الصحافة

تحدّيات أمام التعليم الرسمي.. وهاجس العبء المالي يُؤرق الأهالي

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أعوام مضت والبلاد غارقة بأزمات أنهكت كافة قطاعاته، مما أدى إلى انهيار البلاد عن قصد أو غير قصد. فمنذ العام 2019 يواجه لبنان أزمة اقتصادية هي الأشد بحسب ما وصفها البنك الدولي، والأسوأ على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، نتيجة لعقود من سوء الإدارة الاقتصادية والفساد المستشري، وتراكم الديون، إلى جانب تأثير الأحداث الإقليمية والسياسية. فباتت الأوضاع المعيشية للسكان أكثر صعوبة، فتدهورت قيمة العملة الوطنية بنحو حاد، وارتفعت معدلات البطالة والفقر بنحو غير مسبوق، وسط غياب حلول سياسية واقتصادية ملموسة حتى الآن.

الأزمة الاقتصادية في لبنان أثرت بعمق على كل جوانب الحياة، مسببة تدهور كبير في إمكان الوصول إلى الخدمات الأساسية وأهمها التعليم. فالقطاع التعليمي عموماً، والحكومي بشكل خاص، يرزح تحت وطأة انهيار اقتصادي، أنهك المعلمين والطلاب وأهاليهم على حد سواء، فالكثير من الأسر اللبنانية تحرم نفسها من العديد من الأمور الحياتية، حتى المهمة منها، مثل المأكل والمشرب والكهرباء… وغيرها، لكي توفر تعليماً لائقاً لأبنائها.

يذكر أن أقدم مدرسة للتعليم الرسمي في لبنان هي الكلية السورية الإنجيلية، التي تأسست في بيروت عام 1866، والتي أصبحت لاحقا الجامعة الأميركية في بيروت . ولكن من حيث التعليم المدرسي الرسمي وليس الجامعي، فإن أقدم مدرسة رسمية هي على الأرجح: المدرسة الأميرية في دير القمر، التي أُسست في عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني في أوائل القرن السابع عشر، حيث كانت تدرس إلى جانب الدين واللغة العربية، مواد في العلوم والفلسفة واللغات، وجلب لها معلمين من إيطاليا.

الواقع اللبناني محير ومتناقض أحياناً، ففي ظل التدني الهائل في المستوى المعيشي، ومعاناة 80% من السكان من الفقر متعدّد الأبعاد، لا يزال معظم اللبنانيين يميلون إلى التعليم الخاص، حيث يعتبر الكثيرون أن التعليم في المدارس الرسمية التي كانت ــ حتى الأمس القريب ــ رائدة في مجال التعليم قبل أن تعصف بها رياح الأزمة، اقل جودة، خصوصاً في المراحل ما قبل الثانوية.

وفي هذا السياق، تؤكد عليا (أم لطفلين بعمر 10 سنوات) "احاول الاقتصاد بكل شيء بالحياة فيما يخصني ويخص زوجي ، لتأمين الاقساط المدرسية التي باتت كالثروة في هذه الايام الصعبة"، مضيفة " نستطيع أن نتحمل كل شيء، إلا أن نضيع فرصة التعليم الجيد لاطفالنا".

ولماذا لا تنقلهم الى التعليم الرسمي، تجيب عليا " ماذا سيتعلمون في المدارس الرسمية، فمعظم ايام الدراسة يقضونها في المنزل بسبب الاضرابات"، حيث طغت على السنوات الدراسية إضرابات متكررة لمعلمين يطالبون بتحسين رواتبهم.

يذكر أن روابط التعليم الرسمي في لبنان، أعلنت الشهر الماضي الإضراب والامتناع عن القيام بأي عمل إلى حين دفع المستحقات. وفي بداية الشهر الجاري علق الأساتذة المتعاقدون في التعليم الأساسي الرسمي إضرابهم المفتوح، وعادوا إلى مدارسهم استجابة لدعوة رابطة الأساتذة المتعاقدين، التي أكدت أن قرار التعليق جاء كمبادرة إيجابية لملاقاة الحكومة ووزارة التربية في منتصف الطريق، واستكمال التفاوض ضمن مسار حوار مفتوح.

نفقات التعليم باتت حديث الأهالي الذين يواجهون واقعا صعباً، في ظل ظروفٍ معيشية قاسية تفرض عليهم البحث عن خيارات تعليمية بكلفة أقل. ومع الارتفاع المستمر وغير المسبوق للأقساط المدرسية في المؤسسات التربوية الخاصة، بات العبء المالي لتعليم الأبناء هاجساً يؤرق الأسر اللبنانية.

ويمثل التعليم الرسمي في لبنان شريان حياة للعديد من العائلات الفقيرة. رنا (أم لأربعة أطفال) تقول" أشعر بالقلق على مستقبل أولادي في هذه البلاد، حيث بقي أولادي لعدة أشهر العام الماضي في المنزل جراء الإضرابات، لا قدرة لي على نقلهم إلى المدارس الخاصة فكلفتها المادية عالية جدا، لذا مضطرة إلى وضعهم في المدارس الرسمية وهذا أفضل من لا شيء".

