أدرعي يوجّه رسالة للعرب : "الخبر اليقين ..بس عنا وبس "!(فيديو)
في قلب الرعب المنظّم: كيف قتل نظام الأسد أكثر من 160 ألف مختفٍ بلا رحمة
في تحقيق موسّع نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، كُشفت تفاصيل صادمة عن واحدة من أوسع منظومات القمع والقتل المنهجي في العصر الحديث، والتي بناها نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وأدّت إلى الإخفاء القسري لأكثر من 160 ألف شخص منذ عام 2011، وفق توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
التحقيق استند إلى آلاف الصفحات من وثائق الاستخبارات العسكرية السورية، جرى العثور عليها داخل مجمّعات أمنية في دمشق بعد سقوط النظام وفرار الأسد إلى روسيا في كانون الأول 2024. هذه الوثائق، التي كانت جزءًا من تحقيق داخلي استمر عامًا كاملًا حول “الجرائم المرتكبة بحق أمن الدولة”، تكشف كيف تحوّلت أجهزة الأمن إلى آلة موت صناعية تعتمد على المراقبة الشاملة، والوشاية، والتعذيب، والتصفية الجسدية.
ومن بين القصص التي تضمنها التحقيق، تبرز قضية الشيخ عبدو خروف، وهو داعية إسلامي معتدل من أحد أحياء دمشق الفقيرة. ففي تموز 2020، استُدعي الشيخ البالغ من العمر 60 عامًا من قبل ضابط استخبارات بحجة المساعدة في حل نزاع عائلي. لكنه، فور وصوله إلى المكان، اقتيد بالقوة إلى شاحنة أمنية ونُقل إلى مجمّع أمني محاط بالأسوار في قلب العاصمة. هناك، وفي قبو سجن تابع للاستخبارات العسكرية، توفي تحت التعذيب، من دون أن تتسلّم عائلته جثمانه حتى اليوم.
اللغز الذي لاحق العائلة لسنوات بدأ يتكشّف بعد سقوط النظام، عندما اطّلع أفرادها على ملفه الأمني، الذي كان من بين الوثائق التي حصلت عليها وول ستريت جورنال. وتبيّن أن توقيف الشيخ جاء بناءً على “إفادة” أدلى بها أحد أقربائه البعيدين، وهو مقاتل معارض سابق، أثناء خضوعه لتحقيق قاسٍ في السجن نفسه. الوثائق تشير إلى أن هذا القريب ذكر اسم الشيخ باعتباره “مشتبهًا بتقديم دعم للمعارضة”، رغم أن العائلة تؤكد أن خروف ابتعد عن السياسة منذ سنوات، وكان يلتزم بإلقاء خطب دينية مصادق عليها رسميًا من وزارة الأوقاف.
القريب المذكور، محمود خروف، نفى في مقابلة مع الصحيفة أنه ذكر اسم الشيخ، مؤكدًا أنه تعرّض لتعذيب شديد وأُجبر على توقيع إفادات وهو معصوب العينين. لكن عائلة الشيخ، التي قطعت علاقتها به منذ سنوات، تقول إن الوثائق الأمنية حسمت شكوكها القديمة، معتبرة أن الوشاية كانت السبب المباشر في مقتله.
وتوضح الصحيفة أن هذه القصة ليست استثناءً، بل نموذجًا متكررًا داخل منظومة أمنية شُيّدت على زرع الخوف داخل المجتمع السوري نفسه، على غرار جهاز “شتازي” في ألمانيا الشرقية أو الشرطة السرية في عهد ستالين. النظام، وفق الوثائق، حوّل الجيران ضد بعضهم، والأزواج ضد زوجاتهم، والأقارب ضد أقرب الناس إليهم.
وبحسب التحقيق، فإن أكثر من 160 ألف سوري أُخفوا قسرًا منذ اندلاع الانتفاضة، كثيرون منهم قُتلوا تحت التعذيب ودُفنوا في مقابر جماعية، وفق توثيق باحثين أميركيين وسوريين في جرائم الحرب، وتقارير للأمم المتحدة، وتحقيقات الصحيفة نفسها.
