"ادعاء كاذب".. إيران تعلق على أنباء وقف التخصيب المؤقت لليورانيوم
لماذا لا يتخلّى الحزب عن سلاحه؟
ما يزال ممكناً أن يُطالَب شبّان “الحزب” والمعجبون به من الفتيان بالولاء الكامل لـ”الحزب” وسلاحه، ومن لا يفعل ذلك يصحّ اتّهامه بالخيانة والصهيونية. كيف يفكّر “الحزب” حقّاً في سلاحه الآن؟ إذا كانت مهمّته الأولى مواجهة إسرائيل فإنّها لم تعد واردة. لا تفكير في إمكان التخلّي عن السلاح إلى أن يتّفق الإيرانيون مع الأميركيين! والويل للبنان إن لم يحصل ذلك.
أثارتني، وربّما أثارت آخرين، الهتافات البغيضة في المدينة الرياضية ضدّ نوّاف سلام رئيس الحكومة العتيدة. حسبت أنّها كانت أو صارت بسبب تصريحاته المتكرّرة عن ضرورة نزع سلاح “الحزب”، فما تزال القيادات الشيعية والجمهور الشيعي حريصين على عدم الاصطدام برئيس الجمهورية مع أنّهم يعرفون أنّه هو المكلَّف وهو المسؤول، بل وأنّ نوّاف سلام يحاول منافسته بدون جدوى. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يسوّغ لمناصري فريق رياضيّ من الشبّان والفتيان أن يطلقوا هذه الهتافات المستنكرة، التي ربّما تجمّعوا من أجلها! والذي يسمع ويقرأ تبرّؤ “الحزب” المسلَّح من تلك الهتافات من دون أن يتعرّض لمدى صحّتها، يدرك أنّ هناك مشكلاتٍ كبرى فيها أحاسيس وفيها مصالح وفيها حسابات تجعل من مسألة السلاح ملفّاً شائكاً ومعقَّداً.
سلاح إيرانيّ جملةً وتفصيلاً
ذكّرني هتاف الشبّان بأزمنةٍ سابقةٍ على حرب أكتوبر الثانية عندما كان كلّ معترضٍ على سلاح “الحزب” وسلوكه وسياساته يُتّهم بأنّه صهيوني، وكان اعتراضه على المقاومة أمراً لا يُغتفر. لكنْ ما بعد أكتوبر (تشرين الأوّل) ليس كما قبله، والجميع مرّةً أُخرى يعرفون ذلك، فلماذا الهتافات؟!
أوّل أسباب تشبّث “الحزب” بسلاحه هذه الأيّام ينبغي أن نلتمسه في أصول هذا السلاح، والأهداف الاستراتيجيّة التي ارتبطت به. فهو سلاحٌ إيرانيٌّ أصلاً وجملةً وتفصيلاً. وما بذلت إيران هذه الجهود الهائلة طوال قرابة نصف قرن بسبب الحبّ لشيعة لبنان أو الكراهية لإسرائيل، مع أنّ هذين الأمرين يقعان ضمن مبرّرات التبرير أو التسويغ.
ما أزال أذكر أنّه عندما وقّعت إيران الاتّفاق على النوويّ مع إدارة باراك أوباما عام 2015، راح المسؤولون الإيرانيون، الذين أحبُّوا اعتباره انتصاراً، يشكرون من ساعد في تحقيق النجاح أو الانتصار، وفي طليعة المشكورين “الحزب”. وربّما ما كان هذا الهدف واضحاً عندما بدأت الجمهورية الإسلامية تُنشئ “الحزب” عام 1982، لكنْ لا شكّ أنّ التضامن مع الشيعة المحتلّة أرضهم كان حاضراً، كما كان حاضراً طموح التدخّل في لبنان وقد كانت فيه تدخّلات سورية وعراقية وفلسطينية.
بعد نهاية الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988 صار التدخّل في لبنان هدفاً استراتيجيّاً إيرانيّاً، بدليل أنّه لم يتغيّر طوال العهود الرئاسية منذ أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، مع أنّنا كنّا نسمع تذمّرات من هول الإنفاق، ومن الحصارات التي تعانيها إيران، أوّلاً نتيجة التدخّلات بالمنطقة العربية المحاذية للكيان الصهيوني، وثانياً نتيجة تصاعد أهميّة برنامجها النووي منذ عام 2003-2004 عندما اقترحت الولايات المتّحدة تحويل الموضوع من وكالة الطاقة إلى مجلس الأمن.
ليس من الضروري متابعة التفاصيل خلال أكثر من عشرين عاماً. فقد صار “الحزب” أبرز أذرع إيران في التجاذب مع الولايات المتّحدة (ومع إسرائيل)، واستجدّ لدى استراتيجيّي الحرس الثوري الهدف الآخر: التدخّل في سورية والعراق ولبنان للسطوة والسيطرة باعتبارها إمبراطورية، ومحاصرة دول الخليج (سلوكهم في اليمن فيما بعد) وإثارة عمليّات إرهابية فيها. وفي ذلك كلّه تظلُّ الدعوة المذهبية بارزة.
