عشية التجديد لليونيفيل.. تحرك أممي محليا ودوليا لتوحيد الرؤى
أبعاد قيام دولة للموحّدين الدروز
انشغلت الأوساط المحليّة والإقليميّة بما يعرف تاريخياً بالمسألة الدرزية. ذلك أن الموحّدين الدروز أقلية بارزة وذات دور معروف في تاريخ لبنان وسوريا منذ ما قبل استقلال البلدين. وكان ملفتاً للنظر التدخّل الإسرائيلي في ما تسمّيه إسرائيل الدفاع عن الدروز، إذ توجد أقلية درزية داخل فلسطين/ إسرائيل ايضاً، وأخذت الأحداث التي وقعت في بعض البلدات الدرزية طابعاً مأساوياً وتحوّلت فوراً إلى صراع بين جماعة السلطة الحاكمة وهي ذات طبيعة أكثرها سنيّة وبين الأقلية الدرزية. وبعد الأحداث الدموية التي شهدها شمال سوريا وعلى الشاطئ المتوسط حيث وقعت جرائم إبادة بحق العلويين من ذوي الولاء للعهد السابق في سوريا عهد بيت الأسد. سرت داخل معظم الأقليات ولا سيما الدرزية منها مشاعر تدعو للاستعداد لمواجهة مثل هذه المجزرة. وانقسم الموقف الشعبي والقيادة الدرزية إلى ثلاثة توجهات:
واحد، يدعو إلى قيام دولة الموحّدين الدروز.
ثانٍ، يدعو إلى طلب الدعم والمساندة لمواجهة الأزمة المصيرية في تاريخ الطائفة من أي اتجاهات كانت، حتى، لا سيما من دولة إسرائيل.
ثالث، يدعو إلى التروّي ومقاربة المسألة بعقلانية والعمل للحفاظ على الطائفة من جانب، والمحافظة في الوقت عينه على التزاماتها التاريخية في العيش بسلام وأمان مع الأكثرية العربية. ويقود هذا التوجه زعماء في الطائفة وفي مقدمهم السيد وليد جبلاط.
أولاً: توجه غالبية الطائفة الدرزية (ميشال شيحا يفضّل أن يستعمل تعبير "جماعة" Communauté ) على تعبير الطائفة على تقاطع الدول الثلاث لبنان وسوريا وإسرائيل والمعروف تاريخياً أن الدروز كانوا الطائفة الوحيدة من أصول عربية إسلامية شيعية التي حاولت إسرائيل خلال مسارها التاريخي أن تدمجها في المجتمع الإسرائيلي. وكان هذا الأمر واضحاً في الحياة العامة وقوى الأمن والجيش. لذا، لم يكن مفاجئاً إعلان الدولة العبرية وقوفها إلى جانب الجماعة الدرزية إذا ما تعرّضت لاعتداء من الآخرين ولا سيما قوى السلطة في دمشق. لكن الملفت في الموقف الإسرائيلي مما يجري داخل الطائفة وحولها هو الموقف السريع والحاسم والتهديدي لكل من يسعى للنيل من الدروز وأكثر من ذلك مسارعة السلطات الإسرائيلية إلى القيام بثلاث مبادرات:
أولها، إرسال قوات عسكرية لقصف مواقع حول دمشق إنذاراً للسلطات السورية بأن الرّد سيكون مباشراً.
ثانيها، إرسال مؤسسات طبية لجلب المصابين الدروز في سوريا إلى مستشفيات إسرائيل للاعتناء بهم. وفي هذا الأمر معنى معنوي أكثر منه مادي إذ هي تعطف على المجتمع الدرزي وتعمل على حمايته.
ثالثها، دعم الأشخاص والحركات داخل الطائفة والتي ترى ضرورة الاستعانة بإسرائيل لمنع الاعتداء عليها وتهديدها .
