أسقطوا قانون الفجوة المالية

ليس عبر هذا النوع من القوانين تُستعاد ودائع الناس المصرفية. فلا يمكن لدولةٍ بهذا الشكل، ولا لهذا النظام، أن يسدّدا ديونهما للناس من جيوب الناس أنفسهم. ما يجري يشبه عملية احتيال كبرى، حيث يُحاسَب الضحية، فيما يفرض الجاني شروطه وأحكامه على من سُلبت حقوقه.

الودائع التي انتظرها الناس طوال هذه السنوات لا يمكن استرجاعها بهذه الآليات. فاستعادة الأموال تتطلّب عملية إصلاح حقيقية، لا حركات بهلوانية من هذا الوزير أو ذاك، ولا إجراءات شكلية تُسوَّق على أنها حلول. الإصلاح الفعلي يبدأ بتحقيق شفاف وشامل في عمل جميع الوزارات، من دون استثناء.

ويفترض فتح كل الملفات، وخصوصًا في وزارة الطاقة ووزارة الاتصالات وسائر الوزارات التي شكّلت على مدى سنوات أبوابًا للهدر والفساد. كما ينبغي إنشاء صندوق مالي مستقل يُسمّى "صندوق استعادة الودائع"، توضع فيه كل الأموال المنهوبة التي ذهبت إلى بعض المحسوبين وشذّاذ الآفاق.يُموَّل هذا الصندوق من الأموال التي يستعيدها القضاء من الفاسدين الذين ملأوا جيوبهم بملايين الدولارات، سواء في ملف بواخر الكهرباء، أو في صفقات الاتصالات، أو في ما قيل عن الصناديق السوداء في كازينو لبنان، وغيرها من الملفات التي باتت معروفة للرأي العام.

إن استعادة الودائع لا تبدأ بالأرقام ولا بالسندات، بل باستعادة الثقة بالدولة وبالقطاع المصرفي. وقانون الفجوة المالية الذي أُقرّ لا يحقق هذا الهدف، بل على العكس، يزيد من منسوب عدم الثقة بالدولة ومؤسساتها، ويعمّق الشرخ القائم بينها وبين المواطنين.

وفي الأشهر الأخيرة من ولايته، يُطالب مجلس النواب، للمرة الأخيرة، بأن يقف إلى جانب الشعب الذي انتخبه، عبر رفض هذا القانون المجحف بحق الناس. فالمال الذي يُستعاد بعد عشرات السنين لا قيمة فعلية له، وهو يشبه المال المنهوب الذي لن يستفيد منه صاحبه.

أما السندات التي تُعرض على أصحاب الودائع، فهي أشبه بشيكات بلا رصيد، إذ لا أحد قادر على كفالة منظومة لعشرات السنين، فيما هي عاجزة حتى عن تأمين الكهرباء غدًا أو بعد غد.

إن قانون الفجوة المالية الذي أقرّته الحكومة لا يشكّل حلًّا، بل هو بمثابة رصاصة إعدام في كيانٍ بات جسده مثقوبًا من كثرة الرصاص.

البروفيسور إيلي الزير