الوثائق التي اطّلعت عليها الصحيفة، والتي تجاوزت ألف صفحة، عُثر عليها داخل مجمّع أمني في حي كفر سوسة قرب ساحة الأمويين في دمشق. بعضها وُجد مخبّأ في مستودعات سرية، اكتشفها مقاتلو المعارضة بعد اختراقهم جدرانًا داخلية في المبنى، فيما تُركت ملفات أخرى مكدّسة على مكاتب ضباط فرّوا على عجل، تاركين خلفهم أسلحة شخصية، وزجاجات كحول، وأكواب شاي نصف ممتلئة.
وتُظهر الوثائق كيف كانت أربع وكالات استخبارات رئيسية تتقاسم الأدوار في مراقبة السوريين: ناشطين سلميين، مقاتلين معارضين، دبلوماسيين زائرين، موظفي الأمم المتحدة، وحتى بعضهم بعضًا. وتكشف أن “الجرائم” التي استوجبت الاعتقال شملت حيازة دولارات أميركية، استخدام شرائح هاتف غير مسجّلة، أو حتى انتقاد الحكومة داخل المنزل.
كما توثق الملفات استخدام التعذيب المنهجي لانتزاع اعترافات كاذبة، وهو ما أكدته الصحيفة عبر مقابلات مع أشخاص وردت أسماؤهم في تلك الملفات. ومن بين الحالات التي تم التحقق منها: ممثل سوري طُلب من زوجته تأجيل طلاقها منه وتسجيل أحاديثه السرية؛ جاسوس أُرسل لمراقبة مؤتمر دبلوماسي في براغ؛ ومراهق تعرّض للتعذيب حتى اعترف زورًا بالانضمام إلى مجموعة مسلّحة.
وتكشف الوثائق أيضًا حجم التجسس على أنشطة الأمم المتحدة في سوريا. أحد التقارير عام 2014 فصّل زيارة وفد من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى مركز إيواء في حلب، متضمنًا أسماء وأرقام هويات جميع أعضاء الوفد. رئيسة الوفد أكدت للصحيفة أن الملف يثبت شكوكها القديمة بأنهم كانوا تحت مراقبة دائمة.
داخل أقبية الفرع 215 من الاستخبارات العسكرية، تصف الوثائق ظروفًا توصف بأنها غير إنسانية: زنازين بحجم التوابيت، غرف ملطخة بالدماء، وجثث تُنقل يوميًا بالعشرات. ضابط سابق في الشرطة العسكرية أكد أن وحدته كانت توثّق ما بين 3 إلى 10 جثث يوميًا من هذا الفرع وحده بين عامي 2012 و2015.
وفي شهادة أخرى، يروي شاب سوري يدعى محمود حماني أنه اعتُقل عام 2014 وهو في السابعة عشرة من عمره، واتُّهم بالانضمام إلى فصيل معارض. يقول إنه جُرّد من ملابسه، وعُلّق من يديه، وتعرّض للصعق بالكهرباء، قبل أن يوقّع اعترافًا كاذبًا بعد أربعة أيام من التعذيب. القائد المعارض الذي زُعم أنه عمل معه نفى ذلك كليًا، مؤكدًا أنه كان قاصرًا ولم يُسلَّح يومًا.
وتخلص وول ستريت جورنال إلى أن السوريين بدأوا، بعد عام على سقوط النظام، بإدراك حجم الصدمة والارتياب الذي خلّفته هذه المنظومة. فالسؤال اليوم لم يعد فقط عن الجرائم، بل عن من وشى بمن، ومن كان جزءًا من آلة الخوف. ورغم إعلان الحكومة السورية الجديدة نيتها فتح تحقيقات ومحاسبة المسؤولين، ترى الصحيفة أن كشف الحقيقة كاملة سيكون مهمة شاقة وطويلة، في بلد ما زال يتلمّس طريقه خارج إرث الرعب الذي خلّفه نظام الأسد.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|