معمل نفايات صيدا والزهراني: "فرصة أخيرة" قبل الانفجار الشعبي والقضائي
أكثر من سبع سنوات مرّت ولا تزال أزمة معمل معالجة نفايات بلديات قضاءي صيدا والزهراني معلّقة بلا أفق واضح للحل. ومع كل إعلان عن خطط لإعادة تشغيله بكامل طاقته، يتلاشى الأمل بفعل البطء والتأخير المزمن في تنفيذ الوعود.
فكلّ خطة زمنية تضعها إدارة المعمل لعودة العمل سرعان ما تتراجع عنها، فيما النفايات تواصل التكدّس عند مدخله القائم على بولفار معروف سعد (جنوبي مدينة صيدا)، بأضرارها البيئية والصحية، والتي تصل آثارها إلى المستنقع البحري الملاصق له.
هذا التعثّر المتكرر دفع عدداً من أعضاء المجلس البلدي وناشطين في المدينة إلى التشكيك في صدقية الجداول الزمنية التي يعلنها المعمل كلّ مرة، وتوجيه اتهامات بهدر مالي يصل إلى نحو 20% من الأموال التي وصلت إليه من الدولة عبر إدارة شركة «IBC»، التي يصفونها بأنها محاطة بـ«حصن حديدي» يحول دون أي مساءلة، وفق ما يقوله عضو المجلس البلدي محمد دندشلي. هذه الشبهات دفعت النائب أسامة سعد إلى تقديم إخبار لدى النيابة العامّة الماليّة، طالب فيه وزارة الماليّة بوقف تسديد التزاماتها المالية تجاه المعمل إلى حين التزامه بتنفيذ العقد الموقّع مع البلديات منذ عام 2010. وبالفعل، امتنعت الوزارة عن صرف أي دفعات مالية جديدة، طالبةً فتح تحقيق في أداء المعمل.
خطة الفرصة الأخيرة
في المقابل، يسعى المجلس البلدي الجديد، بالتعاون مع اللجنة التي تضم ناشطين وأعضاء بلدية سابقين، إلى دفع الأمور نحو حلّ جذري يعيد المعمل إلى عمله الطبيعي، قبل الاضطرار إلى التصعيد قضائياً أو شعبياً. ويشدّد رئيس البلدية مصطفى حجازي على أنّ «الوضع القائم لم يعد يُحتمل، وهو عبء يرهق المدينة ويحتاج إلى معالجة عاجلة».
لذلك، طلب المجلس الجديد، وفقاً لحجازي، من إدارة المعمل «تسليم جدول زمني واضح لعودة التشغيل الكامل، ولمعالجة جبل النفايات، على أن يُرفق بتقارير دورية كل شهرين للتأكّد من التنفيذ». كما ألزمَ الإدارة بـ«دفع غرامات مالية وتحمّل إنذارات قانونية في حال حصول أي تأخير». وطالبها أيضاً بـ«تجهيز المعمل بكاميرات مراقبة، ومعدات إطفاء، وخزانات مياه احتياطية تحسّباً لأي حريق، إضافة إلى تجهيز العاملين بأجهزة حماية شخصية، وتنظيف وكنس المنطقة المحيطة وصولاً إلى مرفأ صيدا».
ويؤكّد رئيس البلدية لـ«الأخبار» أنّ «المطلب الأساسي يبقى إعادة مراجعة العقد الموقع مع الشركة وتعديل بعض بنوده بما ينسجم مع المصلحة العامة»، لافتاً إلى أنّ مجلس إدارة الشركة وافق على هذا التوجّه، و«الاجتماعات كانت إيجابية، ولمسنا تجاوباً للبدء بتنفيذ المطالب.
ورأينا بالفعل بعض التحسينات على مستوى المعدات ومعالجة النفايات، مع وعود باستثمار الأموال التي قبضتها الشركة من الدولة في شراء وصيانة المعدات».
ويشدد حجازي على أنّ «التعاون بين البلدية والوزارات المعنية أمر أساسي لتحسين الوضع وضمان تنفيذ الجدول الزمني لتشغيل المعمل»، مشيراً إلى أن المجلس الجديد «عقد اجتماعات مع وزارتي المالية والداخلية، ومن المرتقب عقد اجتماع مع وزيرة البيئة تمارا الزين خلال الأيام المقبلة».