هذا التطوّر السريع والمريح خلق وضعاً متفجراً مأسوياً داخل الطائفة. فسارع العقلاء إلى منع الانزلاق نحو خيارات صعبة وخطرة تقود الطائفة إلى ثلاثة خيارات صعبة:
أولاً: إما المواجهة داخل الطائفة بين تيّارين متواجهين مع ما في ذلك من مخاطر على نسيج الطائفة ومستقبلها ووجودها.
وإما المواجهة مع المؤسسات السياسية والعسكرية التي تقع الطائفة ضمنها في البلدان المتواجدة فيها، وهو أمر يشكّل خطراً على أبناء الطائفة.
وإما السعي للوصول إلى حل يحفظ الطائفة من جهة، ولا يشكّل تهديداً لمحيطها العربي بل يجعلها جزءاً من هذا المحيط. كما كانت تاريخياً وليست جزءاً من المحيط الصهيوني كما يريدها المسؤولون الإسرائيليون أن تكون، ومثل هذا الحل العقلاني المستند إلى تاريخ وحكمة حكماء الدروز المعروفين تاريخياً بالعقلاء، هو ما يعمل له كبار السياسيين الدروز وأصدقاؤهم في المحيط العربي ويأملون أن ينجح في وقف المأساة المصيرية التي تتعرّض لها الطائفة في المرحلة الحاضرة.
ثانياً: السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: لماذا سارعت إسرائيل بمثل هذه القوة وهذه الشراسة وهذا التدخل، لتجعل من نفسها الحامية الأولى والكبرى للوجود الدرزي؟
إن مراجعة لتصريحات مسؤوليها حول هذا الموضوع تؤكد أن الدولة العبرية جعلت من نفسها الضامنة الحقيقية للوجود الدرزي بكافة أبعاده: الوجودية والاجتماعية والسياسية.
إن الاجابة على مثل هذا التساؤل يفرض العودة إلى المسار التاريخي للوجود الصهيوني في فلسطين وتحديداً لمعنى وشرعية وجود كيان يهودي في المشرق العربي ابتداءً من منتصف القرن العشرين (1948). فمنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، تدعو الجهات المحلية والدولية ومؤسسات الأمم المتحدة ومؤتمرات القمة العربية ولا سيما مؤتمر بيروت العام 2002 إلى قيام دولتين في فلسطين. جميع هذه المحاولات باءت بالفشل ولم يصل أي منها عربياً كان أو دولياً، إلى ارساء الأسس التي تجعل من الدولة العبرية ليس جسماً غريباً في المنطقة، كما هي، وكما كان قد وصفها الشيخ بيار الجميل، بل أن تصبح جسماً طبيعياً في المنطقة.
كانت اسرائيل تقابل بالرفض جميع هذه المحاولات بما في ذلك حلّ الدولتين الذي يقع حوله شبه إجماع دولي.
إن إسرائيل تجد الآن في إشكالية الدولة الدرزية مدخلاً لها إلى ايجاد حل يجعلها جزءاً طبيعياً من المنطقة إذ سيكرّس قيام الدويلات الطائفية كجزء من حل شامل للمعضلة الشرق أدنوية. وإذ تجد اسرائيل أن الرهان على الطائفة الدرزية سيكون ربما أفضل من رهانها الخاسر على الطائفة المارونية. إذ بدل أن تستخدم هي بشير الجميل لأغراضها استخدمها هو لأهدافه في منع الإبادة عن شعبه. ولذا كان استشهاد البشير جزءاً من الثمن المطلوب حول مصير إسرائيل.
... إن مسارعة إسرائيل الملفتة لتبني قيام دولة درزية في المنطقة هي جزء من مشروع شامل لجعل الشرق الأدنى مجموعة من الدويلات الأقلوية والطائفية تكون دولة إسرائيل إحداها والدويلة الدرزية مدخلاً إليها بعد فشل مشروع الدويلة المارونية.
بقي القول إن التاريخ يسجل الحقائق ولا يسجل الأوهام.
نبيل خليفة -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|