للتصويت على ما اقترحه رجي ولو أدّى ذلك الى خسارة صاحب الاقتراح ومن أيّده من الوزراء؟
جاء الجواب من بيان سلام بعد الجلسة ليقول أمورًا يجب توضيحها من أجل مستقبل العمل الحكومي، الذي سيواجه تجارب ربما تكون أشدّ وأدهى من تجربتَي جلستَي تعيين حاكم المركزي واقتراح وزير الخارجية.
يقول بيان سلام الآتي: "استغرب رئيس الحكومة نواف سلام الكلام المنسوب إلى أحد الوزراء بأنّه رفض أن تصدر الحكومة موقفًا ضدّ توريط لبنان في الحرب الدائرة، بينما كان الرئيس سلام قد شدّد أكثر من مرّة على أنّ الموقف اللبناني ثابت في رفض زجّ لبنان أو إقحامه بأي طريقة من الطرق في الحرب الإقليمية الدائرة"، مذكّرًا بأن "مواقفه تعبّر عن سياسة الحكومة، وهو المخوّل دستوريًا النطق باسمها". وطالب الجميع بـ "الترفّع عن المزايدات في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ بها البلاد".
واستتبع البيان أسئلة وهي:
-يقول سلام إنه "شدّد أكثر من مرّة أنّ الموقف اللبناني ثابت في رفض زجّ لبنان او إقحامه بأي طريقة من الطرق في الحرب الإقليمية الدائرة". فهل من ضير أن يشدّد مرّة أخرى، ولكن هذه المرّة في موقف صادر عن الحكومة التي يترأسها؟
-يقول سلام إنّ "مواقفه تعبّر عن سياسة الحكومة، وهو المخوّل دستوريًا النطق باسمها". هل نفهم من ذلك أنّه ممنوع على وزير في الحكومة أن يطرح أمرًا ما له علاقة بـ"سياسة الحكومة" باعتبار أن هذا شأن ليس له علاقة به بل يتصل برئيس الحكومة المخوّل دستوريًا النطق باسمها"؟
-يقول سلام في ختام بيان للجميع بـ "الترفّع عن المزايدات في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ بها البلاد". هل هناك غير رجي مقصود بـ"المزايدات"؟ واذا كان وزير الخارجية هو من يقصده بيان سلام، فهل صارت المطالبة بموقف جامع للحكومة بالردّ على بيان الأمين العام لـ"حزب الله" تدخل في باب "المزايدات"؟ وحبّذا لو يقل لنا سلام ما هي "المناقصات" عندئذ.
لا نحتاج الى شهادات علميّة كالتي يحملها سلام كي نقول بلا تردّد أن رجي كان على حق في اقتراحه. ولم يقل أحد منذ أن أبصر دستور لبنان النور قبل قرن تقريبًا أن رئيس الحكومة هو "المخوّل" وحده ولا يحقّ لسواه أن يتطرّق الى أخطر شأن يتّصل بكيان هذا البلد أي شأن السلم والحرب الذي أكد نعيم قاسم في بيانه الأخير انه لا يزال حزبه هو "المخوّل" بشأن السلم والحرب في لبنان.
ما رأيك يا دولة الرئيس أن تقول لكلّ اللبنانيين إنّه لا يحق لهم دعوة الحكومة وفي أول جلسة تعقدها الحكومة أن تصدر بيانًا وفق اقتراح الوزير رجي برفض بيان نعيم قاسم جملة وتفصيلًا والتأكيد على أن قرار السلم والحرب هو حصريًا قرار الدولة. هل ستقول لهم، إنك "المخوّل" ونقطة على السطر؟
حقًّا، إن واقعة الجلسة الحكومة الأخيرة كانت بمثابة "مفاعل حكومي" كشف عنه سلام يجري فيه تخصيب مواقف لم نسمع بها من قبل!
أحمد عياش - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|