السعودية تتوسّط لجنبلاط لدى أحمد الشرع
لم تكن زيارة النائب السابق وليد جنبلاط إلى دمشق، للمرة الثانية في غضون أشهر قليلة، محض صدفة أو مجرد مبادرة فردية، بل جاءت نتيجة لتراكم تطورات دفعت الطرفين إلى إعادة فتح قنوات التواصل. هذه العودة، التي مهّدت لها وساطات دينية وأخرى دبلوماسية، تبدو أقرب إلى محاولة لاستثمار ظرف درزي طارئ، أكثر منها سعياً لبناء ثقة سياسية متبادلة بين الجانبين.
بعد زيارته الأولى عقب انهيار نظام الرئيس بشار الأسد في الشتاء الماضي، أمل جنبلاط في إقامة علاقة رفيعة المستوى مع القيادة السورية الجديدة. ولأجل ذلك، شارك إلى حد بعيد في محاولة تظهير صورتها كقيادة جديرة. لكن حسابات سياسية دقيقة، خصوصاً في البيئة الدرزية، حالت دون تطوّر العلاقة مع قيادة أحمد الشرع. فقد تجنبت دمشق الانفتاح الكامل على “بيك المختارة”، خشية أن يؤدي ذلك إلى استفزاز أو خلق حساسية مع وجهاء السويداء الذين لا يزالون يمسكون بالزمام الميداني، ويخشون أي محاولة لـ”لبننة” المشهد المحلي عبر استقدام زعامة خارجية.
على مدى أشهر خلت، حاول جنبلاط تأمين لقاء مع الشرع، لكنه قوبل بعدم اكتراث من دمشق التي فضّلت عدم تحديد موعد، ما دفع بأحد النواب المقرّبين منه إلى محاولة تأمين موعد عبر القنوات الدبلوماسية، من دون جدوى.
ما تسرّب إلى بيروت من أوساط مطّلعة على زوّار دمشق، ودبلوماسيين يتابعون الملف، يشير إلى أن قيادة السويداء المعارضة لجنبلاط اشترطت على دمشق عدم إشراكه في أي نقاش أو ترتيبات تتعلق بالدروز. وقد بدأت أولى المؤشرات مع رفض هؤلاء زيارة دمشق إلى الجنوب السوري إبان رحلته الأولى. في هذا الوقت، كانت القيادة السورية قد بدأت بالفعل مفاوضات مع وجهاء السويداء، عرضت خلالها جملة مقترحات لإعادة هيكلة شاملة: ضمّ الفصائل إلى تشكيلات وزارة الدفاع، ودمج بعضها ضمن وزارة الداخلية، وتحويل جزء منها إلى جهاز الأمن العام، على أن يتولى عناصر درزية الملف الأمني.
لكن الأمور انقلبت مع تصاعد المواجهات بين فصائل درزية مسلحة والقيادة السورية، إثر تملّص رجالات أحمد الشرع من وعودهم بمنح مزيد من الحريات للطائفة، واستخدام الجماعات المتطرفة لاستفزاز المكوّن الدرزي. تفجّر الوضع في اشتباكات وصلت إلى الأحياء الدرزية على تخوم قصر الشرع في دمشق، وتعرّضت القيادة لموجة انتقادات بسبب ارتكابات الفصائل المتشددة الموالية لها بحق الدروز، وفشلها في ضبط الجنوب، وسط تصاعد التوتر الطائفي الذي عزّزته الارتكابات التي طالت أهالي الساحل العلويين، والتي أشارت تقديرات إلى أن أكثر من 17 ألف شخص تعرّضوا لها.
مع تزايد الاتهامات من إسرائيل وقيادات درزية لدمشق بالمسؤولية عن التصعيد، بدا أن كلفة القطيعة مع جنبلاط أصبحت مرتفعة. فاستعادته كشريك رمزي قد تساهم في كسر عزلة الدولة السورية الجديدة، وتقديم صورة أقل تشددًا إلى المجتمع الدرزي، وعبره إلى الخارج، وربما تتيح وساطة لبنانية داخلية يمكن البناء عليها. وهو ما دفع دمشق للقبول بزيارة جنبلاط، رغم أن الشرع نفسه يعلم – أو أُعلم – بعدم الرغبة الدرزية السورية في أي دور لجنبلاط.
اللافت أن قناة التواصل فُتحت هذه المرة عبر وساطة سعودية ذات طابع ديني، قادها شيخ العقل سامي أبي المنى، بدافع القلق على أمن الدروز، لا عبر مسار سياسي تقليدي. إذ أجرى، الخميس الفائت، اتصالًا بالسفير السعودي في بيروت، وليد البخاري، لوضعه في صورة التطورات في أشرفية صحنايا ومحيطها. خلال الاتصال، اقترح أبي المنى على البخاري أن تتدخل الرياض لدى الشرع لتحديد موعد لجنبلاط، من باب تخفيف الاحتقان الذي بدأ يسود الجبل، والذي أوشكت معالمه أن تكون أكثر تعبيرًا بعد الاعتداء على شيخ سني في بلدة الشبانية، ومحاولة الاستفادة من رمزية جنبلاط في التهدئة.
بالمقابل، اقترح البخاري عقد لقاء دبلوماسي في دار الطائفة الدرزية، برعاية أبي المنى، وبمشاركة سفراء دول عربية فاعلة ومؤثرة في الملف السوري. وهكذا حصل: توجّه جنبلاط صباح الجمعة إلى دمشق، حيث استقبله أحمد الشرع، فيما عُقد ظهر اليوم نفسه لقاء دبلوماسي في فردان، أظهر توجّهًا سعوديًا لإعادة التموضع في الملف السوري عبر البوابة الدرزية – اللبنانية. لكنه ولأسباب غير مفهومة، استُبعد منه ممثل الدولة السورية، إلى جانب دول أخرى تعد مؤثرة في الملف السوري كالعراق والإمارات. واقتصر الحضور على سفراء دول ترتبط بالرياض بمصالح في سوريا، كقطر وتركيا، أو تابعة لها كمصر، الأردن، فلسطين، تونس، والمغرب.
لقاء جنبلاط – الشرع حمل طابعًا استكشافيًا أكثر منه تفاوضيًا. استمعت دمشق إلى مقترحات قدّمها جنبلاط حول السويداء، ورؤيته لاحتواء تحركات الشيخ موفق طريف وجماعته، وكيفية الاستفادة من حضور المناهضين عبر تعزيز دوره، لكنها لم تُبدِ التزامًا واضحًا تجاهه. أما مطلبه بتسليم شخصيات متهمة بتنفيذ اغتيالات إلى لبنان – في إشارة إلى اللواء إبراهيم الحويجة المتهم باغتيال كمال جنبلاط، وحبيب الشرتوني المتهم باغتيال بشير الجميل – فقد قوبل ببرودة واضحة، ما يعكس عدم رغبة القيادة السورية بالخوض في هذا الملف الآن.
عبدالله قمح-ليبانون ديبايت
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|