الرياض وبيروت... من الرعاية الى إعادة التقييم
بعد سنوات من العلاقة الوثيقة والتاريخية التي جمعت بين لبنان والمملكة العربية السعودية، مرت فيها العلاقات بين البلدين بتحولات دراماتيكية، لا سيما خلال السنوات الاخيرة، ورغم بعض مؤشرات الانفتاح الظاهري، لا تزال العلاقة بين الطرفين تمر في حالة من "البرودة السياسية" الواضحة.
فقد أدت المملكة لعقود دور الداعم الرئيسي للدولة، خاصة في مجال اعادة الاعمار بعد الحرب، ودعم الجيش اللبناني والمؤسسات، الى ان كشفت ازمة استقالة الشيخ سعد الحريري من الرياض عام 2017 حجم الخلل الذي وصلت اليه العلاقة، وحجم التصدع الذي لم ترممه "المجاملات الديبلوماسية"، والذي انتج ابتعادا "استراتيجيا سعوديا" عن لبنان.
مصادر مواكبة للعلاقات اللبنانية – السعودية، كشفت ان الرئيس المصري وعبر الفرنسيين، نجح في تحقيق خرق كبير في جدار "المقاطعة" السعودية للبنان، واعاد الرياض الى الساحة، عبر تسوية قادت الى تشكيل سلطة وعهد جديدين، كانت المملكة عرابتيهما الفعلية، من خلال الامير يزيد بن فرحان والسفير في بيروت وليد البخاري، اللذين ادارا الولادة القيصرية "للعهد العوني الثاني"، باشراف مباشر من الامير محمد بن سلمان.
غير ان العودة السعودية سرعان ما اصطدمت ببطء الحركة في لبنان، وعدم قدرته على مجاراة سرعة التغيير المطلوبة دوليا وعربيا، ما انعكس تراجعا لدى الجهات الداعمة، ومزيدا من الاصرار، ترجمته المملكة في اجتماع باريس الثلاثي، برفضها الطرح الفرنسي، وباعطاء جرعة دعم وفترة سماح جديدة.
وترى المصادر ان "النقزة" السعودية تعود لثلاثة اسباب اساسية:
- الاول: عدم وجود رؤية واضحة للاصلاح لدى السلطة، حيث المراوحة بدأت تترسخ والإصلاح يتأجل، وسط انتقادات دولية، لبطء دوران عجلة الدولة وتعثرها أحيانا.
- الثاني: "الهزهزة" التي اصابت التسوية الاقليمية – الدولية التي قام العهد على اساسها.
- التاخير في انجاز ملف حصر السلاح بالدولة ومؤسساتها.
وتكشف المصادر ان الرياض بدأت تحضر لاطلاق مسار جديد على صعيد العلاقة بينها وبين الشارع السني اللبناني، بعد فترة "جفاء"، حيث علم ان القيادة في الرياض ارسلت عبر صديق مشترك لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري، طالبة اليه العودة الى المملكة والاقامة في قصره، تاركة الموضوع السياسي لمرحلة لاحقة، بانية "استراتيجيتها" الجديدة انطلاقا من نفس الشارع السني الذي ظهرته اكثر من محطة.
وتتابع المصادر بان الرياض "فرملت" اندفاعتها اللبنانية، نتيجة اكثر من عامل، وهي باتت أكثر تماهيا مع الخيارات الاميركية، تحديدا في ملف الاصلاح، الذي ابلغت به صراحة القيادات اللبنانية، والذي بنظر المملكة ما زال دون المستوى المطلوب، لذلك كان غض النظر عن رفع حظر سفر رعايا المملكة الى بيروت، والاهم توقيع الاتفاقات التجارية والاقتصادية، التي روج له المسؤولون اللبنانيون ووضعوا لها تواريخ، بقيت في الاعلام فقط.
وعلى هذا الصعيد، ترى المصادر ان مسألة الفساد والاصلاح تعتبر اساسية وشخصية بالنسبة للامير محمد بن سلمان، هو الذي خاض حربا في هذا الخصوص قادته الى اعتقال امراء وقيادات المملكة، التي بينت التحقيقات معهم، كم الهدر المالي الكبير الذي صرف في لبنان على انه مشاريع ومساعدات، فيما كان يذهب لمصلحة منافع شخصية لشبكات تعمل بين المملكة ولبنان، وهو السبب الاساس الذي وقف حاجزا امام الاستثمار السعودي في بيروت.
وختمت المصادر مبدية اعتقادها بان الاوضاع الاقليمية كان لها دور اساسي ايضا في تراجع حماس المملكة، مقابل اندفاعة كبيرة على الساحة السورية، بطلب ودعم غربي واميركي تحديدا، وهو ما سيكون له تداعيات خطرة جدا على مستقبل الوضع الاقتصادي اللبناني.
عليه، فان الرياض تعتمد اليوم مقاربة تقوم على ان لا فائدة من المال او دعم لبنان كما كان يحصل سابقا، الا وفقا للمعادلة الجديدة : " المساعدات = اصلاحات + سيادة متوازنة"، وهو ما افصحت عنه القيادة في المملكة صراحة للقادة اللبنانيين الذين زاروها، ضمن طابع "استطلاع نيات" اكثر منها خطوات عملية.
في الخلاصة، يمكن القول ان العلاقات ستبقى محدودة التفاعل في غياب ملفات تعاون فعالة، خصوصا ان لا حليف لبناني واضح للرياض اليوم، ما يعني غياب الدعم المالي المباشر، وعدم ضخ اموال الا بشروط واضحة وتنسيق دولي، في ظل اعتبار الرياض لبنان ساحة نفوذ مفتوحة، يصعب تغييره من الداخل دون تغيير قواعد اللعبة.
ميشال نصر - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|