السّلاح المختبىء وراء سنبلة قمح...
هل أضحى تمسّك “الحزب” بسلاحه أشبه بمَن يختبىء وراء سنبلة قمح؟ من خلالها لم يعد ثمّة ما يخفى منه: لا “الحزب” بما كان عليه وما صار إليه، ولا سلاحه المكشوف في الداخل وحيال الخارج. تجربة غير مسبوقة يختبرها للمرّة الأولى منذ أربعة عقود عرفت صعوداً متتالياً إلى أن أضحت أخيراً في القعر.
قدّمت الغارة الأخيرة لإسرائيل على الضاحية الجنوبية دليلاً إضافياً على أن لا نهاية لهذا المطاف. لا يعنيها وقف النار، أو في أحسن الأحوال تتصرّف كما لو أنّ الحرب لم تتوقّف بعد. ما رمَت إليه غارة الأحد المنصرم، ومن غير المؤكّد أنّها ستكون الأخيرة، هو إبراز حقائق جديدة مفادها أنّ حرب إسرائيل لا تزال مفتوحة منذ 23 أيلول الماضي، لم يُنهِها إعلان وقف النار في 27 تشرين الثاني. وأهمّ تلك الحقائق:
1- التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية المستمرّة جنوب نهر الليطاني كما شماله، على أنّها جزء أساسيّ في الحلّ النهائي لسلاح “الحزب”، وليست في وجهه أو عائقاً دونه.
2- اعتقاد الدولة العبرية بأنّه من خلال لغة النار والحديد والقتل والتدمير سيكون في وسعها الوصول بنفسها إلى الحلّ النهائي الذي تريده لحدودها الشمالية، ولأبعد منها، شمال نهر الليطاني، ممّا لا يسع أن يقدّمه لها لبنان، سواء الدولة اللبنانية أو الأفرقاء أو الطوائف، وإن أجمعوا على رفض استمرار سلاح “الحزب”، ما دام الفريق الشيعي في المقلب الآخر من هؤلاء جميعاً مصرّاً على الإبقاء على ما بقي من سلاحه بذرائع شتّى، وهو لن يتردّد في مواجهتهم للحؤول دون تخلّيه عنه.
ربط المساعدات بنزع السّلاح
3- يحظى توالي الهجمات والاعتداءات الإسرائيلية بغطاء عربي – غربي غير مكتوم بغية الانتهاء أخيراً من تجربة “الحزب” كميليشيا، ويُعبِّر عنه ما يسمعه رئيس الجمهورية جوزف عون في زياراته الخارجية وما يدلي به أمامه الموفدون الزائرون من توقّع أن يكون لبنان خالياً من أيّ وجود مسلّح لـ”الحزب” على كلّ أراضيه وليس جنوب نهر الليطاني فحسب. وهو مغزى الشرط المستعصي والمؤجّل بربط المساعدات وإعادة الإعمار بالوصول إلى تلك اللحظة.
4- المفارقة بذاتها في أنّ إسرائيل لم تعُد تقاتل أحداً في لبنان وجهاً لوجه. لا عدوّ أمامها تقاتله على الأرض. هي أقرب إلى حرب من طرف واحد. تحدّد بنفسها تكتيكاتها ومواقيتها وأهدافها في معزل عن صحّة الذرائع الملحقة والمبرِّرة لهذه الاعتداءات، سواء كانت سيارات أو بيوتاً أو مبانيَ أو منشآت أو حقولاً أو أفراداً، دونما أن توفّر خصوصاً المشتبه بانتمائهم إلى “الحزب” حيث يكونون.
في المقابل لا تواجَه بأيّ ردّ فعل. يكتفي “الحزب” بالتنديد والتهديد وتحميل الدولة اللبنانية مسؤوليّة ما حدث وتداعياته. منذ 27 تشرين الثاني لم يطلق رصاصة واحدة جنوب نهر الليطاني وشماله، ردّاً على ما يتعرّض له في كلتا المنطقتين، على الرغم من تأكيده المتواصل أنّ صبره يكاد ينفد من جهة، وأنّه أعاد بناء قدراته العسكرية وبناه ولا يزال يملك ترسانة قويّة قادرة على المواجهة من جهة أخرى.
واقع الأمر، وهو ما يعرفه تماماً، أنّه لم يعد يملك مبادرة الردّ على العدوّ أو مواجهته. بذلك فقد المغزى الحقيقي لوظيفة السلاح ما إن أُبْعِدَ عن خطوط التماسّ مع الخطّ الأزرق.
إنّها حرب وجوديّة
5- إنّ إسرائيل لن توقف حربها على “الحزب” و”حماس” بلا نتيجة، أو بنصف نتيجة، بعد الخسائر الجسيمة والكلفة العالية التي تكبّدتها إثر إرغامها على خوضها ومباغتتها بها من الجنوب والشمال، لأنّها أقرنت الحرب هذه، أكثر من أيّ من الحروب التي خاضتها مع العرب على مرّ العقود المنصرمة وربّما للمرّة الثانية بعد حرب 1948، بوجودها وكيانها، وغدت تدافع عن نفسها داخل حدودها. لن توقف الحرب قبل التأكّد أنّ كلا “الحزب” و”حماس” لم يعودا يملكان أيّ سلاح يهدّدها. لا تصوّر في الداخل الإسرائيلي سوى منع أبصاره ترسانات عسكرية تقلقه.
6- بعدما اعتاد “الحزب” مقاربة تمسّكه به وتضخّم ترسانته والاضطلاع بأدوار خارج الحدود اللبنانية وبعيداً من خطوط المواجهة مع إسرائيل انطلاقاً من قراءة معادلات التوازن الإقليمي والردع المتبادل، لم يعد السلاح في ضوء نتائج الحرب الأخيرة سوى قبس من موقف عقائدي وديني متشدّد.
بات يُعزى أخيراً إلى أنّه الضمان الوحيد الذي يحمي الطائفة ويمنع الاعتداء عليها واضطهادها. مؤدّى ذلك أنّ “الحزب” يحتاج إلى الدولة اللبنانية لإعادة إعمار ما تهدّم في بيئته، ولا يطمئنّ إليها، بل إلى نفسه في حماية الطائفة.
الحوار غير ذي جدوى
7- يَظهر عامل مهمّ على نحو خجول، لكنّه ينطوي على واقعيّة محسوسة. فبينما يكرّر رئيس الجمهورية، مناسبة تلو أخرى بلغة مجامِلة لبقة وهادئة، إصراره على حصريّة السلاح في يد الدولة وحدها وأن لا سلاح غير شرعي بعد الآن، ويثابر على القول إنّ قراراً بذلك اتّخذ وسينفّذ ولا يلفظ كلمة “نزع” أو “تسليم”، وفي الغالب لكلامه دلالة خاصّة لأنّه ردّ مباشر على تمسّك “الحزب” بسلاحه، ثمّة دور مواز يقوم به الجيش لا يقلّ فاعلية: قضم تدريجي لسلاح “الحزب” بوضع اليد عليه ودهم مخازنه ومصادرته.
تباعاً أُعلن في الأيّام الأخيرة تنظيف جنوب نهر الليطاني من السلاح كليّاً، مع أخبار مقابلة عن مصادرته إيّاه في مناطق في شمال نهر الليطاني. أهميّة هذا القضم المرحليّ بلا ضجيج إعلامي مستفزّ وبلا تعمّد توجيه إساءة مباشرة، تزامُنه مع أحاديث عن حوار سيجريه في وقت ما عون و”الحزب” وجهاً لوجه لبتّ مصير السلاح. واقع الأمر أنّ توالي أعمال القضم وتقدُّمها يجعلان الحوار الجاري الكلام عليه غير ذي جدوى.
اساس ميديا- نقولا ناصيف
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|