ونتيجة النظرة السائدة عن تدني جودة التعليم في المدرسة الرسمية مقارنة بالمدرسة الخاصة، أكد جان (اب لطفل بعمر 9 أعوام) "افضّل المدارس الخاصة على الرسمية ، لان هناك تفاوتا كبير بين التعليمين عندما يتصل الأمر بالنوعية"، مضيفاً "عدد كبير من المعلمين في المدارس الرسمية لا يملكون المؤهلات الكافية للتدريس".

وتهاوى مستوى التعليم الرسمي خلال الحرب المشؤومة عام 1975 ،التي لم تجلب إلا الخراب على البلاد، والتي انتهت مطلع تسعينات القرن الماضي. وثمة دراسة تظهر أن نحو 60% من اللبنانيين لا يزالون يلتحقون بالتعليم الخاص، مقابل 40 % فقط في التعليم الرسمي.

أمام هذا الواقع وما وصل إليه التعليم الرسمي في البلاد، تؤكد فيفيان (معلمة في إحدى المدارس الرسمية) أنه "لإعادة الثقة بالتعليم الرسمي، لابد من احترام كرامة الأستاذ وتأمين معيشته بكرامة، لأنه لا يستطيع أن يمارس مهنة التعليم، والجوع يتسلل الى أولاده، فلا بد من تحسين التقديمات من طبابة واستشفاء وبدلات النقل وما الى هنالك قبل الرواتب".

وأكدت فيفيان (معلمة في المدارس الرسمية اللبنانية ) ان "التعليم الرسمي في لبنان يعد من الركائز الأساسية لبناء المجتمع وتنميته"، وشددت على "إن التعليم الرسمي له أهمية كبيرة من عدة نواح، حيث يعمل على محاربة الأمية والجهل، وتعزيز المساواة وتكافؤ الفرص بدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، من خلال تأهيل الشباب بالمهارات والمعرفة اللازمة لسوق العمل، ويُسهم التعليم في تحسين مستوى المعيشة والحد من البطالة، كما يعمل على ترسيخ الهوية الوطنية والانتماء، وتحقيق التنمية المستدامة، ويدعم الاستقرار السياسي والاجتماعي".

يذكر أنه في عام 1798 تأسست مدرسة "عين ورقة" في غوسطا في منطقة كسروان الفتوح، واعتبرت "أم المدارس في الشرق"، وتعتبر هذه المدرسة أول مؤسسة تربوية في لبنان تقدم التعليم المجاني للتلاميذ، وذلك بفضل تخصيص أرزاق دير مار أنطونيوس لهذه الغاية، وقد خرّجت عددا كبيرا من البطاركة والمطارنة والكهنة، وأعطت لبنان نخبة من الأدباء الذين لعبوا دورا رياديا.

يواجه التعليم الرسمي تحديات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، نتيجة لتفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي تتطلب استجابة عاجلة من الحكومة والمجتمع الدولي، لضمان استمرارية العملية التعليمية وتحسين جودتها. فالعلم هو السلاح الأهم الذي يمكن من خلاله مواجهة الصعوبات، ويجب أن يكون محور اهتمام الدولة كما أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي قال" الاستثمار في العلم والتعليم هو استثمار في مستقبل لبنان"، مشدداً على "ضرورة دعم المعلمين وحمايتهم لتحقيق الأهداف التربوية في البلاد". فهل ستعمل الحكومة مجتمعة كدولة واحدة لتمكين البلاد بالعلم والمعلمين والمتعلمين؟

اليوم الدولي للتعليم

ممثل "اليونيسف" في لبنان أكيل أيار أكد في بيان أصدره لمناسبة "اليوم الدولي للتعليم" أنه " منذ العام 2019، ارتفع بشكل كبير عدد الأطفال خارج المدرسة، إذ يقدر اليوم أن طفلا واحدا من كل 3 أطفال في لبنان، ممن هم في عمر الدراسة، هو خارج نظام التعليم أو يفتقر إلى فرصة للتعلم".

اشارة الى انه يحتفل العالم باليوم الدولي للتعليم الذي أقرته الأمم المتحدة في 24 كانون الثاني من كل عام، للتأكيد على دور التعليم في تحقيق التنمية والسلام كأحد حقوق الإنسان، فهو مناسبة أممية تحتفل بها بلدان العالم.

يذكر أن النظام التربوي اللبناني نظام حر بحسب الدستور اللبناني، والتعليم إلزامي لجميع اللبنانيين للسنوات التسع الأولى من الدراسة الأساسية، كما يندرج التعليم في لبنان تحت ثلاثة أقسام:

- التعليم الرسمي المجاني وتتولاه شبكة من المدارس تشرف عليها وزارة التربية والتعليم العالي، التي تتولى الإنفاق عليها من الموازنة العامة.

- التعليم الخاص غير المجاني عبر مؤسسات في معظمها تتبع مؤسسات وهيئات دينية مسيحية وإسلامية، والقليل القليل منها علماني. وتتقاضى هذه المدارس أقساطاً مرتفعة من الأهالي الذين يرسلون أبناءهم إليها.

- التعليم الخاص المجاني، يتبع أيضاً للمرجعيات السابقة، مع أفراد يملكون رخصاً تبيح لهم فتح مدارس غالباً ما تكون في الضواحي والمناطق الفقيرة. ويجري تمويل هذه المدارس من مصدرين هما وزارتا التربية والشؤون الاجتماعية للحالات المتعسرة، بالإضافة إلى ما يدفعه الأهالي.

ربى أبو فاضل- الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا