من التّأهيل إلى الاحتضان: ما علاقة بريطانيا بالشّرع؟
تُحاول دُولُ الإقليم والدّول المعنيّة باستقرار سوريا تقديم “شبكة أمان” دوليّة للرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع. هذا ما يُمكنُ ملاحظته من لقاء الشّرع مع الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب في العاصمة السّعوديّة الرّياض بعد جهودٍ بذلها وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان وأمير قطر الشّيخ تميم بن حمد والرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان. لا تقف “شبكة الأمان” عند هذا الحدّ، بل إنّ بريطانيا وتركيا تُبقيان وفديْن أمنيَّيْن في فندق “الفورسيزون” في دمشق لدعم الحكومة السّوريّة.
كانَ الجديد ما أثاره السّفير الأميركيّ السّابق لدى سوريا روبرت فورد من أنّه قامَ بلقاء الشّرع سنة 2023 بدعوةٍ من مؤسّسة بريطانيّة غير حكوميّة مُتخصّصة في حلّ النّزاعات، وذلكَ لتحويل الشّرع من “عالم الإرهاب إلى عالم السّياسة”. لاقى كلام فورد نفياً من مصادر رئاسيّة سوريّة نشرته وسائل إعلام عربيّة.
كلام فورد سبقه كلامٌ لوزير الخارجيّة الأميركيّ ماركو روبيو الذي كانَ يُخاطب المُؤسّسة التشريعيّة الأميركيّة عن ضرورة رفع العقوبات عن سوريا في أسرع وقتٍ مُمكن، وحذّرَ من أنّ الحكومة السّوريّة الجديدة قد تسقط خلال أسابيع في حال لم تُسارع واشنطن لتقديم الدّعم المطلوب لها. هذا يُؤكّد أنّ كلام فورد وروبيو كانَ موجّهاً إلى الدّاخل الأميركيّ وليسَ إلى الدّاخل السّوريّ. إذ تعلمُ واشنطن جيّداً ما سيكون الحال في سوريا إذا ما تعرّضت الحكومة السّوريّة لخضّة داخليّة.
لا تقتصُرُ “شبكةُ الأمان” على الدّور الأميركي – العربيّ. فقد سارعَ الاتّحاد الأوروبي أيضاً إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وذلكَ بعد جهودٍ عربيّة – بريطانيّة. وهُنا يكمنُ سرّ الدّور البريطانيّ الذي ذكرَهُ روبرت فورد عن دعم الشّخصيّة السّياسيّة لأحمدِ الشّرع. ولا ينفصل أيضاً الدّور التّركيّ عن أيّ حراك بريطانيّ نظراً لعمق العلاقة الأمنيّة التي تربطُ جهاز الاستخبارات التّركيّ MIT بجهاز الاستخبارات الخارجيّة البريطانيّة MI6.
“أمان” بريطانيّ – تركيّ في “الفورسيزون”
يدلّ على هذا سرّ المكوث التّركيّ – البريطانيّ في أرقى فنادِق العاصمة السّوريّة دمشق، “الفورسيزون”، حيثُ يوجدُ فريقان، الأوّل تركيّ والثّاني بريطانيّ، للإشراف على التحوّل السّياسيّ في سوريا ودعمِ جهود الحكومة السّوريّة في بسطِ سيطرتها على كامل أراضيها، بالإضافة إلى رفدها بالمعلومات الأمنيّة والسّياسيّة.
هُنا تجدرُ الإشارة إلى أنّ المؤسّسة التي ذكرها السّفير روبرت فورد هي “إنتر ميديت” المُتخصّصة في الوساطة والتفاوض في حلّ النّزاعات المُعقّدة. مؤسّس هذه المنظّمة هو جوناثان باور كبير الموظّفين لدى رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، والأهمّ أنّه يشغل حاليّاً منصبَ مستشار الأمن القوميّ لحكومة كير ستارمر. وللتّذكير أنّ بريطانيا كانت في طليعة الدّول التي رفعَت العقوبات عن وزارتَيْ الدّاخليّة والدّفاع السّوريّتيْن، وذلكَ في إطار دعم بريطانيا للجهود السّوريّة في شهر نيسان الماضي.
كانَت لندن أيضاً من الدّول الأولى التي أرسلت وفداً علنيّاً من وزارة الخارجيّة في شهر كانون الأوّل الماضي للقاء الشّرع بعد أسبوع على سقوط نظام بشّار الأسد وفراره إلى روسيا.
الشّراكة التّركيّة – البريطانيّة
عزّزَ هذا الدّعم العلاقة الودّيّة والاستراتيجيّة بين أنقرة ولندن. ويُمكنُ ملاحظة أنّ بريطانيا لم تقُم بتوجيه الانتقادات الحادّة لحكومة الرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان على عكس أكثر الحكومات الأوروبيّة مثل فرنسا.
لفهم العلاقة بين أنقرة ولندن، لا بُدّ من العودة إلى سنة 2016، يومَ لعبَت الاستخبارات البريطانيّة دوراً أساسيّاً في كشف المحاولة الانقلابيّة ضدّ إردوغان. وعلى عكس الدّول الأوروبيّة، لم تنتظر لندن أن تنجلي سُحبُ المواجهات في شوارع إسطنبول وأنقرة، بل كانت أوّل دولةٍ أوروبيّة تُعلنُ إدانتها للمحاولة الانقلابيّة.
إلى ذلك نأَت بريطانيا بنفسها طوال هذه السّنوات عن دخول السّجال التّركيّ – الأوروبيّ على الرّغم من توالي الأحداث التي أدّت إلى هزّاتٍ في العلاقة بين تركيا ودول أوروبا.
التقت مصالح البلديْن حين كفّت الحكومة التّركيّة عن محاولات الانضمام إلى الاتّحاد الأوروبيّ، في وقتٍ كانت بريطانيا أوّل دولةٍ تنسحبُ منه، فكان تلاقي المصالح بين أنقرة النّاقمة على الاتّحاد، ولندن الغاضبة من استنزاف الاتّحادِ لها. ولم يسبق لبريطانيا أن سجّلت أيّ موقفٍ يُعارض دخول تركيا الاتّحاد، وكانت من الدّول الدّاعمة لذلكَ قبل خروجها.
لا يقتصر التعاون التّركيّ – البريطانيّ على الأمن والسّياسة، بل يتجاوزهما إلى الدّفاع. إذ وقّعَ الجانبان عام 2017 صفقةً بقيمة 120 مليون دولار لتطوير طائرات حربيّة تركيّة بالشّراكة بين BAE Systems البريطانيّة، وTurkish Aerospace Industries. وذلكَ دعماً لجهود أنقرة من أجل الاكتفاء الذّاتيّ في التّصنيع الحربيّ.
كانَ من المُهمّ هذا السرد المُختصر لخلفيّة العلاقة بين لندن وأنقرة لفهمِ الدّور البريطانيّ في توفير “شبكة الأمان” للحكومة السّوريّة والرّئيس أحمد الشّرع، الذي احتضنته أنقرة طوال وجوده في إدلب على رأس “هيئة تحرير الشّام” قبل أن يُصبِحَ رئيس الجمهوريّة العربيّة السّوريّة.
ابراهيم ريحان -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|