بالصوروالفيديو- انفجار بمحطة محروقات يشعل دخاناً كثيفاً في بعبدا
المحور الأميركي العربي الجديد.. ولبنان الغائب الأكبر
لبنان لا يعيش مجرّد أزمة، فقد اقترب جداً من السقوط الأخير. بلد يترنّح بين حطام مؤسسات متهالكة وانهيار مالي خانق، يتخبّط وسط زلازل إقليمية ودوامات ضغط دولي لا ترحم، بينما داخله يغلي من أزمات مؤجلة ونظام يراهن على الوقت كأنه حليف وليس خصماً. اللحظة ليست عادية، إنها لحظة الحقيقة فإما نهوض أخير، أو سقوط لا رجعة فيه.
الفرص تمرّ من أمامه وتتسرّب إلى جيرانه الذين حسموا خياراتهم والتحقوا بقطار التحولات. الدول من حوله تصعد، تتحرك، وتعيد التموضع على خطوط المحور الأميركي – العربي الجديد، السريع والفاعل، بقيادة الرياض وبدعم واشنطن. وبينما يتحرّك الإقليم كوميض، ما زالت القيادة اللبنانية عالقة كأن الزمن توقف.
سوريا، التي كانت في عزلة مطلقة، تعود إلى الضوء. العقوبات الأميركية والأوروبية رفعت، وتركيا تمارس دعماً متعدّد الاتجاهات يشمل الاقتصاد والسياسة والعسكر، فيما السعودية أرسلت رسالة بالغة الرمزية، وفد اقتصادي رفيع المستوى وصل إلى دمشق بقيادة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، في زيارة تعيد رسم خطوط النفوذ والانفتاح. تزامناً قطر أصدرت بياناً مشتركاً مع السعودية أكد التزام البلدين بدعم جهود التنمية في سوريا، كل شيء يتحرّك بسرعة إلا لبنان.
لم تعد النظرة الدولية إلى لبنان متفهمة. انتهى زمن التسامح مع العبث. واشنطن وشركاؤها باتوا يرونه عائقاً أكثر منه فرصة. بلد تحكمه ثنائية السلاح والفساد، وتغيب فيه هيبة الدولة، لا يشجّع على الدعم ولا حتى على العطف السياسي. لا مساعدات مجانية بعد اليوم، لا هبات من دون حساب. كل شيء بات مشروطاً، والعنوان الأول، سلاح حزب الله، والإصلاح لا يبدأ من التفاصيل بل من الجذور.
الضغوط العربية والأميركية لم تعد همساً دبلوماسياً، بل إنذاراً مكشوفاً. رسائل علنية، تحذيرات مباشرة، ومهل زمنية غير معلنة لكنها حاضرة في كل المداولات. زيارة مورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الرئاسي الأميركي، لن تكون جولة بروتوكولية، بل نقطة فاصلة في مسار العلاقة بين بيروت وواشنطن. إنها اختبار جدية فإمّا تحرّك، أو خروج لبنان من خارطة الاهتمام العالمي.
لم تعد واشنطن تخفي أولوياتها في الملف اللبناني. السلاح غير الشرعي هو البند الأول، خصوصاً سلاح حزب الله على امتداد الأراضي اللبنانية وليس فقط جنوب الليطاني. وتكرار الغارات الإسرائيلية على مواقع الحزب وقتل قيادييه يؤكد استمرار نشاطه العملاني، في ظل غياب الدولة عن أي دور جدي في ضبط السلاح أو حتى وضع آلية واضحة وجدول زمني لتنفيذ القرارات الدولية. من يحدّد الأهداف اليوم ويضربها هو التنسيق الاستخباراتي الأميركي الإسرائيلي، لا الأجهزة اللبنانية، التي لا تزال تنتظر أن يُنجز الآخرون ما تعجز هي عن مواجهته.
في موازاة ذلك، يبرز ملف الـ Cash Economy كمصدر خطر موازٍ للسلاح. تدفق الأموال النقدية غير الخاضعة للرقابة يغذّي اقتصاداً موازياً يخدم التنظيمات الخارجة عن الدولة والمهربين، وعلى رأسهم حزب الله، عبر مؤسساته المالية الخاصة مثل "القرض الحسن"، التي تعزز استقلاله المالي وتوسع دائرة نفوذه.
أما ثالث الملفات الساخنة فهو ترسيم الحدود الشرقية والجنوبية. وتشير التوقعات إلى أن أورتاغوس ستحمل معها دفعاً أميركياً لتشكيل لجان مشتركة مع إسرائيل للانطلاق بعملية الترسيم. ويأتي ذلك في ظل حديث متزايد عن مفاوضات غير معلنة بين دمشق وتل أبيب، وتسريبات حول نية سوريا إعلان سيادتها على مزارع شبعا، ما يسحب من حزب الله واحدة من أبرز ذرائعه للاستمرار في التسلّح. الرسائل الأميركية لم تعد تحتمل التأويل. كل الملفات أصبحت على الطاولة دفعة واحدة، والسقف واضح. فهل يملك لبنان الجرأة لاقتناص الفرصة، أم يواصل الانكفاء بينما تُرسم خرائط المنطقة من حوله؟
ad
وعلى الجبهة الجنوبية، رائحة الحرب تسبق النار. إسرائيل تُغير، تستهدف، تردم و"تصطاد" قادة حزب الله اينما كانوا، تقرأ التهدئة كاستراحة محارب لا أكثر. الرسائل واضحة، فالجنوب ليس مستقراً، والدولة ليست صاحبة الكلمة الفصل. اليونيفيل باتت هدفاً متكرراً لهجمات ميدانية تكاد تصبح منهجية. فهي اليوم ليست مجرد قوة حفظ سلام، بل آخر خيط في شبكة الأمان الدولية للجنوب. فمن يملك السيادة فعلاً في لبنان؟ هل هي الدولة أم القوى الخارجة عنها؟
هذا الصدع البنيوي بين السيادة القانونية والممارسة الواقعية هو أصل العلّة. دولة محاصَرة ضمن حدود مرسومة على الأرض من قوى غير رسمية، لا يمكنها أن تفرض قانوناً ولا أن تحمي نفسها دبلوماسياً. حتى في الأمم المتحدة، تفقد بعثة لبنان قدرتها على الدفاع عن استمرار مهمة اليونيفيل في ظل غياب الحد الأدنى من الضمانات.
كل هذا يضع لبنان على حافة قرار لم يعد يحتمل التأجيل فإمّا إعادة إنتاج الدولة على أسس صلبة تعيد ثقة الخارج والداخل، أو التحول إلى ساحة مهجورة، ساحة لا صاحب لها سوى الطامعين واللاعبين الإقليميين. اللحظة تشبه تلك المفاصل التي غيّرت وجه لبنان مراراً، لكن الفارق هذه المرة أن الخارج سئم، والداخل متآكل، ولا أحد يملك خطة نجاة.
السياسيون يواصلون الرقص على حافة الانهيار. لا مواجهة، لا خطة، فقط مناكفات داخلية ومحاصصة وإدارة للفراغ وانتظار. توازنات الماضي لا تزال تقف حاجزاً أمام أي تغيير حقيقي، وكأن البلاد تدور في حلقة مفرغة من العجز المقونن والتسويات العقيمة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|