الصحافة

قانون تنظيم القضاء العدلي... إنجاز أم إعجاز؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ عام 2017 تتقاذف القوى السياسية مسألة استقلال القضاء، حيث سعى كلّ طرف سياسي إلى شد حبال النقاش باتجاهه، في وقت نفّذ فيه قضاة لبنان منذ عام 2017، تحت عنوان "استقلالية القضاء" معنويا وماليا،  إضرابات واعتكافات عن العمل لأربع مرّات متتالية، كان آخرها الاعتكاف الذي بدأ منتصف عام 2022 واستمرّ حتى بداية عام 2023، بالإضافة إلى المطالبة بتحسين الأوضاع المادية والتقديمات الاستشفائية والتعليمية للقضاة وعائلاتهم إثر الأزمة الاقتصادية.

واضح ان اقرار قانون "تنظيم القضاء العدلي" الحالي جاء في ظروف يعاني فيها الجسم القضائي من مشاكل "بنيوية"، على ما تقول مصادر حقوقية، نتيجة انعكاس الخلافات السياسية على "العدلية"، التي ادت الى شل عمل هيئاتها من مجلس قضاء اعلى وتفتيش قضائي، فضلا عن ارساء ممارسات وسوابق لم يعهدها القضاء اللبناني من قبل، على غرار ما حصل في ملف انفجار مرفا بيروت من جهة، وتعطيل التشكيلات القضائية بسبب المحاصصة وغيرها، ما ادى الى "انهيار" غير مسبوق في هذا الجسم الاساسي.

من هنا، كان من الضروري والملح، في ظل ما وصلت اليه الامور، ومع انطلاق عهد جديد، المبادرة الى اتخاذ خطوات جذرية طال انتظارها، ومن ابرزها قانون لاستقلالية القضاء، الذي بقي عالقًا لسنوات بين اخذ ورد ونقاش حول حدوده وسقفه، خصوصا ان أحد الشروط الأساسيّة الّتي وضعتها الهيئات الدوليّة، وعلى رأسها صندوق النقد الدوليّ، ضمن حزمة الإصلاحات المطلوبة لانهاض الدولة اللّبنانيّة ومؤسّساتها، وإعادة بناء ثقة المجتمعَيْن المحليّ والدوليّ بمنظومة العدالة في لبنان، وكاحدى الادوات الاساسية لقيام الدولة العصرية، وحماية الاستثمارات وضرب الفساد، على ما ترى المصادر.

هنا يطرح السؤال، هل سارت رياح القانون وفقا لسفن المعنيين به ومفاهيمهم لهذه الاستقلالية؟

مع احالة مشروع القانون، بعد تمريره في الحكومة، إلى مجلس النواب لإقراره نهائيًّا، ارتفعت مطالبات الهيئات القضائية والحقوقية الداعية لمناقشته بشفافية، وإدخال التعديلات اللازمة، التي دعت وفقا للمصادر، الى مزيد من تعزيز فاعلية القضاء وضمان استقلاليته التامة عن السلطة التنفيذية، كما عن التأثيرات السياسية والضغوط الخارجية، وفقا لما شددت عليه تقارير صادرة عن لجنة البندقية التابعة لمجلس أوروبا و "منتدى العدالة اللبناني". وفي هذا الاطار، يمكن تصنيف الملاحظات بين أساسية وشكلية، حيث توقفت المصادر عند النقاط الاساسية الاتية:

1- من حيث الشكل:

- ثمة مخالف للمادة 20 من الدستور، اذ ان القانون استبعد تحديدا عبارة "سلطة قضائيّة"، واستعاض عنها بعبارة "السلك القضائي" و "الوظيفة القضائيّة"، ما يشكّل ايضا مخالفة لقرار المجلس الدستوري رقم 23/2019.

- تسجيل عدم مشاركة للقضاة في صياغة القانون، وهو ما انعكس اعتراضا لدى معظم القضاة والجمعيات القضائية على تجاهلهم خلال اعداد الصيغة النهائية، اذ ان القانون اقر بصيغة بعيدة عن مطالب "نادي القضاة"وجمعيات حقوقية.

2- من حيث المضمون:

- ابقاؤه على التبعية الادارية للنيابات العامة لوزير العدل، ما يعني أن بوسع السلطة التنفيذية التدخل مباشرة في شأن تسيير الدعوى العامة والملاحقات الجزائية عبر الوزير، ما يضعف استقلاليتها، فاتحا الباب امام التدخلات السياسية في الملاحقات القضائية.

- الابقاء على صلاحية مجلس الوزراء بتعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي ورئيس التفتيش القضائي، وهذا يعني أن المراكز القضائية الأساسية تبقى في يد السلطة التنفيذية، فيما كان المطلوب تحرير كل المراكز القضائية من سطوة وتدخل السلطة التنفيذية.

- غياب الضمانات المتعلقة بشفافية التعيينات، اذ لم ينص القانون على آلية واضحة وشفافة لاختيار القضاة او ترقيتهم، من هنا الخوف من استمرار "الولاءات" داخل الجسم القضائي. يشار على هذا الصعيد إلى أن المشروع أبقى على صدور التشكيلات القضائية بموجب مرسوم بناءً على اقتراح وزير العدل، وعلّق نفاذها إذا لم تصدر بمرسوم.

- في ما خص إنشاء هيئة التفتيش القضائي، فإن مشروع القانون يعتمد آلية تناقض تماماً مبدأ استقلالية السلطة القضائية، إذ نص على أن جميع أعضاء هذه الهيئة يتم تعيينهم من قبل السلطة التنفيذية.

- عدم وضوح مسألتي المساءلة والمحاسبة، لجهة الآليات التاديبية غير المستقلة بالكامل، اذ ان المجلس الذي يفترض ان يراقب القضاة يخضع هو نفسه للتأثيرات السياسية، علما ان القانون أبقى على صلاحية وزير العدل بتوقيف القاضي عن العمل، ما يناقض مبدأ استقلالية القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات.

- عدم الغائه المحاكم الاستثنائية المناقضة للاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق الانسان.

واذا كانت الاعتراضات على القانون تنبع من مخاوف حقيقية لدى القضاة والحقوقيين والمجتمع المدني، بانه وفقا لصيغته الحالية لا يضمن فعليا استقلال القضاء، بل يعيد انتاج الوصاية السياسية بطرق جديدة، فان اوساطا مقربة من وزارة العدل، أوضحت أنّ مشروع القانون المحال الى مجلس النواب، يعد انجازا كبيرا لحكومة الرئيس سلام، فهو جاء حصيلة نقاشات وعمل متواصل، شارك فيه نخبة من ابرز القضاة المشهود لهم وشخصيات من المجتمع المدني، مشيرة الى ‏أنّ أهمية القانون الجديد وايجابيته، تكمن في ان من شأنه حفظ هيبة القضاء بعيدا عن الضغوط السياسية، من خلال تحديد شروط صارمة لنقل القضاة من مواقعهم، وتشكيل مجلس القضاء الاعلى بالانتخاب او باقتراح من القضاة انفسهم.

ميشال نصر-الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا