سخونة في الإقليم وصقيع في لبنان
اندلعت الحرب الأميركية على إيران على خلفية تعثر المفاوضات بين طهران وواشنطن. تريد واشنطن تفكيك البرنامج النووي الإيراني وهي تتقاسم بذلك الموقف مع دول الإتّحاد الأوروبي ودول منطقة الشرق الأوسط التي ترى في تحوّل إيران إلى قوة نووية تهديداً لوجودها واستقرارها. أشرفت واشنطن على إعداد لوائح الأهداف وأوكلت إلى إسرائيل تنفيذ المرحلة الأولى منها وفقاً للنموذج الذي تم أختباره في لبنان خلال حرب إسناد غزة التي خاضها حزب الله بتكليف من طهران.
نقلت إسرائيل الصدمة التي أحدثتها لحزب الله إلى إيران. العمليات المتتالية التي بدأت بتفجير أجهزة البايجر وبعدها اغتيال قادة الحزب وتدمير بنيته العسكرية الهامة، تكرّرت في إيران بوتيرة أسرع وبهجوم مركّب بالرغم من آلاف الكيلومترات التي تفصل بين الدولتين.
وبالرغم من الخسائر الجسيمة التي ألحقتها إسرائيل بمنظومات القيادة والسيطرة خلال اليوم الأول من حربها على طهران، لجهة اغتيال كبار القادة الأمنيين والميدانيين ومجموعة كبيرة من العلماء في البرنامج النووي، فإن الصدمة الكبرى ــــــــ في طهران اليوم كما كانت عليه في لبنان منذ أشهر ــــــــ تبقى في تمكّن إسرائيل من اختراق المنظومات الأمنية وتجنيد العملاء لدى حزب الله كما لدى الحرس الثوري بالرغم من التناحر في خطابهما الإيديولوجي المتطرّف.
فرادة هذه الحرب أنها تجري بين دولتين متطرفتين، لكل منهما أزماته التكوينية الخاصة وعجزه عن الإندماج في إقليم له جذوره وتاريخه. الحرب بين الدولتين وجودية، فما يجمعهما ويفرقهما في الوقت عينه هو الطموح في السيطرة على الإقليم، هذا ما يفسر ديناميتهما الدائمة في السعي لإذكاء الصراعات وخوض الحروب والإستثمار في قلق الأقليات وسعيّها لإقامةكيانات مستقلة. وهذا ما يقدم لهذه الحرب الزخم المطلوب للإستمرار بالرغم من الخسائر الفادحة التي تتكبدها كل من إسرائيل وإيران، وهو ما يفسر كذلك التماسك في الموقف الداخلي بالرغم من الإنقسامات البنيوية العامودية لدى كل منهما.
تعيش إسرائيل اليوم حلم تكريسها قوة إقليمية شريكة لواشنطن بعد انتصارها. يلاقي إندفاع تل أبيب لإثبات قدرتها على إخضاع إيران ما تصبو إليه واشنطن في تفكيك البرنامج النووي الإيراني، كما يلاقي تمسك طهران ببرنامجها النووي حلمها التاريخي بالسيطرة على المنطقة ودائماً تحت مظلة واشنطن بالرغم من المغامرة العسكرية المكلفة. لقد استطابت طهران ما حققته في الإتّفاق النووي التي توصّلت إليه مع الدول (5+1) في العام 2015 خلال إدارة الرئيس باراك أوباما. لقد أثار الإتّفاق الكثير من التساؤلات حول التنازلات غير المبرّرة التي قدّمتها الإدارة الأميركية حينها لطهران. يُستدل من الرسائل التي تبادلها في حينه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مع المرشد علي خامنئي أن أوباما تعمّد إبلاغه أن أميركا لا تشكِّل تهديداً للنظام في إيران رغم عدم اقتناع أميركا بديمقراطيته، ولا تهديداً لمصالحها في العراق وربما في سوريا، وأنها مستعدة للتعاون معها في هاتين الدولتين لإيجاد التسويات النهائية المقبولة من شعبيْهما مقابل التوصّل إلى «اتّفاق نووي».
وبالعودة الى أوراق الإتّفاق النووي الذي انسحبت منه الإدارة الأميركية في العام 2018 يتضح أن إيران أخذت بالفعل الإتّفاق الذي لا يمكن رفضه واستغلته واستخدمته. لقد بدأت المفاوضات بهدف إيقاف برنامج إيران النووي وحرمانها من قدرتها على إنتاج الأسلحة النووية ثم تحوّلت إلى هدف آخر، حيث أصبحت واشنطن تسعى للتعايش مع قدرات إيران. الإتّفاق المشار إليه تراجع عن إقفال أو تفكيك «مفاعل أراك» للمياه الثقيلة الذي يمكنه إنتاج بلوتونيوم للإستخدامات العسكرية، وكذلك تراجع عن إقفال «منشأة فوردو»، وهما منشأتان لا ضرورة لهما في أي برنامج نووي سلمي، ما لم يكن الغرض الأساسي هو الحصول على قنبلة نووية. كذلك فإن التحديد الزمني لإنهاء الإتّفاق جعل إيران في حلّ منه مما عنى اعترافاً بشرعية مسارها النووي وما ينجم عنه.
ستقاتل إيران حتى النهاية للعودة إلى ما يمكن العودة إليه من الإتّفاق المذكور وستقاتل إسرائيل حتى النهاية لتبؤ موقع الشراكة مع واشنطن دون منازع في ظلّ تنامي فرص تمدد الإتّفاق الإبراهيمي إلى دول المنطقة. أن ما شهدناه من عنف وتدمير خلال الأيام القليلة المنصرمة ليس سوى رأس جبل الجليد من حرب ستمتد فصولها طويلاً تحت أنظار واشنطن. وفي مقابل المساعي الدولية تحت عنوان الخطر النووي الإيراني على الأمن الدولي وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ستسعى طهران لتصدير الحرب إلى خارج إيران بعد انسداد الأفق أمام تصدير الثورة. وهذا يعني استنهاض الأذرع لتهديد مصالح دول الإقليم ليس من أجل إحداث توازن ميداني مع إسرائيل بل بهدف توسيع رقعة الحرب إلى الإقليم بكامله بما يعزز جعل التسوية مطلباً دولياً قبل فوات الأوان.
وفيما يعيش الإقليم سخونة غير مسبوقة لإخماد حرب لا يمكن تدارك تداعياتها، يعيش لبنان صقيعاً غير مبرر إزاء إعلان حزب الله تضامنه مع إيران تنكر الحكومة لكل موجباتها حيال قرار الحرب والسلم وتجاهل المخاطر المحدقة بلبنان والإكتفاء بالإشارة الى الحؤول دون توريط لبنان بأي شكل من الأشكال في الحرب الدائرة حالياً .
العميد الركن خالد حماده - اللواء
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|