ياسر عودة ضحية حرب "العمامة" والصكوك الإسرائيلية
يقول الله تعالى في القرآن الكريم في سورة "الحجر" مخاطباً النبي الأكرم [ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. لكن "حزب الله" الذي لطالما زعم السير على نهج النبي وآل بيته طفِق يعبّر عن ضيق صدره إزاء أي نقد أو تمايز في المحنة الوجودية التي يكابدها ليس بالتسبيح إنما بالتشبيح الجسدي والمعنوي، من حرب "الأهالي" على "اليونيفيل"، إلى "حرب العمامة"، وما بينهما من سياقات وأدوات متشابكة.
الاعتداء الذي طال الشيخ ياسر عودة يشكل واحداً من الحلقات المستجدة في حرب "العمامة"، ورسالة جديدة ضمن حزمة رسائل تروم إظهار مدى جديته في الذهاب بعيداً في تأجيج صراعات ذات طابع أهلي وديني يتستر خلفها لحماية سلاحه، عصب قوته السياسية. تلك الرسائل لا تبتغي إسكات المعارضين وتهديد مشروع الدولة فحسب، بل خنق الأصوات التي بدأت تصدح من نسيجه الخاص، والحؤول دون تمددها لتصبح مناخاً خانقاً يسهم في تفتيت سيطرته الحديدية.
تشير معلومات "نداء الوطن" إلى أن توقيت الاعتداء يرتبط بخطبة عيد الأضحى المبارك منذ أيام قليلة، والتي قال فيها إن "إيران استغلتنا" قاصداً الشيعة عموماً و"حزب الله" خصوصاً، ووصفه "7 أكتوبر" بـ "الحماقة"، ولم يشفع له تعرض منزله في "المريجة" للتدمير إبان اغتيال إسرائيل هاشم صفي الدين.
وكما قال الشيخ عودة بنفسه، فإن المستهدف من الاعتداء عليه هو عمامته لما تحمله من خطاب ناقد للانحراف الديني السائد في العراق ولبنان، وكيفية توظيفه في خدمة مشاريع احتلالات مقنعة، والذي كان ثمنه إخراجه من المجلس الإسلامي الشيعي بفرمان لا يخفي بصمات "الحزب". ناهيكم عن معارضته لـ "حرب الإسناد" ومواظبته في الخطب والدروس على تبيان الفارق بين "جهاد الطلب" و"الجهاد الدفاعي".
بيد أن الحرب هذه لا تقتصر على استهداف العمائم المتمايزة، بل تشمل توظيف خطاب الحليفة منها من أجل التحريض على العنف، والخروج على الدولة وسياساتها ومواقفها، والإساءة للدول الصديقة. في طليعتها المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، الذي يصدح منذ تعيينه عام 2020 بمواقف خلافية وانقسامية تسيء إلى رمزية مقامه، وإلى إرث عائلته الدينية ووالده الشيخ عبد الأمير قبلان، الذي شغل هذا المقام لثلاثة عقود، ومن بعدها منصب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي فرئيسه.
يعتبر الشيخ أحمد أن شرعيته، المطعون بها أساساً لمخالفتها الأصول القانونية، مصدرها "حزب الله"، وبدرجة أقل "حركة أمل"، أو ربما لدراسته في الحوزات الإيرانية. لذلك يتسم خطابه بالانحياز الكامل إلى نهج "الثنائي" والعمل وتبرير سلوكه التشبيحي بلبوس ديني، مع أن من بين الآراء التي تبرز في سيرة والده هو أن "عالم الدين صاحب رسالة عامة لكل الناس من دون تمييز بينهم على قاعدة الناس كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله".
لا ينفك الشيخ أحمد في خطبه ومواقفه الغزيرة عن الهجاء والتهديد، وعن منح صكوك الغفران لمن يريد، وصكوك "الصهينة" لكل معارض لـ "الحزب"، محتمياً بعمامته في مواجهة أي نقد لمواقفه المتحيزة ليصبح إساءة لمقام ديني. بالأمس فقط أصدر واحداً من بياناته الطويلة لتبرير "غضب الأهالي" (كما في مسرحية زياد الرحباني: شي فاشل) على "اليونيفيل"، وإملاء الدولة بخارطة الطريق التي يجب سلوكها، لكنه امتنع عن تدوين سطر واحد لإدانة ما تعرض له الشيخ عودة، ولو كان من باب ذر الرماد في العيون.
دعا جهاراً إلى التصويت لـ "الثنائي" في خطبة عيد الفطر، متبنياً عملية تحويل سلاح "الحزب" من مشروع عابر لـ "سايكس – بيكو" التي لا يتوقف عن تذكيرنا بها، إلى سلاح طائفة. وفي خطبة عيد الفطر عام 2020 قال "لا للطائف" حينما تورّمت طموحات "الحزب" لتبلغ حد الإطاحة بالنظام برمته.
ومع ذلك، فإن الإشكالية تتجاوز انحيازاته السياسية الفاقعة لتشمل استخدامه لغة حادة ومصطلحات قاسية، تسيء إلى رمزية منبر رسول الله وسموه عن السقوط في مثل هذا الدرك، وهي رمزية مشتركة عند كل المذاهب والفرق الإسلامية، ومنح جموع المؤمنين غطاء معنوياً لاستخدام خطاب الكراهية على منصات التواصل، والاعتداء الجسدي على كل من لا يعجبهم رأيه.
والأمر نفسه ينسحب على عمامة سنية يمثلها الشيخ ماهر حمود إمام "مسجد القدس" في صيدا، الذي وصل إلى حد قول كلامٍ نابٍ ومعيب بحق رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس على منبر رسول الله، والأسوأ ابتداع تأويل مبتسر من السنة النبوية لتبرير ما قاله. حمود هو مؤسس فرع "الجماعة الإسلامية" في صيدا، قبل أن ينفصل عنها ليصبح "إماماً" في خدمة تحالف الملالي وبعث حافظ الأسد في بواكيره من أجل تأمين حيثية له، إلى أن اختصه "الحزب" بتأسيس "الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة" كمنصة علمائية تشكل الغطاء السني لاغتصاب المشروع الإيراني للأراضي والإرادات وإصدار صكوك "الصهينة" بدمغة سنية.
بيد أن حمود الذي يدعي نصرة المظلومين في العالم والقفز فوق حدود "سايكس – بيكو" لم يتفوه بكلمة للدفاع عن عالم سني جليل في أقاصي إيران يواجه بشجاعة اضطهاد نظام الملالي، ويحاصر مسجده منذ سنوات وهو مولوي عبد الحميد، ولم يدافع عن أبناء مدينته حينما تعرضوا للتنكيل وسيقوا إلى السجون بذريعة مسألة أحمد الأسير.
تقابل حرب "العمامة" هذه صورة وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان وهو يؤم الصلاة في المسجد الأموي بنظيره السوري ومسؤولين آخرين، في رمزية تختزل كل الفارق بين لبنان وسوريا، بين عمائم تقوض مشروع الدولة وتغطي العنف وعمليات غسيل العقول، وبين إمام يفتح في دمشق باب الخروج من نفق الممانعة والتوضؤ بدماء الأبرياء نحو الالتحاق بقطار الحداثة والتطور.
سامر زريق -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|