ويؤكد حجازي أن «على الوزارات أن تعمل إلى جانب البلدية، خصوصاً أنّنا لا نملك القدرات المالية والتقنية لتسيير الأمور»، لافتاً إلى أن مجلسه سيطلب من وزارة البيئة «تكليف شركات متخصصة وبطرق تكنولوجية حديثة، وعلى نفقة إدارة المعمل، بمراقبة العمل ووزن الحمولات، للتأكد من حسن سير الأداء، إذ لا يجوز أن يكلّف المعمل نفسه شركة بمراقبته».
وعبر هذه الآلية، يضمن حجازي أنّ البلدية والوزارات المعنية سيكون لديهم «داتا» كاملة لتقييم عمل المعمل وجودته، بالتوازي مع مراقبة البلدية واللجنة على الأرض، مع تشديد القيود لضمان التزام إدارة المعمل بتعهداتها.
يظهر من كلام حجازي أنّها «خطّة الفرصة الأخيرة» التي يضعها المجلس البلدي أمام شركة «IBC»، خصوصاً أنّها كانت قد أخلّت بالاتفاق السابق مع المجلس البلدي السابق حينما تعهدت بخطة وجدول زمني لإعادة تشغيل المعمل بكامل طاقته بحلول منتصف عام 2026، إضافةً إلى جدول زمني للتخلص من النفايات المكدسة وغير المفرزة خلال ثلاث سنوات.
ورغم ذلك، تقدّر كميات هذه النفايات بمئات آلاف الأطنان، وقد جرى طمر بعضها بطريقة غير قانونية في المستنقع البحري.
ضغط قانوني وشعبي
هذه التعهّدات سرعان ما ظهرت لا شفافيتها، على حدّ تعبير ناشطين يشكّكون في جدوى «الفرصة الأخيرة»، معتبرين أنّ مصيرها سيكون مشابهاً للفرص التي مُنحت للمعمل في السنوات الماضية.
ويقول عضو المجلس البلدي محمّد دندشلي (رئيس اللائحة المنافسة لحجازي) إن «هناك حالة من الغموض وشبكة علاقات متشعبة يمتلكها مجلس إدارة الشركة تمنحه حماية سياسية وإدارية علينا أن نفضحها، خصوصاً أنّنا نجزم بحصول هدر مالي. فعلياً، لا وجود لمعمل بالمعنى الحرفي للكلمة.
وهذا ما أقرّ به مدير المعمل أحمد السيّد الذي اعترف في أحد الاجتماعات بأن المعمل لم يعالج النفايات بين تموز 2021 وشباط 2024 بعدما باع المعدات الموجودة فيه». ويضيف: «طوال هذه الفترة، كان المعمل يستلم النفايات ويستخلص منها المواد القابلة للتدوير لبيعها، فيما يضع ما تبقى منها في الجبل المحاذي أو يُطمر الباقي في البحر من دون أي قدرة على التحقق من ذلك».
ويلفت دندشلي إلى أنّ «المعمل لا يملك حالياً القدرة على المعالجة في ظلّ غياب المعدات اللازمة. أما شراء بعض التجهيزات من معامل غوسطا و«RDF»، فغير كافٍ لمعالجة نفايات صيدا والجوار. إذ لا تتجاوز إنتاجية معدات غوسطا مثلاً 10 أطنان في الساعة، فيما المعمل يحتاج إلى معالجة نحو 320 طناً يومياً، ولا سيما أنه يستقبل ما يقارب 100 طن إضافي من بلدات جزين والقرى المحيطة، من دون وجود هنغارات لمعالجة المواد العضوية».
ولكن أخطر ما في كلام «أبو سلطان» هو ما يتعلق باندلاع الحرائق التي تنشب شهرياً في جبل النفايات، والتي يعتبرها «حرائق مفتعلة، لأن المعمل لا يملك القدرة على معالجة المواد العضوية، وبالتالي يعمد عبر افتعال الحرائق إلى سحب الغازات منها لتقليص حجمها وخفض مستوى الجبل حتى يتسنى للمعمل وضع المزيد من النفايات فوق الجبل».
لذلك، يطرح دندشلي عدداً من الأسئلة عن أداء المجالس البلدية السابقة التي كانت توقع الكشوفات المالية لصالح المعمل فيما أبوابه مقفلة، بما يوحي بوجود تواطؤ أو إهمال إداري وتغطية سياسية. ويؤكد أنّ «الأمور اختلفت اليوم مع المجلس البلدي الحالي الذي اتخذ قراراً بعدم توقيع أي فواتير قبل مباشرة العمل الجدي».
بالنسبة إلى دندشلي، لا يعني المجلس البلدي الجديد «كيف يدير المعمل شؤونه أو كيف سيؤمّن موارده، فهو قبض على مدى سنوات مبالغ طائلة من دون وجه حق. ما نريده فقط هو الالتزام بالعقد وعدم التلاعب بحياتنا وصحتنا.
