"حزب الله" يستدرج الحرب
لا يمكن تفسير سياسة شراء الوقت التي يعتمدها "حزب اللّه" في رفضه تسليم سلاحه، إلّا باعتبارها مقامرة خطيرة قد تقود إلى مواجهة عسكرية واسعة، تتخطى حدود التصعيد الجاري لتصل إلى احتمالات الاجتياح البري. هذه المقامرة تبدو أشبه بمحاولة كسر التوازنات، في لحظة باتت فيها أوراق القوة تتساقط من يد "الحزب"، بعدما فقد القدرة على الردع أو استعادة زمام المبادرة، حتى في الحدّ الأدنى.
فقد كشفت الحرب الجارية حجم الاستنزاف الذي أصاب "الحزب"، وعرّت قدراته أمام الداخل والخارج. ورغم ذلك، يتمسّك بموقفه المتعنّت، رافضاً أي نقاش جدي حول مصير سلاحه أو إعادة النظر بدوره. وهذا الإصرار لا يعكس قوّة بل عجزاً مقنّعاً، ومحاولة يائسة للهروب إلى الأمام، عبر افتعال مواجهات قد تفيد في تحسين شروط التفاوض، لكنها في الحقيقة تستدرج لبنان كله إلى قلب العاصفة.
الأخطر أن "حزب اللّه" بسياسته هذه يسلب الدولة اللبنانية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورقة قوة أساسية كان يمكن استثمارها على المستوى الدولي. كان بإمكان الدولة، لو امتلكت قرارها السيادي، أن توظف اعتداءات إسرائيل المتكررة كورقة ضغط في المحافل الأممية، لتُحرج إسرائيل، وتحاصرها سياسياً وأخلاقياً. لكن "الحزب"، بإصراره على الاحتفاظ بسلاحه، حرم الدولة من هذا الدور، وجعلها تبدو في موقع التابع، العاجز عن تمثيل مصالح شعبه أمام المجتمع الدولي.
يعوّل "الحزب" على نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية، معتقداً أن أي انفراج إقليمي سينعكس لصالحه، أو أن إيران ستتمكن من حماية ورقته. لكن هذا الرهان ينطوي على قدر كبير من الوهم، لأن طهران نفسها تدرك أن "الحزب" بات عبئاً أكثر منه ورقة ضغط رابحة، وأن أي تسوية كبرى ستضع سلاحه على طاولة البحث. وفي حال الحرب، فإن إيران لن تكون قادرة على حمايته ميدانياً، كما أن المجتمع الدولي لن يغطيه سياسياً.
في هذا المشهد، يبدو "حزب اللّه" كمن يهرب إلى الأمام، محاولاً قلب المعادلة بالمواجهة، بدل الاعتراف بالحقائق الجديدة. لكن هذه العبثية، التي تأخذ لبنان رهينة لمشروعه، لا تؤدي إلّا إلى مزيد من العزلة والانهيار، وربّما... إلى الحرب التي يظنّ أنه يتحكّم بها، بينما هو في الواقع يستدرجها.
أسعد بشارة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|