لا تسليم إلّا بعد الاتّفاق النّوويّ
كلّ هذا التقديم والاستطراد للوصول إلى أنّ “الحزب” لن يفكّر في مغادرة سلاحه وإن اشتدّ ضعفه وعدم جدواه في مواجهة إسرائيل، إلّا بعد حصول اتّفاقٍ (إن يكن) بين إدارة ترامب وإيران. وهو الأمر الذي يبدو واضحاً مع الحوثيين في اليمن.
لقد اختفى الذراع السوري، وانشلّ الذراع العراقي. فعلاوة على الضعف وعدم الجدوى قيل للإيرانيّين وحكومة السوداني بوضوح: إن تحرّكت الميليشيات المتأيرنة بالعراق فستضربكم إسرائيل والولايات المتّحدة معاً! لذلك ما بقي إمكان للاستثمار إلّا في حوثيّي اليمن، وبالدرجة الثانية في حوثيّي لبنان.
هل تنتهي المشكلات بالاتّفاق على النووي إن حصل؟ بالطبع لا، فهناك البالستيّات البعيدة المدى، بل وهناك كلام عن البيولوجي والكيمياوي! لكنّ انتهاء الدور أو خفوته لجهة الأذرع تتداوله اليوم الدبلوماسية السرّية مع الولايات المتّحدة ومع أوروبا. ويعتبر الإيرانيون أنّهم “نجحوا” في قصر التفاوض على النوويّ، وأنّه لم يبقَ لنجاح التفاوض إلّا الاتّفاق على التخصيب. لكنّ الأميركيين يعتبرون ذلك مرحلة أولى، يأتي بعدها تفكيك البرنامج الذي تعتبره إيران خطّاً أحمر آخر باعتبار البرنامج سلميّاً.
لا تفكير حقيقيّاً في الإصغاء لنزع سلاح “الحزب” قبل التسوية بين إدارة ترامب وإيران.
كيف يلعب “الحزب” (وربّما الرئيس نبيه برّي) على أعصاب رئيس الجمهورية والسياسيين المعادين لسلاح “الحزب”؟ أوّلاً بالقول لننتهِ من جنوب الليطاني ولتنصرف الحكومة للإعمار، وهذا كلّه غير ممكن مع احتلال النقاط الخمس ومع الغارات الإسرائيلية المستمرّة. كيف نأمن يا ناس وثلث الجنوب مخرَّب ومحتلّ عمليّاً؟ وإذا قيل لهم: لكنّ سلاحكم لم يعد نافعاً لا في الجنوب ولا في الشرق! فسيقولون أو هم يقولون: ما أدراكم؟ نحن ملتزمون وقف النار الذي لا تلتزمه إسرائيل ولا نريد إحراج الحكومة لنعطيها مساحةً للتفاوض والالتفات لضغوط الغرب.
الأمر الآخر أو الثالث أنّ أحداً، وبخاصّةٍ أجيال الشبّان والفتيان في الجمهور الشيعي، ما استطاع استيعاب الكسرة القاسية أو تعقُّلها. ولذلك ينبغي أن يرى شبّان الجمهور السلاح وأنه ما يزال موجوداً وأنّ احتمال استعماله وارد، على الرغم من أنّ كلّ الخبراء يقولون إنّ السلاح لم يعد صالحاً للاستعمال في مواجهة إسرائيل.
ماذا تعرضون من مواقع؟
تضاف إلى ذلك عوامل أخرى: صحيح أنّ “الحزب” انكسر في المواجهة، لكنّ التركيبة الشيعية الغلّابة في كلّ مكان بالدولة، ما تزال مستمرّة. ولذلك على الرغم من الكسرة “فكما كنتم تعرضون علينا مواقع وأدواراً مقابل الاستراتيجية الدفاعية أو غيرها، ينبغي أن تستمرّ وتستقرّ، أو يظلّ شبّاننا متحفّزين وتصبحون جميعاً “صهاينة” لأنّكم تتجاهلون التضحيات الهائلة التي قدّمها “الحزب” وقدّمتها الطائفة”.
إنّ “تصميمكم” على نزع السلاح دونما مراعاةٍ للظروف، ودونما صبرٍ وصلابةٍ أمام الضغوطات (وهي ماليّة واقتصادية وأمنيّة الآن)، “سوف لا يضطرّنا إلى رفض النزع فقط، بل وإلى تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية من جديد كما كنّا نفعل عندما لا تُستجاب مطالبنا”.
لا يستطيع “الحزب” تحدّي إسرائيل بعد الآن. لكنّ أحداً لا يريد العودة لظروف الاضطراب والتعطيل. إنّما لن يصبر الأميركيون ولا الدوليّون، وبخاصّةٍ أنّهم أوشكوا على التسليم بالسلطة السوريّة الجديدة، وفي الوقت نفسه أوشك صبرهم أن ينفد من تباطؤ السلطة في الضغط لنزع السلاح، وفي إجراء الإصلاحات الماليّة.
ما يزال الإيرانيون يتحدّثون عن المقاومة والسلاح. وما يزال شخوص مختلفون من حول “الحزب” وخارجه لا يهدّدون ويتوعّدون إسرائيل وحدها، بل والحكومة اللبنانية والفرقاء السياسيّين:
والنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.
رضوان السيد-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|