التواصل مع أفيخاي...مزاح أم جريمة؟
اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة جديدة من التفاعلات المثيرة للجدل بين عدد من المواطنين اللبنانيين والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي. ورغم الطابع "الفكاهي" أو "السخرية" الذي حاول البعض إضفاءه على هذه التفاعلات، والتي تمثلت في مقاطع فيديو يتم تبادلها علناً عبر منصات كـ "تيك توك" و"إنستغرام"، إلا أن هذه الظاهرة أثارت تساؤلات واسعة بين اللبنانيين: هل ما يحدث مجرد تفريغ ساخر وسط التوترات السياسية، أم أنه يمثل خرقاً واضحاً للقانون اللبناني، لا سيما القانون المتعلق بمقاطعة إسرائيل؟
الجدل تصاعد بشكل لافت بعد البيان الرسمي الصادر عن وزارة الإعلام اللبنانية، الذي شدد على رفض أي شكل من أشكال "التواصل المباشر أو غير المباشر مع العدو"، بالتزامن مع الضجة التي أحدثها فيديو الممثلة نادين الراسي، والذي فُهم على أنه تواصل مباشر مع أدرعي، ما فتح الباب واسعاً أمام نقاش قانوني وأخلاقي حول حدود حرية التعبير، وأين تتوقف السخرية ويبدأ التطبيع برأي البعض.
لكن هذا الموقف الرسمي لم يمر من دون ردود، حيث قدّم القاضي رالف رياشي قراءة قانونية علنية تساءل فيها عن الأساس القانوني الذي يستند إليه الوزير، طالباً توضيح المقصود بمصطلح "التواصل" ومشيراً إلى غياب مادة محددة في قانون العقوبات – من المادة 273 حتى 287 – تُجرِّم هذا النوع من التفاعل بشكل صريح.
وبحسب رياشي، فإن التواصل مع العدو لا يُعتبر جرماً إلا إذا تم بهدف الخيانة، أي إذا انطوى على تفضيل مصلحة العدو على مصلحة الوطن، وهو ما استقر عليه الاجتهاد في محكمة التمييز. أما التواصل الإعلامي مع العدو، إذا جرى في إطار الرد والدفاع عن لبنان، فلا يُعد خيانة ولا يعاقب عليه القانون.
هل التواصل الفكاهي أو الساخر مع شخصية عسكرية إسرائيلية عبر السوشيال ميديا يُعتبر اتصالاً ويخضع للمحاسبة القانونية؟ أم أن هذا النوع من المحتوى يندرج ضمن حرية التعبير؟
تنص المادة 278 من قانون العقوبات، الذي صدر في 1 آذار 1943، على أن كل لبناني قدّم مسكناً أو طعاماً أو لباساً لجاسوس ولجندي من قوات الأعداء، أو ساعده على الهرب، أو أجرى اتصالاً مع أحد هؤلاء الجواسيس أو الجنود أو العملاء وهو على بينة من أمره، يُعاقب بالأشغال الشاقة الموقتة.
يبرز تباين واضح في تفسير القانون وحدود تطبيقه. والجدل الأوسع يدور حول تفسير كلمة"اتصال"، فبينما يرى البعض أن النية الجرمية هي الأساس في تحديد وقوع الجريمة من عدمه، ويعتبرون أن الفكاهة أو السخرية لا ترقى إلى مستوى "التواصل مع العدو"، يحذّر آخرون من التهاون مع هذه الظواهر، معتبرين أن مجرّد التواصل – ولو عبر وسائل غير تقليدية كالسوشيال ميديا – يشكّل خرقاً قانونياً يجب التعامل معه بجدية، لا سيما في ظل الظروف الأمنية والسياسية الراهنة.
أشار المحامي في الإستئناف غابي جعجع في حديث مع "نداء الوطن" إلى أن الجريمة القانونية تتطلب توافر عناصر معينة، حيث لا يقتصر الأمر على مجرد ارتكاب الفعل، بل يتطلب وجود نية واضحة للتعامل مع إسرائيل. وأوضح أن الجريمة تتكون من عنصرين: الأول مادي، ويتجلى في نشر المعلومات أو التعليقات أو حتى المتابعة. والثاني معنوي، ويتمثل في النية الجرمية. وأضاف أنه لا يُعتبر الفعل جريمة إذا قام شخص بتصوير فيديو من باب المزاح، فطالما أن الشخص لم يستفد مادياً ولم يقدم أي منفعة للجيش الإسرائيلي، فإن العنصر المعنوي الأساسي لارتكاب الجريمة يكون غائباً، وبالتالي لا يمكن اعتبار هذا الفعل بمثابة "تعامل مع العدو".
كما أوضح جعجع أن بيان وزير الإعلام هو أقرب إلى بيان سياسي منه إلى بيان قانوني، وربما جاء بهدف امتصاص نقمة البيئة الشيعية، مؤكداً في الوقت نفسه أن إصدار مواقف من هذا النوع لا يدخل ضمن صلاحيات وزارة الإعلام، بل هو من اختصاص وزارة العدل أو الجهات القضائية المختصة.
من جهة أخرى، يرى المستشار القانوني والمحامي بالاستئناف، علي الحلو، في حديث لـ "نداء الوطن"، أن مصطلح "الاتصال" يحمل تفسيرات متعددة، فوفق التعريف القانوني، يمكن أن يعني إجراء مكالمة أو محادثة عبر الهاتف أو غيره من الوسائل، وفي الوقت الراهن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أبرز وسيلة للتواصل، وبالتالي تُعد هذه المنصات وسيلة قائمة بذاتها. وبناءً عليه، يعتبر أن المادة 278 من قانون العقوبات اللبناني تنطبق على حالات التواصل مع العدو، إذ تتوفر فيها العناصر المادية والمعنوية للجريمة.
ويؤكد الحلو أن كل من يتواصل مع أفيخاي أدرعي، سواء بنيّة سيئة أو حتى في إطار السخرية والفكاهة، يُعرّض نفسه للمساءلة القانونية، خصوصاً إذا ما أدّت هذه المحادثات إلى إثارة النعرات الطائفية، والتي يعاقب عليها القانون وفق المادة 317 من قانون العقوبات. لذلك، يدعو الحلو إلى مساءلة كل محاولة تواصل مع اسرائيل، أياً كانت الوسيلة أو الخلفية.
يبقى للمحامي حرية اختيار الطريقة التي يرى فيها الدفاع عن موكله، وفقاً لما يراه مناسباً للوقائع القانونية. ولكن في نهاية المطاف، يبقى للقاضي الفصل في هذه القضية بناءً على ما يقدمه المحامون من دفوع وحجج قانونية. وحتى الآن، لم تشهد المحاكم اللبنانية محاكمة بشأن هذه الظاهرة تحديداً، ما يعني أنه لا يمكن اعتبار هذا النوع من التواصل مخالفاً للقانون حتى يصدر حكم قضائي نهائي في هذا الشأن. ويبقى النقاش مفتوحاً حول هذه القضية في انتظار اجتهادات قانونية جديدة قد توضح المسألة بشكل أكثر دقة، ويبقى السؤال الأهم: هل ما يحدث يدخل فعلاً ضمن نطاق "التعامل مع العدو"، أم أنه مجرد وسيلة للضغط أو التهديد تستخدمها بيئة المقاومة لترهيب كل من يجرؤ على السخرية أو المزاح مع أفيخاي أدرعي، حتى وإن كان ذلك من باب الاستهزاء؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|