كتل هوائية حارة نسبيا تسيطر على لبنان.. هكذا سيكون طقس الأيام المقبلة
ميقاتي وقميص زعامة الخراب المغمّس بالرياء والدماء
على هامش الحرب الإسرائيلية – الإيرانية، يبدو السنة في لبنان وكأنّهم في عالم موازٍ شديد الخصوصية، يتابعون التطورات ويتفاعلون معها كمن يحضر الـ "كلاسيكو" بين ريال مدريد وبرشلونة، فيما الجمهور المحافظ يستحضر ذكريات منتقاة من الإرث السياسي والديني تناسب أمزجته وانحيازاته المسبقة.
وبينما يكافح الرئيس نواف سلام من أجل تثبيت استعادة الدولة "قرار الحرب والسلم" للمرة الأولى منذ "اتفاق القاهرة" عام 1969، بعقلية رجال الدولة، وبواقعية المدرك حدود إمكانيات دولته وسط موج التحولات الجارف لأنظمة وأساطير، لم تصدر مواقف سياسية سنية صلبة لدعم حكومته، وانصب الاهتمام على الحسابات الضيقة وصغائر الأمور، التي تبرع في استخدامها بعض الشخصيات كأدوات للزعامة.
بيد أن التاريخ كما الذاكرة الجمعية يخلدان ذكرى القامات الكبيرة، من زعامات تركت بصمات غيّرت مصائر شعوب وأمم، ورجال دولة كان لديهم جرأة اتخاذ القرارات الصعبة في اللحظات المصيرية. لذلك نجد أن كل اللبنانيين يعرفون من هو رياض الصلح، مع أنه تولى رئاسة الحكومة مرتين، وبمدد قصيرة، لأنه كان من صنّاع الاستقلال، فيما قلة من يعرفون أنه ثمة 3 رؤساء آخرين من آل الصلح.
وعلى نطاق أوسع، فإنه من بين 36 سلطاناً قادوا الدولة العثمانية طيلة 6 قرون ونيّف، يحفظ الناس، ولا سيما المسلمون، اسم محمد "الفاتح"، لكن قلة من يعرفون أنه محمد "الثاني"، لأن الأول لم يكن من نجوم السلطنة، مع أنه أعاد تأسيسها وتثبيت دعائمها بعد انكسارها أمام تيمورلنك. كذلك ثمة أكثر من محمد بين السلاطين المتأخرين، لكن الناس يحفظون اسم عبد الحميد، وهو الثاني، ونادرًا أن تجد من يعرف شيئًا عن الأول.
والحال أن الرئيس "محمد" نجيب ميقاتي ينتمي إلى تلك الفئة من "المتأخرين"، إذ لا فروق جدية بين الأول والثاني والثالث، رغم أن كل نموذج دخل السراي الحكومي إثر عاصفة أحدثت تحولًا سياسيًا هائلًا. ربما كان الرجل الأنسب لهذه التحولات، لكونه بلا مشروع، وبلا مذهب سياسي واضح، وبلا حزب، وبلا قاعدة جماهيرية صلبة، والأهم بلا قضية. أما الوسطية التي يرفعها فهي التشويه بعينه. ذلك أن الوسطية هي طرح معتدل بين اتجاهات ومشاريع ونظريات متباينة، ولا تعني أبدًا المواقف المائعة، ولا الميل ذات اليمين أو الشمال.
يمثّل ميقاتي النموذج الأبرز لحجم التشوه الذي ضرب التمثيل السني وقزّم حضوره وتأثيره، فهو بارع ومتمكّن من أدوات الخراب، ويجيد توظيفها بمكر لضرب التحالفات السياسية والدينية والمجتمعية الناشئة، وخرقها وتشويهها لوأد أي حالة يمكنها أن تشكل خطرًا جديًا على زعامته الهشّة وتقويض فرصه في اقتناص عرش السراي.
يتعامل "الحاج" ميقاتي مع أهل مدينته، والسنة عموماً، بازدراء من "استخفّ بقومه فأطاعوه"، وتراه يجاهر بأنه "يشتري على الجاهز". قمة الإهانة لإرث السنة السياسي والدولتي أن يتشدق بامتلاك كتلة نيابية بلا انتخابات، من خلال تحويل السراي الحكومي إلى مكتب خدمات، متلذّذاً بضرب رمزية المقام السني الأرفع و"التمثيل" بكرسي جلس عليه رفيق الحريري. ناهيكم عن التباهي بتحميل الشيعة وزر اتفاق لوقف إطلاق النار يشكل التزامًا على الدولة واجب الإيفاء، لتبرير التخلي عن صلاحيات رئاسة الحكومة وجعلها "بوسطجي" بين الفاعلين الخارجيين والداخليين.
وصولًا إلى التفاخر بنفوذ بلدي "مجاني" من خلال تفخيخ اللوائح، وعرقلة انطلاقة العمل البلدي للقول "أنا الحاكم بأمره"، ثم الترويج بأن اتصالًا من "جناب دولته" حل الأزمة وصار الجميع "حبايب". وكأننا انتقلنا من "كلمة السر" زمن الوصاية البغيض، الذي فتح لميقاتي باب الوزارة، فالسياسة والزعامة، إلى القبول باتصال عابر كمرجع للقرار والحسم.
وانتهاءً بترويج موقع إخباري يموّله لخبر "اجتماع سري" بين الرئيس سلام ونواب تغييريين وشخصيات من "كلنا إرادة"، يعزف على وتر نظرية "المؤامرة" الأثيرة، للإيحاء بأن رئيس الحكومة ليس سيد قراره. منذ هزيمته المريرة في "موقعة التكليف"، لا ينفك ميقاتي عن انتقاد الحكومة، والتحريض ضد رئيسها سنيًا ومناطقيًا، سرًا وعلانيةً، لردّ اعتباره الشخصي المسحوق.
تصنع الزعامة الحقيقة وتفرض حضورها بالعمل والبناء وليس بتدمير المنافسين، بخطاب يلامس الهواجس ويمنح الأمل، ونهج يستقطب العقول لتكون شريكًا جديًا في صنع القرار. بيد أن من سجله حافل بالعمل في "أسوأ الأماكن على وجه الأرض"، والإثراء من الأزمات والحروب، من الطبيعي أن يبني زعامته على تعميم الخراب والتسلق فوق ركامه بقميص مغمّس بالرياء والدماء.
سامر زريق -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|