في عاصمة الشمال 35 كنيسة.. وفي لوائحها لا تضّم مسيحياً واحداً!
ترامب يتحدّى نتنياهو...وماكرون يستغلّ الفرصة
في اللحظة الحاسمة، ظهر التصادم بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو. وفي الواقع، هو ليس ترجمة فقط للتصادم القديم بين النظرتين الأميركية والإسرائيلية إلى مستقبل الكيانات في الشرق الأوسط، بل هو أيضاً تصادم بين شخصية اليميني الأميركي الذي لا تهمّه إلّا إدارة الصفقات عبر العالم وشخصية اليميني الإسرائيلي الذي لا يرى في الشرق الأوسط سوى شراذم ضعيفة على أنقاض الكيانات القديمة.
حتى الآن، يثير ترامب هواجس نتنياهو وغضبه. ومنذ لقائهما المثير في البيت الأبيض، يزداد الجفاء السياسي بينهما. فالضيف الإسرائيلي الذي اعتبر نفسه مشاركاً في صناعة انتصار ترامب في الانتخابات، من خلال مجموعات الدعم اليهودية، أُصيب بصدمة كبيرة عندما تبين له أنّ الرئيس المنتخب يتصدّى للطموحات اليمينية الإسرائيلية بشكل مبرمج، خلافاً لوعود أطلقها سابقاً.
في المقابل، يعتبر ترامب أنّه سلَّف الإسرائيليين كثيراً من المكاسب والانتصارات التاريخية، وأنّ عليهم الآن أن يتحلّوا بالصبر وأن يثقوا في أنّ سياسته الإقليمية ستصبّ في مصلحتهم في النهاية، ولكن من دون الإضرار بالمصالح الأميركية.
يريد نتنياهو من ترامب أن يكون حاداً وحاسماً في مواجهة إيران، فلا يفاوضها على تسويات تسمح باستمرار نمو برنامجها النووي ونفوذها الإقليمي. لكن الرئيس الأميركي يعمل لانتزاع المكاسب من إيران، لكنه لا يسعى بالضرورة إلى سحقها. وهذه النظرة تقلق نتنياهو ورفاقه في الحكومة.
في الملف الفلسطيني أيضاً، أطلق ترامب وعداً مغرياً في السابق، هو شراء غزة بكاملها وتحويلها منتجعاً سياحياً، وإدخالها في تسوية سياسية سلمية كبرى. كما وعد بضمّ غالبية الضفة الغربية رسمياً إلى إسرائيل. وظن نتنياهو أنّ الفرصة سانحة لتحقيق ترانسفير فلسطيني من غزة والضفة إلى مصر والأردن ودول أخرى، تحقيقاً للحلم الإسرائيلي القديم بدولة يهودية. لكن ترامب الذي سبق أن سلّف الإسرائيليين اعترافاً بالقدس عاصمة لهم وبضمّ الجولان، تبدو أولويته في مكان آخر حالياً.
والمثير أخيراً هو ما ذكره الإعلام الإسرائيلي عن خطة يعمل ترامب لتسويقها قريباً في غزة برعاية أميركية مباشرة، وتقضي بإنهاء الحرب وإقامة إدارة فلسطينية فيها لا تستثني «حماس»، بل توافق على دمج عناصرها في القوى الأمنية الفلسطينية الشرعية. وهذه إشارة لها مغزاها في تعاطي ترامب مع ملفات أخرى في المنطقة.
والتباين الثالث بين ترامب ونتنياهو هو النظرة إلى مستقبل الكيانات في الشرق الأوسط. فالإسرائيليون يتورطون اليوم في مشاريع تقسيمية تبدأ في سوريا وبديهي أن تتمدّد إلى دول أخرى. وهم لذلك يستثمرون علاقاتهم بالدروز والأكراد وربما العلويين. ولكن، بدا حتى الآن أنّ واشنطن لا تشاركهم هذه الرؤية التقسيمية، بل تريد ترميم الكيانات ضمن حدودها الحالية، مع تحسينات في الأنظمة تقضي باعتماد الفيدراليات أو أي صيغ لامركزية أخرى تحترم التنوع.
منطلقات هذا التباين الأميركي- الإسرائيلي كانت قائمة تاريخياً. لكن مشكلة نتنياهو اليوم هي التوقيت، إذ إنّه يجد الفرصة سانحة حالياً، بعد حربي غزة ولبنان، ولن تتكّرر، وأنّ الحديد يجب أن يُضرب وهو حامٍ، وإلاّ فسيكون صعباً تحقيق النتائج إياها عندما يبرد.
وقبل أيام من زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة، تصل مواجهته الخفية مع نتنياهو إلى ذروتها وتتصاعد على السطح، سواء في الملف الإيراني أو في ملف اليمن، حيث أعلن ترامب أنّ الحوثيين استسلموا، أو في ملفي سوريا ولبنان حيث دخل الفرنسيون مباشرة على الخط، كالمعتاد، بالتنسيق مع الأميركيين.
في الواقع، لم يكن الفرنسيون يجدون مكاناً لهم عندما كان ترامب ونتنياهو في شهر العسل. ونامت وساطاتهم الإقليمية، بما فيها المساعي التي يبذلونها في لبنان، طفلهم المدلل في الشرق الأوسط. لكن واشنطن فتحت لهم الباب اليوم لوساطة جديدة تخدم مصالحها.
غضّ ماكرون النظر عن ماضي أحمد الشرع، واستقبله كرئيس لسوريا، بعدما كان ترامب قد مهّد له طريق الحضانة العربية. ومن خلالها فتح له خطاً للاتصال مع إسرائيل، لعلّه يبرم معها اتفاقاً يرضيها، تحت عباءة واشنطن، على قاعدة الحفاظ على استقرار سوريا، بعد إدخالها في مشاريع الانفتاح والديموقراطية، وفق المفهوم الأميركي للشرق الأوسط الجديد.
وهذا المفهوم يتقاطع مع سعي الفرنسيين إلى تثبيت سوريا ولبنان، ككيانين مستقلين، ومعهما سائر كيانات الشرق الأوسط التي رسموها ذات يوم قبل 100 عام. وهذا الدور يتولاه اليوم ماكرون، بالتنسيق مع واشنطن. ولذلك، وضع أرشيف الخرائط الفرنسية القديمة في تصرف لبنان وسوريا لإنهاء الأزمة الحدودية. وبالتأكيد، في مزارع شبعا ستكون للترسيم تداعيات مهمّة على البلدين وعلى «حزب الله» وسلاحه وإسرائيل.
وفي الخلاصة، واضحٌ أنّ الشرق الأوسط يستعد للدخول في عملية تجديد لا مفرّ منها. وربما تحاول واشنطن وباريس تسويق مشروع التجديد في ظل كياناته الحالية، بعد جذبها كلها إلى الفلك الأميركي والغربي، لكن نتنياهو ورفاقه في حكومة اليمين واليمين المتطرّف يصرّون على مشروع الدويلات أو شبه الدويلات الصغيرة القلقة على مصيرها، والتي تحمي دولة واحدة إقليمية عظمى، هي إسرائيل.
طوني عيسى -الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|