من غير المقبول أن تكون البلديات بحاجة إلى أموال لتنمية المناطق، بينما تذهب أموال الصندوق البلدي المستقل لمعالجة نفايات لا تُعالج أصلاً».
وعن الخطوات المقبلة، يبيّن دندشلي أن «العقد ينص على أنّه في حال توقّف المعمل، توجه البلدية إنذاراً، وإذا لم يستعد نشاطه خلال 30 يوماً، يحق للبلدية استرداده»، مؤكداً أنه «بالضغط الشعبي والقانوني سنأخذ حقنا، لأنّ البديل سيكون تكرار كارثة جبل النفايات السابق التي كلّفتنا أكثر من 25 مليون دولار لإزالتها».
كيف بدأت الأزمة؟
في البداية، كان المعمل يعالج النفايات التي يستلمها، مع رقابة فعلية على الكمية ونوعية الفرز. لكن أزمة تقنية ظهرت باكراً تتعلق بالتزام الشركة في العقد بمعالجة النفايات، من دون أي نسبة عوادم (المواد غير القابلة لإعادة التدوير). غير أن الواقع كان معاكساً، إذ بلغت نسبة العوادم بين 12 و15% من إجمالي النفايات، وكان يجري طمرها في أماكن خاصة.
مع بدء الأزمة المالية، توقفت الحكومة عن دفع مستحقات الشركة. ليتوقف المعمل في المقابل عن المعالجة أكثر من سنتين، مكتفياً باستلام النفايات وتكديسها عند بابه، مع توقيع فواتير من دون أي رقابة.
ومع الوقت، ثارت ثائرة «الصيادنة»، ولا سيما حينما رفضت جميع البلديات طمر العوادم في أراضيها، بعدما تحمّلت صيدا لسنوات نفايات مناطق أخرى، ومن بينها العاصمة. أما المعمل، فتحول إلى ما يشبه المكب، وسط غياب إدارته ومهندسيه ومراقبيه، فيما الماكينات صارت أشبه بخردة بعد بيع بعضها وتوقف صيانة بعضها الآخر.
يشار إلى أن المعمل كان يستقبل يومياً ما يفوق قدرته الاستيعابية؛ نحو 550 طناً: قرابة 220 طناً من صيدا وجوارها، والكمية المتبقية من الجنوب وجزين وبيروت.
لجنة متابعة وبطء في التحسينات
مع تزايد الضغوط، قرّر رئيس بلدية صيدا السابق حازم بديع تشكيل لجنة تضم القوى السياسية وناشطين في المدينة، بالتوازي مع عودة الدولة إلى دفع المستحقات. لكن بحسب المتابعين، لم تتجاوز النفايات المعالَجة فعلياً 30 إلى 40%، في وقت كان المعمل يحتاج إلى صيانة جدّية. ورغم إدخال بعض التحسينات بعد شراء معدات من معملي غوسطا و«RDF»، بقي الأداء بطيئاً ومتعثراً.
الإنجاز الأبرز للجنة كان إلزام المعمل بالتوقف عن استقبال النفايات من خارج صيدا، ولا سيما بيروت. لكن التطور ظلّ بطيئاً، إذ تكررت المماطلة في تنفيذ الوعود، ما دفع اللجنة في اجتماعاتها الأخيرة إلى المطالبة بوقف دفع مستحقات المعمل إلى حين التخلص من الجبل المكدّس.
ويتحدث بعض أعضاء اللجنة عن خلَلين أساسيين في آلية الدفع: الأول أنّ المعمل يتقاضى 95 دولاراً عن كل طن من النفايات المعالجة، بينما الحقيقة أنّه لا يعالج جميع الكميات، بل يكدّسها في أرض تابعة للبلدية، فضلاً عن توقفه عن العمل أكثر من سنتين، وهو يتقاضى أموالاً مقابل أطنان لم تعالج.
أما الثاني، فهو أنّ الاتفاق ينص على فرز 200 طن يومياً مجاناً لبلديات صيدا والزهراني خلال أول عشرين عاماً، على أن تنتقل ملكية الأرض التي أُقيم عليها المطمر وبعد ردم البحر (بحسب مرسوم وزارة الأشغال) إلى شركة «IBC»، وهو ما لم يحصل يوماً، ما يثير شكوكاً حول نوايا للشركة بالاستيلاء على الأرض من دون وجه حق.
لينا فخر الدين -الأخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|